المغرب صار وجهة هجرة وليس فقط ممر عبور لمهاجرات أفريقيا

شهد المغرب تزايداً في تدفق المهاجرات من أفريقيا جنوب الصحراء خلال السنوات الماضية. صورة من: Marco Simoncelli/DW Migranten aus Senegal sind in den Städten Marokkos - hier Casablanca - ein alltägliches Bild.
شهد المغرب تزايداً في تدفق المهاجرات من أفريقيا جنوب الصحراء خلال السنوات الماضية. صورة من: Marco Simoncelli/DW

على مدى العقدين السابقين لعام 2024 تحول المغرب من بلد عبور للمهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلى بلد وجهة خاصةً للنساء الأفريقيات، فما سبب ذلك؟ استقصاء مجموعة صحفيين.

الكاتب، الكاتبة : Marco Simoncelli, Marco Valenza, Davide Lemmi & Oumar Sall

من داخل شقتها بحي الشرف السكني في مدينة مراكش المغربية لا تدخر أومو سال أي جهد في العناية وإطعام مولودها الجديد. وتعود قصة انتقالها من بلدها السنغال إلى المغرب إلى عام 2017 إلى أن أومو سال -البالغة من العمر 27 عاماً- قصدت المغرب لإكمال درجة الماجستير في إدارة الأعمال.

وتعود إلى العمل في أحد مراكز الاتصال وخدمة العملاء في غضون أسبوع بعد انتهاء إجازة الوضع والأمومة.

وتتشابه قصة أومو في أركانها وتفاصيلها مع قصص العديد من المهاجرات من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى اللاتي يتدفقن إلى المغرب بأعداد متزايدة حيث أفادت أرقام الأمم المتحدة أن النساء شكلن نسبة 48.5% من المهاجرين النظاميين في المغرب عام 2020.

وفي مقابلة مع دي دبليو قالت أومو إن تأقلمها في المغرب لم يكن بالأمر الصعب، مضيفة: "سرعان ما وجدت [مهاجرين ومهاجرات] من جنوب الصحراء الكبرى في الشركة التي أعمل بها، والعلاقة بيني وبين أرباب العمل جيدة".

وفي سياق ذلك يقول خبراء إن هذا المسار يدل على أن المغرب تحول من مجرد "دولة عبور" للمهاجرين والمهاجرات من القارة السمراء إلى "دولة وجهة" للعديد من النساء الباحثات عن وظائف ذات رواتب أعلى لإعالة أنفسهن وأسرهن في بلادهن.

اتخذت السلطات المغربية خطوات لتسهيل تسوية أوضاع المهاجرين والمهاجرات في البلاد. صورة من: Marco Simoncelli/DW Migrantinnen warten am neuen Bahnhof von Casablanca.
اتخذت السلطات المغربية خطوات لتسهيل تسوية أوضاع المهاجرين والمهاجرات في البلاد. صورة من: Marco Simoncelli/DW

طفرة تشغيل في مراكز الاتصال

شهد العمل في مراكز الاتصال ازدهاراً كبيراً في المغرب خلال السنوات الخمس عشرة الماضية، مما ساعد العديد من المهاجرين والمهاجرات الناطقين بالفرنسية في العثور على فرصة عمل جيدة.

بدورها قالت أومو إن إيجاد فرصة عمل في مراكز الاتصال هو أمر البسيط إذ يكفي إتقان اللغة الفرنسية، وتؤكد المهاجرة على عدم ضرورة توافر درجة جامعية. وتصل الأجور إلى 2500 درهم أي ما يعادل 322 يورو شهرياً بالإضافة إلى مكافآت وحوافز ما يكفي لإعالة أسرتها في السنغال.

وأضافت أومو سال: "نحن نعمل في الواقع للحصول على مكافآت وحوافز لأنه إذا حصلنا عليها، فيمكننا إرسال الأموال إلى عائلاتنا وأيضاً توفير بعض المال".

