"نحتاج فقط مَنْ يعيد لنا كرامتنا"

رجال فلسطينيون جالسون في مقهى بمدينة بيت لحم. صورة من: HAZEM BADER/AFP via Getty Images Palästinenser in einem Café in der Stadt Bethlehem. Im Hintergrund die israelische Siedlung Har Homa im besetzten Westjordanland, 7. Dezember 2023. Israel hat den Bau weiterer 1700 Wohnungen im Westjordanlandgenehmigt, gab eine Nichtregierungsorganisation am 6. Dezember 2023 bekannt.
رجال فلسطينيون جالسون في مقهى بمدينة بيت لحم. وفي الخلفية مستوطنة هار حوما الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة. صادقت في السابع من كانون الأوَّل/ديسمبر 2023 الحكومة الإسرائيلية على قرار يقضي بتشييد 1738 وحدة سكنية استيطانية إضافية في الضفة الغربية، كما أعلنت منظمة غير حكومية في السادس من كانون الأوَّل/ديسمبر 2023. صورة من: HAZEM BADER/AFP via Getty Images

أحدث السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 والحرب في غزة تغييرات جذرية في الضفة الغربية أيضا، حيث أمسى كثيرون هناك وبشكل متزايد يؤيدون الكفاح المسلح وعمل حماس. تقصِّي الصحفية الألمانية أندريا باكهاوس.

الكاتبة ، الكاتب: Andrea Backhaus

دائمًا عندما تقوم لمى يحيى بتشغيل التلفاز أو بتصفُّح وسائل التواصل الاجتماعي تشاهد صورًا من غزة: شوارع مُدمَّرة بالقصف وأمهات يحملن أطفالهن الجرحى على أذرعهن وقتلى تتحلَّل جثثهم تحت الركام والأنقاض. ومع مشاهدتها هذه الصور تتغلب عليها مشاعر الغضب والعجز والعار. وحول ذلك تقول: "نحن نشاهد إخواننا وأخواتنا يُذبحون. ولا يمكننا القيام بأي شيء من أجلهم".

ولمى يحيى طالبة عمرها تسعة وعشرون عامًا لديها محل للهدايا التذكارية في مدينة رام الله التي تعدُّ مركز السلطة السياسية في الضفة الغربية. وتبيع لمى يحيى في محلها هذا الأواني الفخارية والأباريق وأغطية الوسائد المُطرَّزة يدويًا. ولكن لم يعد لديها تقريبًا أي زبائن في أيَّام الحرب هذه. ينفخ مُكيِّف الهواء هواءً دافئًا في مكتبها المؤثَّث بأثاث قليل وتفوح في المكتب رائحة دخان سجائر قديم. ولمى يحيى فلسطينية ليبرالية ولديها علاقات جيِّدة وهي تعرف حساسيات مجتمعها. وتريد الحديث حول الغضب الذي يسيطر على جيل الشباب.

وتقول إنَّ الناس لديهم شعورًا بأنَّ إسرائيل تخوض حربًا ضدَّ الشعب الفلسطيني كله. صحيح أنَّ الجيش الإسرائيلي يقول -بحسب تعبيرها- إنَّه لا يريد سوى "محاربة الإرهابيين في غزة"، ولكنها تعتقد أنَّ الجنود الإسرائيليين يقتلون في المقام الأوَّل الأبرياء والأطفال والنساء. وتضيف أنَّ الكثير من الناس يشعرون بخيبة أمل لأنَّ الدول الغربية تدعم أفعال إسرائيل في غزة: "الفلسطينيون يشعرون بأنَّ العالم قد تخلى عنهم"، كما تقول؛ ولهذا السبب فقد صار الكثيرون يتعاطفون في الآونة الأخيرة مع حماس التي تقاتل ضدَّ الجيش الإسرائيلي في غزة. وتقول: "إنَّهم يعتقدون أنَّ لا أحد يساعدهم في الدفاع عن أنفسهم والتصدي لهذا الظلم".
 

