تخفيف فظائع الحروب العربية بعزف موسيقى السلام الكلاسيكية

جاءَ موسيقيون من مختلف البلدان العربية إلى برلين للمشاركة في مهرجان أوروبا الشبابي للموسيقى الكلاسيكية ولأخذ قسط من الراحة من ويلات الحروب التي تتعرض لها بلدانهم. غيرو شليس يسلط الضوء على أعضاء فرقة الأوركسترا العربية المشاركة في المهرجان، في قاعة أوركسترا برلين المرموقة.

الكاتبة ، الكاتب: Gero Schließ

تعتبر هذه  (في أغسطس/ آب 2016)  هي المرة الثانية التي تصل فيها الفرقة الفيلهارمونية العربية إلى برلين، حيث جاءت للمرة الأولى عام 2013 متضمِّنةً 63 شابا موسيقياً من ثماني بلدان عربية. اجتمع أعضاء الأوركسترا سويّةً لمدة أسبوع واحد للتدرب معاً قبل الصعود إلى خشبة المسرح في قاعة الأوركسترا المرموقة في برلين.

رامرس وبغياني عضوان في الأوركسترا المتعددة الجنسيات أيضا. وهذان الموسيقيان يعرفان بعضهما مذ كانا في الجزائر، ففي حديث لهما قالا إنهما في غاية السعادة لتلقيهما دعوة للمشاركة مع الفرقة الفيلهارمونية العربية في "مهرجان أوروبا  لموسيقى الشباب الكلاسيكية " المقام في برلين.

"برلين مذهلة للغاية"، يصيح كل منهما في الوقت نفسه تقريباً. يبدو أنهما يعشقان هذه المدينة، إذ لاحظا أن هذا المكان مريح جداً وهادئ على نقيض حياتهما الصاخبة في مدينة بانتا شمالي الجزائر.

وقد كانت إدارة المهرجان السنوي لعازفي الأوركسترا الشباب قد وجهت دعوة للموسيقيين من جميع أنحاء العالم لحضور ملتقاها السابع عشر.

Dr. Fawzy El-Shamy, Gründer des AYPO; Foto: DW/G. Schließ
Erfüllter Traum: Fawzy El-Shamy ist Gründer des Arab Youth Philharmonic Orchestra. Er war Dekan des Musikkonservatoriums in Kairo. Wichtig ist Fawzy El-Shamy, dass die Musiker aus verschiedenen arabischen Ländern kommen und lernen, miteinander auszukommen: Von Syrien über Ägypten bis Algerien, Irak und Kuweit sind die unterschiedlichsten arabischen Kulturen vertreten.

رامرس وبغياني يقولان إن التدريب قبل وقت الحفلات تطلب الكثير من الوقت. وبإشراف قائد الأوركسترا هاينَر بولمان، تدرَّب الشابان منذ الصباح حتى المساء، وذلك في مدرسة قديمة في حيّ غرونيفالد الشاعري،  وهو مكان هادئ حافل بالمنازل الفارهة والمساحات الخضراء الشاسعة.

عازف التشيللو (27 عاماً) وعازف الكونترباس (25عاماً)  كان لديهما القليل من الوقت للذهاب لقضاء وقت الفراغ في الخارج، على عكس أقرانهم في برلين الذين يرتادون نوادي الرقص الليلية.

ابتعاد عن فظائع الحرب

عضو آخر في الفرقة هو حسن الشاب الموسيقي الذي جاء من دمشق، حيث يتصدر الدمار وإراقة الدماء المشهد منذ سنوات. حسن عازف الكمان ذو الـ 21 عاماً -طالب في الجامعة بقسم الموسيقى والمسرح- كان يذهب إلى التدريب في بلاده في حين كانت الانفجارات والمعارك وكل هذه الأهوال تجري على طول طريقه.

"كماني معي وهذا يساعدني"، كما يقول. من الواضح أن الموسيقى أصبحت وسيلة للبقاء على قيد الحياة بالنسبة لحسن.  وبرلين بمثابة إجازة مؤقتة بالنسبة إليه بعيداً عن الرعب في سوريا.  "في ألمانيا يتعين التعرف على جميع مظاهر الحياة"، يقول حسن ذلك محاولاً ترجمة مشاعرة إلى كلمات.

بيد أن مجيء حسن وموسيقيين سوريين اثنين آخرين من رفاقه إلى ألمانيا لم يكن بالأمر السهل، وحتى حصولهم على تأشيرة السفر كان محفوفاً بالمخاطر، وخاصة أثناء الرحلة من دمشق إلى بيروت لزيارة السفارة الألمانية هناك. فالعديد من المدعويين إلى السفارة واجهوا صعوبات حقيقية حتى اللحظة الأخيرة، بل وبدا نجاح موسيقيين كثيرين في الوصول إلى برلين وكأنه معجزة. قضى حسن أسبوعاً واحداً فقط في ألمانيا في إجراء البروفات التدريبية قبل الحفلة الموسيقية.

