"الفن السوري صار أكثر تنوعا من ذي قبل"

أدت الحرب في سوريا إلى تدمير أجزاء كبيرة من الإرث الثقافي في البلاد. وكذلك لم يعد يوجد في ظل الحرب سوى عدد قليل من الفنانين العاملين في سوريا، مثلما تروي الفنانة السورية ديالا برِصلي، في حوارها التالي مع الصحفية سوزانه ديكل في اسطنبول.

الكاتبة ، الكاتب: Susanne Dickl

جرت في سوريا قبل فترة غير بعيدة انتخابات رئاسية في خضم الأزمة السورية والحرب الأهلية. ألم يكن الفائز في هذه الانتخابات معروفًا قبل إجرائها؟

ديالا برصلي: مَنْ ذا الذي يريد المشاركة في هذه الانتخابات؟ الناس هناك يموتون كلَّ يوم، يعيشون في مبانٍ مُدمَّرة، في مخيَّمات. ومع ذلك تريد الحكومة الحصول على أصواتهم. ثم يقولون للناس المقيمين كلاجئين في لبنان: يجب عليهم أن ينتخبوا الأسد، لأنَّهم إن لم يفعلوا ذلك فلن يسمح لهم العودة إلى سوريا. وشيء كهذا لا يمكن أن تقوله حكومة في دولة ديمقراطية لمواطنيها. وعلاوة على ذلك فإنَّ هذه الانتخابات لا تغيّر أي شيء، ففي كلّ مرة يحدث الشيء نفسه. هذه ليست انتخابات حقيقية. وفي الواقع إنَّها أقرب إلى ما تكون إلى اللعبة، لأنَّها بعيدة كلّ البعد عن الواقع. 

إحدى لوحات الفنانة السورية ديالا برصلي. Foto: Diala Brisly
الفنّ الثوري من داخل المنفى - تقول الفنَّانة ديالا برصلي: "صحيح أنَّ العمل في السياسية ليس بالأمر السهل، ولكنني أعتقد أيضًا أنَّه يجب علينا أَلاَّ نستسلم".

هل يوجد فنَّانون لا يزالون يعملون في سوريا؟

ديالا برصلي: نعم، ولكن هناك القليل فقط. لم يعد هناك وسط فنِّي. إذ إنَّ مَنْ يُدلِ برأيه أو يُعبّر عنه من خلال الأغاني أو الفنّ، يضطر إلى فعل ذلك تحت اسم مستعار، لأنَّ عدم استخدام اسم مستعار أمر في غاية الخطورة. ورغم وجود بعض المعارض أيضًا لا يمكن مقارنة الوضع الحالي مع ما كان عليه في السابق. لا توجد حاليًا لدى معظم الناس في سوريا أية أولوية للفنّ. لأنَّه بات بالأحرى من الكماليّات. هناك استثناء يتمثّل في مدينة كفرنبل الصغيرة. لا يزال يوجد هناك مسرح ومركز ثقافي. وهناك يستخدم الفنانون الفنَّ كرسالة موجّهة إلى الناس خارج سوريا، حيث يعتبر المشهد الفنِّي السوري أفضل من ذي قبل.

ما هو السبب؟

ديالا برصلي: لم أكن أعرف قبل اندلاع الثورة السورية قطّ، أنَّ هناك هذا العدد الكبير من الفنَّانين في بلدنا! لم نكن نسمع بعضنا عن بعض، ولم تكن هناك أية شبكة للتواصل. أمَّا الآن فقد صرنا نجتمع ونستطيع العمل بحرّية وإنتاج أعمالنا الفنِّية الثورية. وقبل ذلك لم يكن يُسمح لنا فعل أي شيء. وعندما كان المرء يريد نشر مجلة أو كتاب، فكان يتعيَّن عليه أن يعرف مسؤولاً في الدولة أو اللجوء إلى استخدام اسم مستعار. أمَّا الآن فلم يعد لدينا خوف من أن نقول أي شيء.

لكن لقد سبق لك النشر في سوريا أيضًا وباسمك الحقيقي…

ديالا برصلي: أجل، لقد قرَّرنا أنا وبعض أصدقائي عدم الاستمرار في استخدام أسماء مستعارة. وقبل ذلك، كنت أوقِّع على لوحاتي باسم "ألفيس بريسلي". ولكن لقد كان العمل بالاسم الحقيقي أمرًا خطيرًا للغاية. لقد كنت حينها محظوظة جدًا.

كيف تطوّر إذًا المشهد الفنِّي السوري في المنفى؟

ديالا برصلي: في السابق كان الكثيرون من الفنَّانين متأثرين بالغرب - والآن بات تركيز الفنّ أكثر على الشرق. الناس صاروا عاطفيين أكثر، ويحنون إلى سوريا. وغدا بعض الموسيقيين ينتجون على سبيل المثال أغانيَ مستوحاة من الموسيقى السورية التقليدية. لكنهم يربطونها أيضًا مع أنواع أخرى مثل موسيقى الروك. وفي الواقع لم يكد يتم في السابق إنتاج موسيقى سورية، لكن ذلك اختلف الآن. توجد خاصة في لبنان، في بيروت، الكثير من الفرق والحفلات والمهرجانات وكذلك الكثير من فعاليّات الفنَّانين السوريين الأخرى. 

Diala Brislys Bild "Card for Syrian Children"
Illustrationen für Kinder als Markenzeichen: Diala Brislys Bild "Card for Syrian Children"

هذا يعني إذًا أنَّ الفنّ السوري الآن بات أكثر تنوعًا من ذي قبل؟

ديالا برصلي: أجل، وسيصبح أفضل من ذي قبل، عندما ينتهى كلّ شيء. ولكن في الوقت الراهن لم يعد لدى الكثير من الناس أي أمل. كما أنَّهم توقّفوا عن العمل في السياسة. صحيح أنَّ العمل في السياسة ليس بالأمر السهل، ولكنني أعتقد أيضًا أنَّه يجب علينا أَلاَّ نستسلم. سوف يستغرق الأمر فترة غير قصيرة حتى يتغيَّر الوضع - وربما عشرة أعوام. ولكن في آخر المطاف سوف تُشرق شمس السلام. أنا أؤمن بالأطفال السوريين، لأنَّهم هم مستقبل البلاد، وسوف يبنون سوريا. ولهذا السبب فأنا أعمل معهم في مخيَّمات اللاجئين.

ماذا تفعلين هناك مع الأطفال؟

ديالا برصلي: هم يحتاجون إلى تعليم جيّد. والكثيرون منهم لم يذهبوا إلى المدرسة منذ فترة طويلة. أنا أعمل في الوقت الراهن على كتاب مصوّر للأطفال، وأعتقد أنَّ هذا يخلق لهم متعة كبيرة ويساعدهم أيضًا في التعلُّم. وفي بيروت سيتم في وقت قريب أيضًا افتتاح ورشة عمل فنِّية للأطفال المقيمين في مخيَّمات اللاجئين، من أجل تمكينهم من التعبير عن مشاعرهم بشكل أفضل. وأفكِّر حاليًا في الانتقال إلى بيروت بغية إنشاء مكتبة للأطفال بالاشتراك مع بعض الأصدقاء. أشعر أنَّني سأكون مفيدة هناك أكثر من هنا في اسطنبول.

 

حاورتها: سوزانه ديكل

ترجمة: رائد الباش

تحرير: علي المخلافي

حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2014