بلدة خاراس شمال مدينة الخليل محاطة بمستوطنات إسرائيلية مقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية. صورة من: Foto: John Macdougall/AFP  Das Dorf Kharas nördlich von Hebron umringt von israelischen Siedlungen in den besetzten Gebieten im Westjordanland.
"الفلسطينيون يشعرون بأنَّ العالم قد تخلى عنهم"، كما تقول لمى يحيى، وهي طالبة لديها محل للهدايا التذكارية في مدينة رام الله. تظهر في هذه الصورة بلدة خاراس الواقعة شمال مدينة الخليل والمحاطة بمستوطنات إسرائيلية مقامة على الأراضي المحتلة بالضفة الغربية. صورة من: Foto: John Macdougall/AFP

ازدياد شعبية حماس

يبدو أنَّ المزاج العام في الضفة الغربية بات ينقلب. فحماس لم يكن لديها تأثير كبير فيها قبل الحرب ولكن يبدو أنَّها تجد الآن دعمًا متزايدًا بين سكَّان الضفة الغربية الفلسطينيين البالغ عددهم نحو ثلاثة ملايين نسمة. ومن الواضح أنَّ هجوم السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 الدامي -الذي قتلت فيه حماس أكثر من ألف ومائتي شخص في إسرائيل- قد أدَّى إلى ازدياد شعبية هذه الجماعة المصنفة أوروبياً وأمريكياً بأنها إرهابية. 

وهذا ما أظهره بعد بداية الحرب استطلاعٌ للرأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسيحية". وبحسب نتائج هذا الاستطلاع الصادرة في منتصف شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2023 فإنَّ أربعة وأربعين في المائة من الفلسطينيين في الضفة الغربية يؤيِّدون حماس بينما كانت نسبتهم في شهر أيلول/سبتمبر اثني عشر في المائة فقط. وكذلك أعرب معظم الفلسطينيين عن تأييدهم "المقاومة المسلحة".

وعندما نتحدَّثت إلى سكَّان رام الله نسمع باستمرار شيئًا واحدًا: إذا أُجريت الآن انتخابات في الضفة الغربية فإنَّ حماس ستفوز من دون منازع. وذلك لأنَّها أظهرت بهجومها أنَّ إسرائيل غير منيعة، كما أوضح أحد الرجال؛ ولأنَّ حماس هي وحدها القادرة على إنهاء الاحتلال، كما وصفها رجل آخر.

والكثيرون هنا لا يريدون الاعتراف بالمعاناة التي ألحقها بالناس في إسرائيل مسلحو حماس المصنفون أوروبياً وأمريكياً بأنهم إرهابيون. ومنهم مَنْ يقللون من شأن المذبحة أو يقولون إنَّ الذين فعلوا ذلك مدنيون متطرِّفون وإنَّ حماس لن تفعل شيئًا كهذا. ويُنكر آخرون وقوع عمليات اغتصاب وإعدامات. بينما يقول آخرون إنَّ أحداث العنف كانت ردة فعل مفهومة قام بها الفلسطينيون الذين يعانون من الحصار في غزة.

"نادرًا ما ينزعج أحد عندما يموت الفلسطينيون"

وتقول لمى يحيى إنَّ الكثير ممن يتحدَّثون الآن بشكل إيجابي عن حماس لا يحبون حماس بحدّ ذاتها بل يرفضون أيديولوجيتها وهدفها الرامي إلى محو إسرائيل "ولكن لا توجد مجموعة أخرى تدافع عن الفلسطينيين"، كما تقول. وتضيف أنَّ الكثيرين ينظرون إلى الفلسطينيين على أنَّهم بشر من الدرجة الثانية. "عندما يتعرَّض الإسرائيليون لهجوم يفقد الجميع أعصابهم"، كما تقول لمى يحيى: "لكن نادرًا ما ينزعج أحد عندما يموت الفلسطينيون". والفلسطينيون لا يموتون في غزة وحدها بل ويموتون أيضًا حتى بالقرب من محلها.

