الأزمة السورية بعيون تركية- انقسامات داخلية واستقطابات سياسية

لا يؤثِّر التصعيد العسكري الذي شهدته مؤخرًا الأزمة السورية على العلاقات المتوتِّرة بين الجارتين تركيا وسوريا فقط، بل يهدِّد أيضًا بتعميق الفجوة داخل الساحة التركية. فاطمة كايابال تسلِّط الضوء من إسطنبول على انعكاسات الصراع في سوريا على السياسة التركية.

الكاتبة ، الكاتب: Fatma Kayabal



يعيش الرأي العام في تركيا انقسامات عميقة في جوانب متعددة - في القضية الكردية وفي الصراع الدائر بين العلمانيين والإسلاميين وكذلك فيما يتعلَّق بحقوق الأقليَّات الدينية. والآن استجدت بالإضافة إلى ذلك مشكلة سياسية أخرى، أي الصراع مع الجارة سوريا. واتَّضح ذلك خاصة في الرابع من شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر الجاري، وذلك بعدما تم بعد جدالات ساخنة في البرلمان التركي إقرار مشروع قانون يمنح الجيش تفويضًا مدَّته اثني عشر شهرًا لنشر قوَّات برية تركية خارج حدود البلاد، وكذلك في داخل الأراضي السورية.

نال مشروع هذا القانون تأييد كلّ من الحزب الحاكم، حزب العدالة والتنمية وكذلك حزب الحركة القومية (MHP) اليميني المعارض. ولكن مع ذلك لقد عارضه أيضًا مائة وتسعة وعشرين صوتًا من معسكر المعارضة، أي من حزب الشعب الجمهوري (CHP) وحزب السلام والديمقراطية الكردي (BDP). وتم التصويت على هذا القانون بعد يوم واحد من القصف السوري الذي استهدف مناطق في داخل الحدود التركية وقد راح ضحيّته في بلدة أقجة قلعة التركية الواقعة في محافظة شانلي أورفا المحاذية لسوريا خمسة أشخاص من بينهم ثلاثة أطفال.

الشرطة والصحافة ضدّ دعاة السلام

ا ف ب
إطلاق يدّ الجيش للقيام بعمليَّات عسكرية ضدّ نظام الأسد - منح البرلمان التركي حكومة رجب طيب إردوغان يوم الخميس الماضي (الرابع من تشرين الأوَّل/أكتوبر) تفويضًا لتدخّل عسكري محتمل في سوريا.

​​وفي اليوم الذي تم فيه إقرار هذا القانون خرجت في أنقرة وإسطنبول مظاهرات مناهضة للحرب وضدّ القرارات التي صدرت عن البرلمان. ولم يواجه المتظاهرون في هاتين المدينتين وحشية رجال الشرطة وعنفهم في الشوارع فقط، بل واجهوا كذلك انتقادات الصحافة التركية. وحتى أنَّ الصحفي يلديراي أوجور الذي يعدّ صحفيًا ليبراليًا ويعمل لصالح صحيفة "ترف" اليومية كتب في أحد مقالاته الأخيرة أنَّه لا يمكن مقارنة الوضع الحالي وردود الفعل التركية مع معارضة الغزو الأمريكي للعراق. وشدَّد أوجور على أن النظام في سوريا يقترف مجازر جماعية بحقّ المواطنين.

وكذلك أكَّد يلديراي أوجور على أنَّ الابتعاد عن هذا الصراع الدموي وعدم التدخل يعدّ ببساطة عملاً غير إنساني: "يعتقد البعض أنَّه يجب على الرئيس السوري بشار الأسد أن يستقيل ولكن من دون أي تدخّل خارجي. بيد أنَّ طريقة التفكير هذه بالذات هي السبب الحقيقي لقتل المزيد والمزيد من المواطنين السوريين". ومن جانبه ينتقد حزب الشعب الجمهوري القومي السياسة التي تتَّبعها الحكومة التركية تجاه سوريا لعدة أسباب وخاصة بسبب علاقاتها مع الجناح العسكري للمعارضة السورية. وفي شهر أيلول/سبتمبر الماضي تم رفض طلب زيارة كان سيقوم بها وفد من حزب الشعب الجمهوري لمخيَّم للاجئين السوريين يقع بالقرب من بلدة أبايدين في محافظة هاتاي ويقيم فيه أيضًا جنود سوريون منشقون. وقد ذكر حزب الشعب الجمهوري أنَّ هذا المخيَّم يتم استخدامه كمعسكر للتدريب العسكري. ويقول النائب في البرلمان التركي عن حزب الشعب الجمهوري، فاروق لوغوغلو إنَّ سياسة عدم التعاون وانعدام الشفافية التي تمارسها حكومة حزب العدالة والتنمية تعتبر مناسبة جدًا لزيادة حدة الصراع.

