''أنصح المصريين بألاّ يسيروا في مسار التغييرات الثورية السريعة''

قاد بشار الدين يوسف حبيبي اندونيسيا نحو الديمقراطية منذ أيار/ مايو 1998، بعد أن وجد سلفه سوهارتو نفسه مضطراً للتنحي أمام ضغط حركة الاحتجاجات. وفي حديثه مع هانس ديمبوفسكي يتحدث حبيبي عن تجاربه، التي يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة للحراك الديمقراطي في الدول العربية.



هل ما زلتم على اتصال بحكومات عربية؟

بشار الدين يوسف حبيبي: نعم، ففي حزيران/ يونيو الماضي حللت ضيفاً على مؤتمر في القاهرة، نظمه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بالتعاون مع الحكومة المصرية. وتم نقل وقائع المؤتمر على شبكة الإنترنت أيضاً. وكشف تقييم بيانات شبكات التواصل الاجتماعي فيما بعد أن كلمتي وجدت أصداء إيجابية بنسبة 85 بالمائة.

ما هي نصيحتكم للمصريين؟

حبيبي: أنصحهم ألاّ يسيروا في مسار التغييرات الثورية السريعة. إن أهم القرارات يجب تُتخذ في البرلمان، وليس في الشارع، وهذا يحتاج إلى الوقت. وتوجد قوى شابة جديدة في مصر، ويجب عليها أن تقوم بتنظيم نفسها في البدء. فمصر بحاجة الآن إلى شخصية قيادية لقيادة هذا التغيير، ويجب أن توضح أنها لن تتشبث بالسلطة إلى الأبد، بل تهيئ الأرضية لبنية جديدة.

هل كان من الواضح بالنسبة لكم قبل 13 عاماً في اندونيسيا أنكم ستكونون رئيساً لمرحلة انتقالية؟

الصورة ا ب
يوسف حبيبي قاد إندونيسيا إلى مرحلة التغيير بعد تنحي سوهارتو

​​حبيبي: يجب أن يكون المرء واقعياً. كنت طوال عقدين من الزمن عضواً في الحكومة. وصحيح أنني لم أكن في وسط الانتقادات، لكن سوهارتو، الرئيس الذي كنت وزيراً في نظامه ومن ثم نائباً له، أضطر إلى التنحي- وبحسب الدستور كنت أنا خلفاً له باعتباري نائباً للرئيس. وعلى الفوز قمت ببعض الإجراءات، وأطلقت حرية الصحافة والتجمع، فمنذ ذلك الوقت سُمح للجميع قول ونشر ما يريدون. وحتى جميع المتظاهرين سُمح لهم بالتظاهر، طالما بقيت هذه المظاهرات سلمية وبعيدة عن العنف.

لكن كانت توجد هناك ضغوط أيضاً، لأن حركة الاحتجاجات طالبت بسرعة التغيير...

حبيبي: نعم كانت هناك ضغوط. في يومي الثاني في منصب رئاسة الجمهورية زارني وفد من كبار شخصيات المعارضة. وكانوا سبعة رجال، أكثرهم شهرة كان أمين ريس، الذي أسس فيما بعد حزب الأمانة الوطنية. وقال أعضاء هذا الوفد إنهم يريدون إجراء انتخابات جديدة بأسرع وقت من أجل إيجاد حكومة ديمقراطية.

لكني رفضت هذا، وقلت لهم إذا تسرعنا في إجراء الانتخابات فسأفوز، فأنا الوحيد الذي كان له حزب جيد التنظيم وحاضراً في جميع أنحاء البلاد. وكنت على قناعة أنه يجب قيادة هذا التغيير. كنا بحاجة إلى تفهم اجتماعي لما كان يجب أن يحدث. لذلك طلبت من بعض الأصدقاء، مثل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر، القدوم إلى اندونيسيا والنقاش مع الناس كي يفهموا ما هو ممكن وما هو قيم.

قبل قرابة 10 أعوام من التحول في اندونيسيا كانت جمهورية ألمانيا الديمقراطية قد انهارت. هل وضعتم نصب أعينكم نموذج الثورة السلمية و"الطاولة المستديرة" التوافقية التعددية وتوحيد ألمانيا فيما بعد؟

أمين ريس
أمين ريس أحد المتنافسين على الرئاسة في إندونيسيا عام 1998

​​حبيبي: من الطبيعي أن كنت مدركاً لما حدث في ألمانيا، فقد درست في مدينة آخن الألمانية، وألمانيا تعد موطني الفطري. لكنني لم أتحدث عن ذلك كثيراً، فعلى أي حال كان يُقال عني: "إني ألماني". وهذا هراء، فأنا اندونيسي، وكان من الواضح لي تماماً أننا بحاجة لحلول اندونيسية لمشاكلنا الاندونيسية.

بعد سقوط جدار برلين بدأت سياسة التنمية الألمانية بالتركيز على مواضيع مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان، هل أثر ذلك على اندونيسيا؟

حبيبي: كلا، لم نكن بحاجة لمثل هذا النوع من الدروس، فالديمقراطية وحقوق الإنسان منصوص عليهما في دستورنا، الذي يعد أقدم من الأمم المتحدة نفسها. كنا أمة مستعمرة، وعرفنا القمع والتنكيل. وفي الأساس يتعلق الأمر بقيم عالمية للحرية، متشابهة في مكان من هذا العالم. لكن مسألة تحقيقها في بلد ما، تتوقف على ثقافة هذا البلد وتاريخه. أنا مهندس وأعرف أن القوانين الأساسية للطبيعة لا يمكن أن تتغير. لكن يمكن للمرء الاستفادة منها بطريقة ذكية، وهذا الأمر ينطبق على الديمقراطية وحقوق الإنسان. إن القواعد الأساسية تبقى ثابتة، لكن الأمر يعتمد هنا على كيفية تطبيق الأفكار.