فلسطينيون يتعرَّضون لمضايقات من قِبَل المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة. صورة من: Mamoun Wazwaz/APA Images via ZUMA Press Wire  August 1, 2023, Hebron, Westjordanland, Palästinensische Gebiete: Palästinenser ringen mit israelischen Siedlern, die auf dem Gebiet des Dorfes Halhoul nördlich von Hebron in der besetzten Westbank Zelte aufgebaut haben.
فلسطينيون يتعرَّضون لمضايقات من قِبَل المستوطنين الإسرائيليين الذين نصبوا خيامهم على أراضي قرية حلحول العربية شمال مدينة الخليل في الضفة الغربية المحتلة، وذلك في الأوَّل من آب/أغسطس 2023. صورة من: Mamoun Wazwaz/APA Images via ZUMA Press Wire

حماس تعرف كيف تستغل الغضب لمصلحتها

فبينما ينظر العالم إلى غزة تتحوَّل أيضًا الضفة الغربية وبشكل متزايد إلى ساحة معركة، حيث شدد منذ أسابيع الجنودُ الإسرائيليون والمستوطنون المتطرِّفون هجومهم على السكَّان الفلسطينيين في الضفة الغربية ويعتقلونهم خلال مداهمات أو يقتلونهم. ويُقال رسميًا إنَّ الجنود الإسرائيليين يستهدفون أعضاء الجماعات الفلسطينية المسلحة.

ولكنهم في الحقيقة كثيرًا ما يصيبون أيضًا أشخاصًا يقعون بالصدفة بين الجبهتين. وبحسب معلومات الأمم المتحدة فقد قُتل منذ السابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر في الضفة الغربية على يد القوَّات الإسرائيلية نحو ثلاثمائة فلسطيني من بينهم سبعة وسبعون طفلًا. ومع قتل كلِّ شهيد فلسطيني يزداد الغضب على دولة الاحتلال.

وحماس تعرف كيف تستغل هذا الغضب لمصلحتها. فهي تصوِّر نفسها كقوة شديدة البأس وقد حقَّقت بذلك بعض النجاح. وعندما أُطلق سراح معتقلين فلسطينيين من السجون الإسرائيلية -في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 في عملية تبادل برهائن إسرائيليين اختطفتهم حماس- سجَّل ذلك الكثيرون في الضفة الغربية كنجاح لحماس.

وقد استقبلوا النساء والمراهقين المُحرَّرين من السجون والمعتقلات الإسرائيلية وهم يهللون مبتهجين ولوَّح الكثيرون منهم برايات حماس ودعا بعضهم إلى التضامن مع الجناح العسكري لحركة حماس "كتائب عز الدين القسَّام" وكانوا يهتفون: "الشعب يريد كتائب القسام".

كثيرًا ما يقوم الجيش الإسرائيلي بتنفيذ مداهمات في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة تؤدِّي إلى تبادل إطلاق النار مع شبان عرب. صورة من: AFP  ‏Die israelische Armee führt häufig Razzien im besetzten Westjordanland durch, die zu Schusswechseln mit arabischen Jugendlichen führen.
كثيرًا ما يقوم الجيش الإسرائيلي بتنفيذ مداهمات في الضفة الغربية الفلسطينية المحتلة تؤدِّي إلى تبادل إطلاق النار مع شبان عرب. صورة من: AFP

تحذير للمتعاونين المحتملين

وبحسب الخبراء من الممكن ملاحظة التطرُّف في أماكن كثيرة داخل الضفة الغربية وخاصةً في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والمناطق الريفية. ويبدو أنَّ الجماعات المسلحة ذات الانتماءات المختلفة -من أتباع حركتي حماس والجهاد الإسلامي وحركة فتح المسيطرة على السلطة الوطنية الفلسطينية- تتكاتف وتُوحِّد قواها في هذه المناطق.