من "خادمات" إلى سيدات أعمال

وعلى بعد حوالي 250 كيلومتراً من جنوب مراكش وتحديداً في حي السلام في أغادير، تستقبل سيدة الأعمال السنغالية خادي واد بالدي بترحاب زبائن صالون التجميل الذي تمتلكه في المدينة.

وفي الوقت الذي كانت تراقب فيه العمل داخل الصالون وزبائنها ومعظمهن من المغربيات تروي خادي قصة النجاح التي سطرتها في المغرب حيث قصدتها عام 2008 فيما كان عمرها لم يتجاوز الثالثة والعشرين عاماً بهدف تحسين مهاراتها في تصفيف الشعر. وحصلت على تدريب مهني تحت إشراف رجل مغربي ومن ثم استطاعت بعد سنوات من العمل الشاق والدؤوب افتتاح صالون خاص بها.

وفي مقابلة مع دي دبليو قالت: "عندما وصلت إلى المغرب كانت معظم النساء الأفريقيات من جنوب الصحراء الكبرى يعملن كخادمات أو مربيات أطفال، لم يكن من الممكن أن يعملن في مجال التجميل وتصفيف الشعر كما هو الحال في يومنا هذا. في البداية ظن الكثير أني خادمة لكنني أردت أن أصبح مصففة شعر".

وتشعر خادي بالرضا إزاء مسيرتها في المغرب حتى أن صالونها بات مقصداً للكثيرات في المدينة المغربية، لكنها ورغم ذلك تدرك الصعوبات التي تواجهها المهاجرات الأفريقيات الأخريات من جنوب الصحراء الكبرى في المغرب. وقالت: "لا أعرف بالتحديد ما يحدث لهن لكني أعلم أن الأمر صعب على البعض منهن، لم يحالف الحظ الجميع كما حالفني".

تسوية أوضاع ولكن ...

ورغم النجاح الذي سجلته كل من أومو وخادي فإن مصير العديد من المهاجرات الأفريقيات مازال غامضاً حيث تشير التقارير إلى وجود ما بين 70 ألف إلى 200 ألف مهاجر من جنوب الصحراء الكبرى في المغرب، كثير منهم غير نظاميين فيما تتعرض النساء اللواتي لا يملكن أوراقاً ثبوتية لخطر الاستغلال والتهميش خاصة في قطاع الزراعية والعمل في المنازل.

وعلى وقع الأعداد المتزايدة من المهاجرين اضطرت الرباط إلى مراجعة سياسات الاندماج الخاصة بها، حيث دشنت حملتين ساعدت في تسوية أوضاع أكثر من 50 ألف مهاجر معظمهم من أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بين عامي 2014 و2017 وهذا مهد الطريق أمام حصولهم على تصاريح إقامة.

بدورها أشادت عايدة خير الدين الباحثة المغربية في قضايا الجندر والهجرة بالحملتين قائلةً: "لقد شهدنا لأول مرة في تاريخ المغرب عملية تسوية جماعية للمهاجرين فيما تم إيلاء أهمية خاصة للنساء".

وفي مقابلة مع دويتشه فيله أضافت: "كانت هناك معايير لتسوية الأوضاع مثل التواجد في المغرب لأكثر من خمس سنوات فيما جرى إعطاء الأولوية للنساء والأطفال، لكن منذ عام 2018 شهدنا تراجعاً".

ورغم الجهود الكبيرة في تسوية أوضاع المهاجرين والمهاجرات غير النظاميين مازالت هناك عقبات قانونية خاصة أن القانون الذي يُنظم الحصول على تصاريح إقامة يعود إلى عام 2003.

استطاعت السنغالية خادي فتح صالون تجميل وتصفيف الشعر في المغرب. صورة من: Marco Simoncelli/DW In ihren Friseursalons in Agadir bedient Khady Wade Baldé auch viele Marokkanerinnen.
استطاعت السنغالية خادي فتح صالون تجميل وتصفيف الشعر في المغرب. صورة من: Marco Simoncelli/DW

ماذا عن عاملات المنازل؟

ومن بين المهاجرات الأفريقيات اللواتي لم يحالفهن الحظ في تحقيق نجاح في المغرب السنغالية أدجي (جرى تغيير اسمها) التي وصلت إلى المغرب عام 2019 وعملت كخادمة ومربية أطفال لدى أسرة مغربية.