هل تمكن الشركاء الألمان من مساعدتكم؟

حبيبي: نعم، لقد قدموا المساعدة، وكان هذا جيداً، فقد ألحقت بنا الأزمة المالية الآسيوية آنذاك أضراراً كبيرة. حينها اتصلت بالمستشار الألماني الأسبق هيلموت كول وقلت له إنني بحاجة لمن يساعدني في تسيير أمور البنك المركزي.

فقال كول، الذي كنت أخاطبه بصيغة القربى: "سأرسل لك شليزينغر" وبعد فترة قصيرة وصل الرئيس المتقاعد للبنك المركزي الألماني هيلموت شليزينغر إلى جاكرتا وقدم الاستشارات للمسؤولين في مصرفنا المركزي. واتخذ شليزينغر قرابة خمسة بالمائة من قرارات المصرف، أما العمل الأساسي فقد قام به الخبراء الاندونيسيون، فقد تمكنا من تأهيل خبراء جيدين. لكن شليزينغر كان يحرص على أننا نتحرك في الاتجاه الصحيح.

هل كان ذلك الحالة الوحيدة؟

حبيبي وكول الصورة د ب ا
علاقات وثيقة كانت تربط الرئيس حبيبي بالنخب وصناع القرار الألمان

​​حبيبي: كلا، كلا على الإطلاق. عندما احتجت إلى استشارة بخصوص سياسة المنافسة، اتصلت بكول مرة أخرى. وبعد فترة وجيزة من ذلك أتى فولفغانغ كارته، الرئيس السابق لمكتب المستشارية الألمانية، إلى جاكرتا. وحين احتجت إلى دعم لإصلاح القطاع المصرف – قمنا بدمج أربعة مصارف متعثرة لتصبح مصرفاً واحداً- لم أتصل بهيلموت كول، وإنما بيوزيف آكرمان، المدير التنفيذي الحالي لمصرف "دويتشه بنك" الألماني. كان حينها ما يزال موظفاً شاباً، يعمل في هذا المصرف بالتعاون مع صديقي أولريش كارتيليري. وفي صباح أحد أيام الاثنين كان هنا. وهذا النوع من الدعم كان سريعاً وموثوقاً به وقيماً، لأننا تمكنا من تجنب الأخطاء. وكانت هذه مساعدة حقيقية، على خلاف خيبة الأمل التي سببها لي صندوق النقد الدولي.

لماذا؟

حبيبي: كان نشاطه غامضاً، فعلى الرغم من أن مهمته كان الاهتمام بالاقتصاد الكلي، لكنه تدخل أيضاً في الاقتصاد الجزئي أيضاً. إن صندوق النقد الدولي أضر بقطاع الصناعة الاستراتيجية الحكومية الاندونيسية كثيراً. على سبيل المثال كنا على وشك إنتاج طائرة كان يمكن تسويقها في الأسواق العالمية، لكن حدثت الأزمة المالية آنذاك وأخبرنا صندوق النقد الدولي أنه سوف لا يقدم لنا المال، إذا لم نوقف هذا البرنامج. ولم يُسمح لنا حتى بالاستمرار بأموال من القطاع الخاص. وكانت الشركة شركة مساهمة حكومية، عمل فيها عدة آلاف من العاملين. أردت أن أطرح الشركة لسوق الأسهم، لكن لم يُسمح لي بذلك أيضاً. ولم يتعامل صندوق النقد الدولي بهذه الصرامة مع أي من الدول الصناعية، حتى في الأزمة المالية العالمية الراهنة. وهذا مثالاً على إزدواجية المعايير.

قدمت ألمانيا لاندونيسيا في العقود المنصرمة قبل التحول الديمقراطي الذي شهدته البلاد، مساعدات تنموية. ما هو تقييمكم لهذه المساعدات؟

حبيبي: كان أمراً جيداً، فقد ساهمت هذه المساعدات أيضاً في أن تكون في أندونيسيا شوارع ودعمت نظامي الصحة والتعليم بشكل مستمر.

حققت اندونيسيا حقاً شيئاً ملموساً من المساعدات التنموية، في حين لم تتمكن الكثير من البلدان من تحقيق ذلك...

حبيبي: لا يمكنني أن أوضح لماذا لم تحقق هذه البلدان الأخرى شيئاً ما. لكن ما أعرفه أن اندونيسيا كانت دائماً ترى في التبادل مع ألمانيا والبلدان الشريكة الغنية الأخرى فرصة. بالنسبة لنا كانت المساعدة وسيلة لمساعدة أنفسنا، وهكذا يجب أن يكون الأمر.

 

أجرى الحوار: هانس ديمبوفسكي
ترجمة: عماد غانم
مراجعة: هشام العدم
الحقوق: مجلة التنمية والتعاون 2011

بشار الدين يوسف حبيبي: تولى رئاسة اندونيسيا من أيار/ مايو 1998 حتى تشرين الأول/ أكتوبر 1999. ودرس في آخن، حيث حصل على الدكتوراه في هندسة الفضاء والطيران. وخلال حكم سلفه المستبد سوهارتو تولى حبيبي منصب وزير التقنية والأبحاث طوال عشرين عاماً، قبل أن يصبح نائباً للرئيس عام 1998. أما اليوم فيتولى رئاسة مجلس إدارة "مركز حبيبي" للأبحاث في جاكرتا، والذي ينشط في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان والأبحاث والتكنولوجيا الصديقة للبيئة.