وقائع ثورة إيران الخضراء في روايات تسحرها الصور

مَنْ لا يعرف تاريخ جمهورية إيران الإسلامية وسياستها فباستطاعته أن يجد في الرواية المصوَّرة "جنة زهرة" للفنَّان خليل والكاتب الإيراني أمير معلومات مكثَّفة عن إيران. الصحفية الألمانية إيستر فيلدين تحدَّثت مع الفنان خليل حول تمكّن القصص المصوَّرة والكاريكاتورية حتى يومنا هذا من إيصال الرسائل السياسية بشكل سهل وميسر.

الكاتبة ، الكاتب: Esther Felden

أنت تتَّبع في رسوماتك الأسلوب المعروف باسم القصص المصوَّرة والذي يختلف من ناحية الشكل والمضمون عن الرسومات الكاريكاتورية التقليدية. فكيف تؤدِّي القصص المصوَّرة عملها؟ وكيف توصل هذه القصص رسائلها؟

خليل: لا يوجد هنا وصْفة عامة بل توجد إمكانيات مختلفة تمامًا. لقد قرأتُ في فترة شبابي قصصًا مصوَّرة كاريكاتورية. وفي فترة ما من الثمانينيَّات سمعت لأوَّل مرَّة عن القصص المصوَّرة. إذ يتم في الرواية المصوَّرة طرح موضوعات أدبية وذات أسلوب فكري أكثر دقة وصعوبة مما هي عليه الحال في قصص الرسومات الكاريكاتورية الكلاسيكية.

تعدّ قصص الرسومات الكاريكاتورية كلّها شكلًا خفيفًا من أشكال الفنّ - وحتى إذا لم تكن مجرَّد رسومات كاريكاتورية خاصة للأطفال. وأنا شخصيًا عارضت دائمًا هذا الرأي، وذلك لأنَّني أعتقد أنَّ الكاريكاتور من الممكن جدًا أن يكون جادًا. وعلى أبعد حد منذ أن تم نشر كتاب القصص المصوّرة "برسيبوليس" صارت وسائل الإعلام تتعامل مع القصص المصوَّرة باعتبارها نوعًا يجب التعامل معه بجدية.

وهذا النوع يسمح لأشخاص مثلي ومثل الكاتب أمير - الذي أعمل معه - معالجة موضوعات معقَّدة جدًا وذات أعماق كثيرة - موضوعات لا يستطيع المرء معالجتها ببساطة في مقالة قصيرة أو في برنامج تلفزيوني واحد.

ونحن نستطيع بمساعدة الرواية المصوَّرة ملء هذه الموضوعات بالحياة وجعلها كذلك أقرب إلى الناس الذين لا يقرؤون كتابًا في العادة. وبناءً على ذلك فهو يمثِّل شكلاً متنوِّعًا ومثيرًا جدًا للاهتمام ويلقى إعجابًا لدى الكثيرين من الشباب في جميع أنحاء العالم.

صورة من كتاب برسيبوليس. د ب أ
تحصل القصص المصوَّرة من خلال بعض الأعمال مثل "برسبوليس" على توجّه جديد وكثيرًا ما يزداد استخدام الفنَّانين لهذا النوع من التصوير من أجل التعبير عن سوء الأحوال الاجتماعية أو السياسية.

​​وحتى الآن تم نشر كتابي وكتاب أمير "جنة زهرة" في ست عشرة لغة، وفي كلِّ مكان قمنا بتقديمه كان الناس يأتون إلينا فيما بعد لكي يشكروننا ويقولون لنا: "من خلال كتابكما فهمنا أخيرًا ماذا يدور في إيران". وأعتقد أنَّ الرواية المصوَّرة تتيح للقارئ تلقِّي موضوعات معقَّدة وفهمها بكلِّ ارتياح.

ما مدى أهمية الصور؟

خليل: الصور تمثِّل دعوة ينبغي لها أن تستحوذ على القارئ بكلِّ قوتها. وهنا يسري كليشيه معروف مفاده أنَّ الصورة تقول أكثر من ألف كلمة. إذ يستطيع المر تحقيق الكثير من خلال صورة ما وبشكل سريع جدًا، كما تستطيع الصورة القوية قول الكثير. وأنا أعتقد أنَّ سحر هذا الشكل الفنِّي يكمن هنا بالذات.

