مصر...حاجة ملحة للوعي بقواعد اللعبة الديمقراطية

بدا بعد سقوط حسني مبارك أن المصريين كانوا على وشك فتح باب عهد جديد في تطور بلادهم. إلا أن المجتمع المصري ظل منقسماً أكثر من ذي قبل ولا يزال الطريق إلى الديمقراطية طويلا كما يطلعنا ماركوس زومانك من القاهرة.

الكاتب، الكاتبة : Markus Symank

اتسم الوضع في مصر خلال أكثر سنتين ونصف من عمر ثورة 25 يناير التي أطاحت بمبارك بنزاعات سياسية وتدهور اقتصاد البلاد. ومن يبحث في مصر عن أنباء إيجابية فلن ينجح في ذلك إلا نادرا، إذ بدت عملية الانتقال الديمقراطي متعثرة. والتقارير عن مصر دارت بالدرجة الأولى حول أعمال عنف وأوضاع فوضوية.

(ولم تزِد إطاحة العسكر بالرئيس مرسي حالة الاستقطاب إلا تفاقماً، في أعقاب احتجاجات حركة "تمرُّد" في الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، التي واجهتها احتجاجات مؤيدي مرسي مطالبه بعودة "الشرعية" وعودته إلى منصبه. وما رافق ذلك من إعلان دستوري للرئيس الانتقالي عدلي منصور لم يكن موضع توافق حتى بين مَن قاموا باحتجاجات الثلاثين من يونيو أنفسهم).

ويناقض ذلك كله تفاؤل المصريين إثر إسقاط الدكتاتور حسني مبارك قبل أكثر من سنتين، إذ أن الكثيرين اعتقدوا آنذاك أنهم يقفون أمام باب عهد جديد يتميز بالمزيد من الديمقراطية وحقوق أوسع وعدالة اجتماعية للجميع. إلا أن آمالهم هذه خابت. ويلعن الكثيرون الثورة. ولذلك يتساءل مصريون كثيرون عما ذهب ما بعد الثورة باتجاه خاطئ.

من أنصار الإخوان المسلمين في القاهرة.  أ ف ب غيتي إميجيس
يطالب أنصار الإخوان المسلمين بتطبيق قواعد القرآن

​​

يعتبر الكثيرون أن طرفين بشكل خاص يتحملان المسؤولية عن الأخطاء المرتكبة في عملية الانتقال في السنتين والنصف الماضيتين وهما العسكر والإخوان المسلمون، بالإضافة إلى أداء المعارضين للإخوان.

وكما يقول المحلل السياسي عماد جاد من مركز الأهرام في القاهرة، فإن هذين الطرفين اتخذا منذ البداية قرارات خاطئة، فبدلا من تشكيل مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا، أصر الجيش والإسلاميون على إجراء انتخابات برلمانية في أسرع وقت ممكن. والشعب وافق على رأيهم في استفتاء جرى في آذار/ مارس عام 2011.

وهكذا بدأ في مصر اللعب بالديمقراطية بدون تحديد قواعد هذه اللعبة قبل ذلك. وما هو أسوأ من ذلك، هو أن هذه الخطوة عجلت تقسيم المجتمع، كما يقول جاد، إذ منذ ذلك الحين اتسمت المناقشة السياسية في مصر باستقطاب الإسلاميين والعلمانيين.

الخبير بالشؤون السياسية عماد جاد . الصورة:  عماد جاد
المحلل السياسي عماد جاد: المجتمع المصري منقسم اليوم أكثر من ذي قبل

​​

ومنذ البداية علق الإخوان المسلمون الذين حصلوا في الانتخابات البرلمانية في أواخر عام 2011 على حوالي نصف الأصوات، أكبر أهمية على الدين، كما يقول جاد. ويضيف: "يشكل الدين في مصر أبسط وسيلة لكسب أصوات الناخبين، فنسبة 40 في المئة من السكان أميون. ولذلك، فإن التأثير عليهم ليس صعبا". ويتهم جاد الإخوان المسلمين بأنهم ضحوا بتوحيد المجتمع لصالح نجاح حزبهم.

الافتقار إلى فهم معنى الديمقراطية

ينتقد أيضا الخبير في شؤون مصر شتيفان رول من معهد العلوم والسياسة في برلين سياسة الاستقطاب التي انتهجها الإخوان المسلمون. وفي الوقت نفسه يوجه انتقادات شديدة ضد المعارضة أيضاً: "فالقوى العلمانية أرادت المشاركة في الحكم على نفس المستوى الذي يحكم عليه الإسلاميون. وهذا يعني أنهم يتجاهلون نتائج الانتخابات".