وبالإضافة إلى ذلك يقول حزب الشعب الجمهوري إنَّ السياسة التي تتَّبعها الحكومة التركية تجاه سوريا تخدم مصالح حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره كلّ من تركيا والاتِّحاد الأوروبي والولايات المتَّحدة الأمريكية تنظيمًا إرهابيًا. وينحاز إلى هذا الرأي أيضًا حزب الحركة القومية الذي يتبنَّى موقفًا مماثلاً من مخيَّم اللاجئين وكذلك من حزب العمال الكردستاني. وذكر مؤخرًا رئيس حزب الحركة القومية دولت بهجلي أنَّ "تدفّق اللاجئين من سوريا إلى تركيا أدَّى إلى زعزعة الاستقرار في البلاد، إذ يوجد من بين هؤلاء اللاجئين بكلِّ تأكيد الكثير من الجواسيس القادمين من سوريا وكذلك من بلدان أخرى. وبالتالي إنَّ الأحداث في سوريا تؤثِّر سلبًا على وحدة تركيا". وأضاف أنَّ الاضطرابات في سوريا تخدم حزب العمال الكردستاني. حيث يعتقد كل من حزب الشعب الجمهوري وكذلك حزب الحركة القومية أنَّ النظام السوري يقوم من أجل الانتقام من سياسة تركيا تجاه سوريا بتسليح حزب العمال الكردستاني وتجهيز أحد فروع الحركة الكردية الانفصالية على طول الحدود التركية السورية.

استياء متزايد من سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سوريا

رويتر
اللاجئون في تركيا قنبلة موقوتة - استقبلت تركيا منذ بداية الثورة السورية حتى الآن أكثر من ثلاثة وتسعين ألف لاجئ سوري وأكَّدت كثيرًا على أنَّها غير قادرة على استيعاب أكثر من مائة ألف شخص.

​​تظهر استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرًا في تركيا وجود تراجع لنفس الأسباب في تأييد المواطنين الأتراك لسياسة حكومتهم تجاه سوريا. وحسب استطلاع أجراه المعهد التركي متروبول Metropoll فإنَّ ما نسبتهم ثمانية وعشرين في المائة فقط من الذين استطلعت آراؤهم يعتقدون أنَّ الحكومة التركية تتعامل بشكل صحيح مع الأزمة السورية. لم تبلغ هذه النسبة حتى بين المواطنين الأتراك الذين صوّتوا في الانتخابات الأخيرة لحزب العدالة والتنمية إلاَّ ثمانية وثلاثين في المائة. وكذلك ينتقد حزب السلام والديمقراطية المؤيِّد للأكراد سياسة الحكومة تجاه سوريا، ولكن لأسباب مختلفة. فقد وصفت مؤخرًا نائبة رئيس حزب السلام والديمقراطية غولتن كيزاناك سياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سوريا بأنَّها لعبة سياسية جديدة تلبي الحكومة من خلالها المطالب السياسية الأمريكية وتتَّخذ في الوقت نفسه من الصراع مع الجارة سوريا ذريعة لمهاجمة الأكراد في شمال سوريا.

وقالت في مؤتمر حزبي في إسطنبول حضره عدد من أعضاء حزب السلام والديمقراطية إنَّ "تركيا تخشى من أن يكسب الأكراد السوريون نفوذًا في الشمال. وقرارات رجب طيب إردوغان وأحمد داوود أوغلو الأخيرة تثبت أنَّهما يحاولان من خلال قمع الأكراد السوريين إحياء الدولة العثمانية". وقد ردَّ من جانبه وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو بشدة على هذه الاتِّهامات وكذلك على انتقادات أخرى من المعارضة، وقال في برنامج تلفزيوني بثته قناة تي أر تي التركية الرسمية: "على الأرجح أنَّ بشار الأسد الذي أدانه العالم كله يصغي جيدًا لادِّعاءات المعارضة التركية من أجل رفع معنويات نظامه".

معارضة العلويين السياسية

الصورة دويشته فيله
يقول جنكيز كاندرا إنَّ "خطأ السياسة التركية تجاه سوريا لا يكمن في معارضتها نظام الأسد، بل في كونها غير قادرة على حلِّ مشكلاتها الداخلية الرئيسية مثل القضية الكردية وموضوع العلويين".

​​وكذلك أدلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان بتصريحات مشابهة وأشار في أكثر من مناسبة إلى أنَّ السبب الحقيقي الذي يكمن خلف معارضة حزب الشعب الجمهوري سياساته يعود على الأرجح إلى كون زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليج دار أوغلو من أبناء الطائفة العلوية. وعلى الرغم من أنَّ العلويين الأتراك وكذلك العلويين السوريين يعتبرون جزءً من الطائفة الشيعة في الشرق الأوسط، إلاَّ أنهم مع ذلك يختلفون في مسائل الإيمان وأيضًا في الممارسات الدينية. والعلويون الأتراك يؤيِّدون تقليديًا حزب الشعب الجمهوري وينتقدون سياسات حزب العدالة والتنمية وخاصة سياسته التعليمية وينتقدونه أيضًا بسبب موقفه من العلمانية.

وبعد أن تم التصويت على القانون الذي يخوّل الجيش التركي العمل خارج حدود البلاد، خرج آلاف من العلويين في عطلة نهاية الأسبوع إلى الشوارع في مظاهرات واحتجاجات، ليس فقط من أجل المطالبة بحقوقهم بل كذلك أيضًا ضدّ سياسة الحكومة التركية تجاه سوريا. كما أنَّ وضعًا كهذا يهدّد بتعميق الفجوة الموجودة منذ فترة طويلة في داخل السياسة والمجتمع التركيين. وحسب رأي الصحفي التركي المعروف جنكيز كاندار فإنَّ المشكلة الرئيسية للسياسة التركية تجاه سوريا تكمن هنا في هذه الفجوة. ويقول كاندرا: "خطأ السياسة التركية تجاه سوريا لا يكمن في معارضتها نظام الأسد، بل في كونها غير قادرة على حلِّ مشكلاتها الداخلية الرئيسية مثل القضية الكردية وموضوع العلويين".

 

فاطمة كايابال
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012