أمّا قيس صديق حسن -ومن نفس العمر تقريباً- فقد كان هنا في برلين منذ ما يقارب سنة، إذ وصل إلى ألمانيا كلاجئ من بين مليون لاجئ دخلوا البلاد. وقد جاء إلى برلين من شمال ألمانيا من مدينة تُدعى كوكسهافن كان يقيم فيها مع شقيقه كضيفين في مزرعة في كنف عائلة ألمانية.

ويوضّح قيس أن قدومه إلى ألمانيا لم يكن بالضرورة نتيجة للحرب، ولكن بالأحرى بسبب الفرص البائسة للدراسة والتعليم في سوريا. فجامعته تعاقدت مع أساتذة روس للتعليم، ولكن بمجرد بدء المفاوضات بين أطراف النزاع فر الأساتذة الروس إلى العاصمة السورية. وبذلك انهار التعليم في جامعته. ولهذا فإن قيس وحسن يقدّران حق التقدير أسبوع وجودهما معاً في برلين. ويقول قيس في هذا السياق إن "السوريين (الموسيقيين الشباب في هذه الفرقة) ليس لديهم أي تجربة مع موسيقيين من مناطق أخرى". لكن هذه هي المرة الأولى التي يتمكنون فيها من العمل مع موسيقيين "من مستوى آخر ".

مجموعة متنوعة من الموسيقيين العرب

معظم الموسيقيين الـ 63 -الأعضاء في الأوركسترا الفيلهارمونية العربية- ينحدرون من مصر. وهولاء الأفضل في المجموعة، كما يقول الآخرون عنهم، حتى أن مؤسس الأوركسترا فواز الشامي نفسه مصريٌ من القاهرة وكان عميداً لمعهد الموسيقى هناك . وقد قال إنه قد حقق أحد أحلامه بتأسيسه لهذه الأوركسترا عام 2006.

Junge arabische Musiker des "Arab Youth Philharmonic Orchestra" auf der Bühne des Berliner Konzerthauses; Foto: DW
Junge arabische Musiker auf der Bühne des Berliner Konzerthauses.

ويرى أن من المهم للموسيقيين من البلدان العربية العديدة أن يجيدوا اقتناص الفرص ليكونوا جنباً إلى جنب ويتبادلوا الخبرات فيما بينهم. وهذه المجموعة الموسيقية مثالية لذلك فهي بتركيبتها متنوعة وفيها عازفون من مختلف الدول العربية كسوريا ومصر والعراق والجزائر والكويت. ويضيف الشامي أنه واثق من أن أعضاء فرقته سيكونون قادرين على مواكبة الفرق الموسيقية الشّابة الأخرى التي تقوم بإحياء مهرجان أوروبا الشبابي للموسيقى الكلاسيكية.

حان وقت الوادع

وفور انتهاء الحفلة الموسيقية -في تاريخ 30 آب/ أغسطس 2016 في برلين- قوبِلَتْ الفرقة الموسيقية العربية بتصفيق حار  في القاعة الممتلئة بالجمهور الذين كانوا قد اشتروا معظم تذاكر الحفلة الموسيقية.  ومثل أعضاء الأوركسترا الشباب كان الكثيرين من الحضور من الجيل الشاب أيضاً  والذين تحمسوا للغاية لهذه الفعالية.

وبعد الحفلة الموسيقية حان وقت الوداع.  يجب على قيس الآن العودة إلى المزرعة في كوكسافن غير أنه أشار إلى رغبته في  دراسة العزف على الكمان في هامبورغ. " الموسيقى حياتي"، جملة قالها حسن مؤكداً على بقاء الثقافة والفنّ في وطنه على الرّغم من الحرب، مصطحباً معه إلى وطنه شعوراً جديداً هو الشعور بالانتماء المجتمعي، هذا الشعور الذي اكتسبه من خلال العمل مع شباب موسيقيين آخرين من دول عربية أخرى. كما وتوجد ربما رغبة أخرى  لديه لم يفصح عنها، وهي أن يعود ربما إلى ألمانيا من جديد، إلى بلد يصبح بإمكانه فيه نسيان الحرب لبعض الوقت وصقل تجاربه في جامعة موسيقية ألمانية.

 

غيرو شليس

ترجمة: سلمى العابد

حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2016

ar.Qantara.de