غلاف الرواية المصورة جنة زهرة لكل من أمير وخليل. حقوق النشر  First Second
تدور أحداث "جنة زهرة" في فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل والتي تم إجراؤها عام 2009 ويصف هذا الكتاب المصوَّر مصير شاب اسمه مهدي شارك بعد فوز أحمدي نجاد في الانتخابات "المزيفة" في الاحتجاجات التي خرجت في طهران وثم اختفى فجأة من دون أي أثر. تبحث عنه أمه وشقيقه المدِّون ويخوضا بشجاعة صراعًا غير متكافئ ضد مؤسَّسات جمهورية إيران الإسلامية.

​​

هناك سلسلة كاملة من القصص المصوَّرة أو الأفلام في أسلوب القصص المصوَّرة وموقع موضوعاتها في الشرق الأوسط مثل كتابك "جنة زهرة" بالإضافة إلى كتاب "برسيبوليس" الذي ذكرته وكذلك "الموجة الخضراء" أو فيلم "فالس مع بشير". فكيف تفسِّر ذلك؟ وهل يوجد بينها رابط؟

خليل: أنا أعتقد أنَّ هذا يتعلَّق بحدوث الكثير من التطوّرات المهمة والخطيرة على المستوى الدولي في الأعوام والعقود الماضية في هذه المنطقة. ومن ناحية لا يزال الاستعمار موجوداً هنا حتى الآن - ولنتذكَّر إسرائيل وفلسطين.

وبالإضافة إلى ذلك تعمل الثروة النفطية على جعل المنطقة على قدر كبير من الأهمية الجيوسياسية والجيواستراتيجية بالنسبة لكبار المتنافسين الدوليين. وهنا يوجد كم كبير جدًا من احتمال أن يؤدِّي ذلك إلى نشوب صراع. وكذلك نحن نعيش منذ عامين ثورات لم أعرف مثلها من ذي قبل.

وبعد البدايات في تونس استمر انتشار هذه الحركات حتى الآن، ليس فقط في الدول المجاورة لتونس، بل كذلك أيضًا يوجد لها صدى في كلّ من أوروبا والولايات المتَّحدة الأمريكية والصين. إذ إنَّ الناس يتابعون في جميع أنحاء العالم ما يحدث في الشرق الأوسط. وهذه المنطقة تشكِّل مكانًا تجري فيه الكثير من الأحداث وأنا أعتقد أنَّ هذا أيضًا هو سبب اهتمام مؤلفي القصص المصوَّرة بذلك.

لقد استخدمت عندما عملت قبل عامين مع الكاتب الإيراني أمير في كتاب "جنة زهرة" اسم خليل وذلك لأسباب أمنية. فما هو سبب عدم كشفك عن هويتك وما هي العواقب الشخصية التي تخشاها؟

خليل: أنا شخصيًا لست من إيران على الرغم من أنَّني صرت أشعر في هذه الأثناء بأنَّني مرتبط ارتباطًا كبيرًا جدًا بهذا البلد وبأهله كما أنَّني أُعتَبر هنا - حيث أعيش - عضوًا فخريًا لدى الجالية الإيرانية. ولكن أمير إيراني وقد تعرَّض لتهديد مباشر كما أنَّ لديه عائلة في إيران وقد كان قلقًا من أن تكون لمشروعنا هذا عواقب وخيمة على أسرته وكذلك عليه هو نفسه عندما يعود في وقت ما إلى إيران.

ولهذا السبب فقد قرَّرنا عدم الكشف تمامًا عن أسمائنا. وهكذا يمكننا التعبير عن آرائنا بحرية ومن دون الخوف من التعرّض لاعتداءات جسدية أو الخوف من تعرّضنا وتعرّض أسرنا لعواقب أخرى. وقد كان هذا القرار قرارًا مبدئيًا ومفيدًا من وجهة نظرنا. كما أنَّ القرَّاء احترموا على العموم قرارنا بعدم كشفنا عن اسمائنا الكاملة.