والإسلاميون من جهتهم رأوا في فوزهم بها مبررا لحكمهم على أساس سلطة مطلقة، كما يقول رول. ويضيف: "يظهر ذلك افتقار كلا الطرفين إلى فهم معنى الديمقراطية".

منذ النجاح الواضح الذي حققته القوى الإسلامية في الانتخابات البرلمانية، لا تدور المناقشة السياسية في مصر إلا حول دور الدين في الدستور ووسائل الإعلام والمجتمع، في حين لا تلعب مطالبة الثورة بالعدالة الاجتماعية دورا يذكر.

وفيما يخص المشاكل الاقتصادية في البلاد، فإن السياسيين كانوا يتجاهلونها ببساطة. ويرى رول في ذلك إحدى أكبر الصعوبات في عملية الانتقال، مشيرا إلى أن الطبقة السياسية لم تنجح حتى الآن في ممارسة سياسة براغماتية يومية بمعزل عن المناقشات بشأن القضايا الأساسية. إلا أنه لا يمكن أن تتطور البلاد إلى الأمام بدون ذلك.

مقاومة الفلول

وفي حين حمَّلت المعارضة المصرية الإسلاميين المسؤولية عن الركود السياسي والاقتصادي، حمّل الإسلاميون بقايا النظام السابق المسؤولية عن ذلك. وقالوا إن الفلول من أنصار مبارك يعرقلون تقدم البلاد. وجرى جدل حاد حول مدى نفوذ النظام القديم في واقع الأمر.

ورغم أن عماد جاد يعتبر أن مخلفات مبارك لا تزال ملحوظة جدا على شكل الفساد والتعذيب ومحاباة الأقارب، إلا أنه لم يلاحظ حتى الآن أية مقاومة منسقة من قبل الفلول. وعليه، فإنه يرى في مقاومة الفلول المزعومة "حجة بحتة لجأ إليها الإخوان المسلمون غير المستعدين لإجراء الإصلاحات".

شتيفان رول. الصورة: swp
ينتقد أيضا الخبير في شؤون مصر شتيفان رول من معهد العلوم والسياسة في برلين سياسة الاستقطاب التي انتهجها الإخوان المسلمون. وفي الوقت نفسه يوجه انتقادات شديدة ضد المعارضة أيضاً: "فالقوى العلمانية أرادت المشاركة في الحكم على نفس المستوى الذي يحكم عليه الإسلاميون. وهذا يعني أنهم يتجاهلون نتائج الانتخابات".

​​

لم يحصل الإسلامي محمد مرسي في الانتخابات إلا على عدد أكبر بقليل فقط من رئيس الوزراء السابق أحمد شفيق،
وعلى العكس من جاد يعتبر رول أنه تتم الاستهانة بمدى النفوذ الذي حافظ النظام القديم عليه حتى الآن، مشيرا إلى أن نظام مبارك لم يتألف فقط من عائلتين أو ثلاث عائلات، وإنما هو لا يزال موجودا في أوساط معينة من النخبة الاقتصادية والقضاء والجهاز الأمني.

ويمكن اعتبار حقيقة أن رئيس الوزراء السابق في حكومة مبارك أحمد شفيق حصل في اقتراع الرئاسة بينه وبين مرسي على نسبة 48 بالمئة من الأصوات دليلا على ذلك. وينطبق هذا أيضا على قرار المحكمة العليا بحل البرلمان الذي هيمن الإسلاميون عليه.

الجنرالات لا يهتمون إلا بسلطتهم

أدى الارتياب السائد بين جميع الأطراف إلى توقف عملية الانتقال تقريبا. واعتبر الكثيرون أن تغيير الوضع الحالي جذريا يتطلب شخصية بارزة أو مرجعا وطنيا يتولى القيام بدور المصالح بين الأطراف المختلفة، أي أنه من الضروري أن تكون هناك جهة تعيد "الأطفال المتشاجرين" إلى طاولة المفاوضات، كما يقول رول.

ورغم أن جامعة الأزهر اُعتبرت في البداية الجهة المناسبة لتولي هذا الدور، إلا أنها انتقلت سريعا إلى دعم مناهضي الإخوان المسلمين. وبالنظر إلى حقيقة أنه لا يوجد سياسي مصري يمكن مقارنته بنيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا مثلا، يرى الكثيرون في الجيش منقذ الشعب.

إلا أن عماد جاد يعتبر أن تدخل الجيش خطير جدا، مشيرا إلى أن "الأشهر إثر سقوط مبارك التي حكم فيها العسكريون، كانت كارثية"، إذ يبدو أن الجنرالات لا يهتمون إلا بالحفاظ على سلطتهم وثروتهم في العهد الجديد أيضا.

 

ماركوس زومانك
ترجمة: أخيم زيغولو
تحرير: هبة الله إسماعيل
حقوق النشر: دويتشه فيله 2013