وقد ظهر في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023 كيف تتعامل هذه الفصائل المسلحة مع خصومها في هذه الأسابيع، وذلك عندما قتل أعضاء إحدى الجماعات المسلحة رجلين فلسطينيين في مخيم طولكرم بتهمة التجسُّس لصالح إسرائيل. وبحسب وكالة الأنباء رويترز فقد عُلِّقت جثتاهما على عمود كهرباء أمام حشد من الناس الغاضبين، وذلك ليكونا عِبْرة لغيرهما وكتحذير للآخرين المتعاونين المحتملين مع إسرائيل.

والكثيرون من الفلسطينيين يرفضون هذه القسوة الطائشة من جانب المسلحين. ويتمنون حدوث تغيير جذري. يشعل شاهر هارون سيجارة في مخيم الأمعري قرب مدينة رام الله. ويساعد شاهر هارون في المركز الاجتماعي المحلي، حيث يجلس متكئًا على طاولة خشبية ضخمة في هذا المكتب الخانق وخلفه صورة معلقة للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات -المتوفى في عام 2004- ببزَّته العسكرية ذات اللون الأخضر الزيتوني وعلى رأسه كوفية سوداء وبيضاء. ويقول شاهر هارون: "كان هجوم حماس لحظة فاصلة بالنسبة للفلسطينيين".

وشاهر هارون رجل في الثانية والخمسين من عمره ويعرف جيِّدًا كيف ينظر الناس في مخيمات اللاجئين إلى الأحداث. لقد عاش شاهر هارون كلَّ حياته في مخيم الأمعري - حيث لا يكاد يبلغ عرض بعض الأزقة فيه مترًا وتتدلى كابلات الكهرباء من الأعلى لتصل تقريبًا حتى مستوى سقف السيارات المتوقفة. 

وهذا المخيم أُقيم في عام 1948 من أجل الفلسطينيين الذين هُجِّروا من ديارهم خلال الحرب العربية الإسرائيلية الأولى، ويعيش فيه اليوم نحو تسعة آلاف شخص. ومعظمهم يدعمون -مثل شاهر هارون نفسه- حركة فتح وبعضهم يدعمون حماس أيضًا، بحسب تعبير شاهر هارون الذي يضيف أنَّ ما حدث للمدنيين كان مؤلمًا؛ ولكن مع ذلك فقد أظهر هجوم حماس على إسرائيل للفلسطينيين أنَّ: الخروج من الوضع الراهن المؤلم أمرٌ ممكن.

ومعظم الفلسطينيين في الضفة الغربية شباب ومحبَطون وحياتهم اليومية متَّسمة بالفقر والبطالة وانعدام الآفاق المستقبلية. والضفة الغربية تحتلها إسرائيل منذ عام 1967 بينما يخضع جزء منها فقط للسلطة الوطنية الفلسطينية. لقد جرت آخر انتخابات برلمانية في الأراضي الفلسطينية قبل سبعة عشر عامًا. وتمكَّنت فيها عام 2006 حركة حماس الإسلامية من الفوز على حركة فتح العلمانية المعتدلة بزعامة الرئيس محمود عباس. ومنذ ذلك الحين تحكم حماس في غزة وفتح في الضفة الغربية - علمًا بأنَّهما فصيلان متعاديان. وشاهر هارون الذي يتولى أمانة سر مفوضية كشافة محافظة رام الله والبيرة التابعة لفتح - يعتقد أنَّ: الفلسطينيين قد فقدوا الثقة في إمكانية حدوث تغيير سياسي.

وهذا مع أنَّ الأوضاع كانت تبدو جيِّدة بالنسبة للفلسطينيين بعد نهاية الانتفاضة الأولى في عام 1993، فقد كان يبدو أنَّ اتفاقيات أوسلو قد مهَّدت الطريق لمفاوضات السلام وأنَّ قيام دولة فلسطينية مستقلة أمر ممكن. وحول ذلك يقول شاهر هارون إنَّ الكثير من الفلسطينيين كانوا يثقون في أنَّ حلَّ الدولتين سوف يتم تطبيقة في يوم ما. ويضيف: "لكن المفاوضات مع إسرائيل لم تحقِّق لنا أي شيء خلال الثلاثين سنة الماضية، بل على العكس من ذلك فكلُّ شيء صار أسوأ".