وكانت أولوية أدجى ادخار أموال لتعليم أطفالها في السنغال حيث وجدت أول وظيفة لها في المغرب من خلال إحدى وكالات العمل، لكن بعد أربع سنوات فقدت العمل دون تقديم المزيد من التفاصيل عن ظروف ذلك.

وفي مقابلة مع دي دبليو قالت: "لم أطلب قط زيادة في الراتب، كل ما أردته هو أن يساعدوني في تسوية أوضاعي"، مضيفة أنها لم تتمكن من تسوية أوضاعها منذ عام 2019. وعملت قرابة 12 ساعة في اليوم للحصول على راتب يتراوح ما بين 2500 و3000 درهم شهرياً.

وفي سياق ذلك قالت: "رغم هذه الصعاب فإن الوضع في المغرب أفضل من الوضع في السنغال. فإذا كنت في بلدي فلن أتمكن من الحصول على الراتب الذي أحصل عليه في المغرب".

الجدير بالذكر أنه بدأ في عام 2018 العمل بقانون جديد يضع إطاراً قانونياً للعمالة المنزلية بعد نقاش استمر لعشر سنوات. ورغم أن القانون لاقى ترحيباً عند بدء سريانه فإن خمسة آلاف عاملة منزل فقط جرى تسوية أوضاعهن عام 2021 بموجب النظام الجديد من بين أكثر من مليون عاملة منزل.

وقالت أدجي إنها تواجه في بعض الأحيان بعض أشكال التمييز في وسائل النقل العام أو في العمل، لكنها تأمل في الحصول على دورة تدريبية في مجال المعجنات لتحسين وضعها والعودة في نهاية المطاف إلى مسقط رأسها السنغال.

دشنت السنغالية نادية وزوجها منصة إلكترونية لمساعدة المهاجرين والمهاجرات من القارة السمراء. صورة من: Marco Simoncelli/DW Mit ihrer Internetplattform wollen Ndeye Yacine Ndiaye und ihr Mann anderen Migranten das Leben erleichtern.
دشنت السنغالية نادية وزوجها منصة إلكترونية لمساعدة المهاجرين والمهاجرات من القارة السمراء. صورة من: Marco Simoncelli/DW

مهاجرون قدامى يساعدون مهاجرين جدداً

وأكدتْ نادية ياسين ندياي -وهي سنغالية تعيش في حي بوركون في الدار البيضاء منذ 15 عاماً- قائلةً: "أعتقد أن الصعوبات التي تواجهها الأفريقيات المهاجرات تتعلق بشكل أساسي بأنه لا يتم إبلاغهن بما ينتظرهن وظروف الحياة والخطوات التي يتعين عليهن البدء فيها لتسوية اوضاعهن في المغرب".

وقد حصلت نادية على درجة الماجستير وتعمل حالياً كمديرة اتصالات في أحد البنوك فيما قررت مع زوجها الانخراط في مساعدة المهاجرين والمهاجرات من جنوب الصحراء الكبرى. وفي هذا السياق دُشِّنَتْ منصة Attaches Plurielles الإلكترونية بهدف تسليط الضوء على "الجانب الآخر من حياة المهاجرين والمهاجرات من جنوب الصحراء الكبرى في المغرب" من خلال إجراء مقابلات معهم ومع خبراء الهجرة حول القضايا التي تؤثر على حياتهم.

وختمت نادية بالقول: "نحاول تسليط الضوء على النساء الشجاعات اللواتي يقمن بجهد جبار في محاولة تحسين أوضاعهن وتحقيق النجاح".

 

 

ماركو سيمونسيلي وماركو فالينزا وديفيد ليمي وعمر سال 

ترجمة: م. ع

حقوق النشر: دويتشه فيله 

 مركز بوليتزر ساعد في إعداد التقرير

 

 

Qantara.de/ar 2024