صور من النسخة الألمانية رواية جنة زهرة المصورة لكل من أمير وخليل. حقوق النشر  First Second
تم نشر كتاب القصص المصوَّرة "جنة زهرة" على شكل كتاب ورقي وكذلك كسلسلة على شبكة الإنترنت. وحتى الآن تم نشر هذه الرواية المصوَّرة في ست عشرة لغة. وبسبب خوفهما على سلامتهما قرَّر المؤلِّف أمير والفنَّان خليل عدم الكشف عن هويتهما ونشر الكتاب من دون اسميهما الكاملين.

​​

ماذا حدث في الواقع بعد نشر كتابكما "جنة زهرة"؟ وهل قامت الحكومة الإيرانية بمحاولات للكشف عن هوية مؤلِّفي هذا الكتاب أو هل قامت حتى بتهديدكما؟

خليل: لقد تم نشر كتاب "جنة زهرة" على شبكة الإنترنت قبل أن يتم إصداره بشكل كتاب ورقي. لم يتم تهديدنا ولكننا تلقينا رسائل مسيئة وجارحة للغاية من المحتمل أنَّه تم توجيهها - مثلما نعتقد - من قبل الحكومة أو أنَّها وردت مباشرة من هناك.

وفي هذه الرسائل تم وصف عملنا هذا بأنَّه معادٍ للإسلام ومعادٍ لإيران وكذلك معادٍ للشيعة. وبما أنَّ الكثيرين في إيران قد قرأوا كتابنا هذا فقد كانت توجد هناك مساعٍ وتطلعات لاستهداف "جنة زهرة" والإساءة إلى هذا الكتاب.

وقبل عدة أشهر قرأنا في صحيفة "نيويورك تايمز" أنَّ كتابنا يتم بيعه في إيران فيما يشبه السوق السوداء. وهكذا تجري الأمور هناك مع العديد من المنشورات الممنوعة. وبطبيعة الحال لقد أسعدنا ذلك كثيرًا لأنَّ هذا بالذات كان جزءاً من الدافع الذي حملنا على كتابة هذا الكتاب.

فنحن لم نكن نريد فقط أن نوقظ العالم من سباته ونلفت انتباهه إلى الأوضاع في إيران، بل لقد أردنا أيضًا أن نظهر للشعب الإيراني أنَّ هناك أشخاصًا في جميع أنحاء العالم يشعرون بالتضامن معهم ويشاركونهم في مصيرهم - وأنَّهم ليسوا وحدهم.

ما هي ردود الفعل على كتاب "جنة زهرة"؟ وما هي ردود الفعل التي علقت في ذاكرتك بصورة خاصة؟

خليل: لقد تلقينا ردود فعل إيجابية جدا ومشجِّعة وردتنا من مئة وواحد وخمسين بلدًا وهذا شجَّعنا كثيرًا. كما أنَّني وجدت من المثير جدًا للإعجاب أنَّ الكثيرين في هذه البلدان تطوّعوا وعرضوا علينا ترجمة كتاب "جنة زهرة" إلى لغاتهم - وعلى سبيل المثال في كلّ من جمهورية التشيك وبولندا وكذلك في أرمينيا.

وكان هناك أشخاص في كلِّ مكان أرادو التطوّع من أجل إنفاق وقتهم في ترجمة مئة واثنتين وسبعين صفحة - وهذا جهد كبير جدًا. كما أنَّ حماس هؤلاء الأشخاص كان له معنى كبير بالنسبة إلينا وذلك لأنَّ هذا هو بالذات هدفنا من هذا الكتاب الذي من المفترض ألاَّ يكون فقط مجرَّد قصة إيرانية؛ بل قصة أُمّ فقدت ابنها. وهذه القصة تمس كلَّ الناس في كلِّ مكان في العالم، كما يستطيع الجميع إيجاد أنفسهم فيها. وكلّ شخص يستطيع فهم بحث الأمّ عن طفلها.

كذلك فإنَّ ما أثَّر بي وبأمير كثيرًا أثناء رحلاتنا بعد نشر الكتاب هو أنَّ القرَّاء قد فهموا أيضًا موضوعات الكتاب الأخرى - موضوعات مثل التعذيب والقمع السياسي واختفاء بعض الأشخاص. فقد انغمروا في مصير الأمّ وابنها الشخصي وكذلك أيضًا في جوانب الكتاب السياسية ووجدوا أنفسهم فيها.



إيستر فيلدين
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2013