لقد أصبح الوضع في الضفة الغربية حرجًا ومتأزِّمًا أكثر. وخرَّب المتشدِّدون من كلا الطرفين عملية السلام. وبدَّد القادةُ السياسيون في رام الله الكثير من الأموال والإمكانات من خلال المحسوبية والمحاباة وعدم الكفاءة. وعملت دائمًا حكومات إسرائيل اليمينية على زيادة صعوبة الحياة بالنسبة للفلسطينيين وشيَّدت حاجزًا ضخمًا على طول الحدود وسرَّعت وتيرة بناء المستوطنات غير القانونية. وقلصت هذه الحكومات الإسرائيلية مجال حركة السكَّان الفلسطينيين من خلال إقامتها عشرات نقاط التفتيش والسيطرات وفرضها حظر التجوُّل.

ويقول شاهر هارون إنَّ الكثير من الفلسطينيين لم يعودوا قادرين على تصوُّر التعايش مع إسرائيل، مضيفًا: "نحن نريد السلام. ولكن من أجل ذلك يجب على إسرائيل أن تمنحنا حقوقًا متساوية".
 

ضعف فتح يُعتَبر قوةً لحماس

والكثير من الناس في الضفة الغربية لم يسأموا فقط من المتشدِّدين في إسرائيل بل إنهم سئموا أيضًا من قادتهم. وكما أظهر أيضًا الاستطلاع الآنف الذكر فإنَّ الغالبية العظمى من الفلسطينيين في الضفة الغربية سئموا من الرئيس محمود عباس البالغ من العمر ثمانية وثمانين عامًا والذي يحكم بمراسيم ولم يُحقِّق أية تحسينات خلال سنين حكمة العديدة. ويوجد في الضفة الغربية مثل شعبي يقول ما معناه إنَّ محمود عباس مثل سجادة يدوس عليها الإسرائيليون في كلِّ مكان. ولهذا السبب فإنَّ الكثيرين من الناس صاروا يدعمون حركة حماس الآن. بمعنى أنَّ ضعف فتح يعتبر قوة حماس.

وهذا ما يقوله أيضًا طبيب الأسنان بلال عاصي الذي كان في هذا اليوم يعالج المرضى في المركز الاجتماعي بمخيم الأمعري. وبلال عاصي شاب عمره ستة وعشرون عامًا ولديه لحية ويرتدي بنطال جينز وسترة بيضاء. وهو مقرَّب -مثل شاهر هارون- من حركة فتح أو بتعبير أدق: مقرَّب من الحزب الذي كان سابقًا حركة فتح. ويقول إنَّ الكثيرين من أبناء جيله يُمجِّدون حماس لأنَّهم لا يجدون غيرها ليتطلعوا إليه. 

ويضيف أنَّ "فتح كانت في السابق النموذج الكبير"، وأنَّ ياسر عرفات الذي شارك -بحسب تعبير بلال عاصي- في تأسيس حركة فتح [في الأول من شهر يناير/كانون الثاني سنة 1965] كان يعتمد في البداية على الإرهاب وقد نُفِّذَت في عهده عشرات العمليات العسكرية والهجمات على الإسرائيليين قبل أن ينتقل إلى العمل من أجل التصالح مع إسرائيل.

وبلال عاصي يعتقد أنَّ الفلسطينيين يريدون اليوم شيئًا مشابهًا، أي: قيادة قوية تحاول -بحسب تعبيره- التفاوض على السلام مع إسرائيل ولكنها تنظر إلى المقاومة المسلحة كوسيلة مشروعة. ويقول إنَّه لا يدعو إلى مهاجمة الإسرائيليين من دون سبب، بل إنَّ "هذا يتعلق بالدفاع عن النفس"، كما يقول. ويوضح على سبيل المثال أنَّ: المزارعين الفلسطينيين عندما يتعرَّضون لهجوم من قِبَل المستوطنين اليهود فلا بدّ من وجود سلطة تحمي المزارعين من هذه الهجمات. "يجب على فتح أن تبدأ أخيرًا في العمل"، كما يقول.

ويبقى أن ننتظر لنرى ماذا ستعني شعبية حماس المتنامية بالنسبة لنظام ما بعد الحرب في المستقبل. إذ يرى الخبراء والكثيرون من الناس في الضفة الغربية أنَّ هدف إسرائيل الرامي إلى اجتثاث حركة حماس والقضاء عليها كليًا يعتبر هدفًا غير واقعي. وكثيرًا ما نسمع هنا هذه الجملة: "حماس لا يمكن محاربتها بالسلاح".

 

Here you can access external content. Click to view.

وحتى مع استمرار الحرب في غزة فقد بدأ كبار السياسيين الفلسطينيين في وضع سيناريوهات لبداية سياسية جديدة. ومن الواضح بالنسبة للكثيرين أنَّ حركة حماس يجب أن يكون لها مكان في العملية السياسية. وفي هذا الصدد كتب رئيسُ الوزراء الفلسطيني الأسبق سلام فياض في مقال نشره في نهاية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2023 أنَّ منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن تضم في المستقبل جميع الفصائل الرئيسية بما فيها حماس.

وكذلك هذا ما يراه رئيسُ الوزراء الحالي محمد اشتية. فقد قال في حوار مع وكالة بلومبِرغ الأمريكية إنَّ "النتيجة التي يرجوها عند نهاية الصراع هي أن تصبح حماس شريكًا في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الأوسع، مما يساعد في بناء دولة مستقلة جديدة".

ولكن مع ذلك فإنَّ الكثيرين من الفلسطينيين لا يعتقدون أنَّ تشكيل حكومة الوحدة الوطنية أمر واقعي. ويخشون من أنَّ حماس لن تخضع لحركة فتح بل ستستولي على السلطة.

Here you can access external content. Click to view.

معظم الناس لا يريدون دولة إسلامية

ولا أحد تقريبًا يريد حكم حماس في الضفة الغربية سوى أنصارها المسلحين. وهذا ما يقوله الرجال في مخيم الأمعري وما يقوله الناس في شوارع رام الله وما تقوله أيضًا صاحبة المحل لمى يحيى. وذلك لأنَّ أسلوب حكم الإسلاميين في غزة كان صارمًا ومتشدِّدًا للغاية، حيث كانوا يملون على الناس ما يجب عليهم ارتداؤه وماذا يقولون، وكانوا يعاقبون كلَّ مَنْ يجرؤ على التنديد بفساد حركة حماس وسوء إدارتها.

وضمن هذا السياق تقول لمى يحيى التي تبغض العقائد الدينية: "أنا لا أريد أن أعيش في دولة إسلامية". وتضيف أنَّها هي ومعارفها يرفضون العنف ويفضِّلون الدفاع عن أنفسهم ضدَّ الاحتلال بوسائل سلمية مثل المظاهرات ومواصلة التعليم وحملات المقاطعة.

ومع ذلك تقول أيضًا إنَّ الكثير من معارفها باتوا مقتنعين الآن بأنَّ الاحتجاج السلمي وحده لن يساعدهم في أي شيء. وذلك لأنَّ مَنْ يُعبِّر عن أدنى انتقاد لأعمال الإسرائيليين القاسية يتعرَّض لخطر الاعتقال. وتقول لمى يحيى: "نحن لسنا بحاجة إلى حماس بل نحتاج فقط مَنْ يُعيد لنا كرامتنا".


أندريا باكهاوس
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: تسايت أونلاين / موقع قنطرة 2024 ‪Qantara.de/ar‬