على موقف أوروبا الاستقلال عن أمريكا حول فلسطين

إذا كانت سياسة أوروبا تهدف إلى إقامة دولتين لشعبين فلسطيني وإسرائيلي، فعلى أوروبا أن تتبنى موقفا سياسيا مستقلا يتجاوز الأمريكيين، خصوصا في عهد ترامب. وسوف يتوجب على السياسة الأوروبية أن تصيرَ أكثر حزمًا وفرضًا للعقوبات إذا ما أرادت أن تحمِلَ إسرائيلَ على تقديم تنازلات جادة من أجل السلام، كما يرى موسى جريس وسام بحور في تعليقهما التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Sam Bahour and Mousa Jiryis

إذا حقق الرئيس ترامب تصريحاته حول التخلي عن حل الدولتين فسيكون بذلك قد كسر قاعدةً ثابتة في السياسة الخارجية الأمريكية. وبحسب رأي أغلب المعلقين فإن ذلك سيتطور باتجاه توسيع غير مسبوق في بناء المستوطنات وشرعنة ذات أثر رجعي للبؤر الاستيطانية البرية على الأراضي والممتلكات الفلسطينية.

وعلى عكس جميع الرؤساء الأمريكيين السابقين -الذين وصفوا "المستوطنات كعائق للسلام"- يودّع دونالد ترامب هذا الخطاب السابق قائلاً أن المستوطنات "قد تكون ربما غير مفيدة للسلام". لكن هذا يعني أيضاً إمكانية بناء المستوطنات إلى أجل غير مسمى.

ونظرا لهذا الوضع، لا بد لأوروبا أن تعترف بأن النهج القائل إن "الولايات المتحدة الأمريكية هي القائدة" في حل هذا الصراع هو نهج محكومٌ عليه بالفشل الأبدي، وأن احتمالات السلام خلال رئاسة ترامب تساوي الصفر على الأرجح. وذلك لأن نهج القيادة الأمريكية يعطي المشروع الاستيطاني الإسرائيلي الوقت لترسيخ نفسه، ويلغي بوتيرة متزايدة إمكانية حلِّ الدولتين. وقد بات من الجلي بعد عقدين من المفاوضات الثنائية الفاشلة برعاية أمريكية أن القيادة الأمريكية لجهود حل الصراع عبثية وتُفضي إلى نتائج عكسية.

على أوروبا تبني موقفًا مستقلًا يتجاوز الأمريكيين

إذا كانت سياسة أوروبا تهدف إلى إقامة دولتين لشعبين، فعلى أوروبا أن تتبنى موقفًا سياساتيًا مستقلًا يتجاوز الأمريكيين. وينبغي أن يستتبع جوهر السياسة الأوروبية ما هو أكثر من إحداث تغييرات في مبادئ الاتحاد الأوروبي التوجيهية بشأن المشاركة في برنامج أفق 2020 الذي يستبعد المستوطنات، أو اشتراط وضع علامات على منتجات المستوطنات الإسرائيلية  مع السماح باستمرار التجارة فيها.

Israeli settlements at Amona in the West Bank
Desperation increasing among the Palestinians: ″America′s overwhelming support to Israel makes negotiations pointless, as Israel has little incentive to concede when it receives so much money, weapons and political support for its settlement project,″ write Bahour and Jiryis

وسوف يتوجب على السياسة الأوروبية أن تصيرَ أكثر حزمًا وفرضًا للعقوبات إذا ما أرادت أن تحمِلَ إسرائيلَ على تقديم تنازلات جادة من أجل السلام. فقد أظهرت دراسةٌ أجراها المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في تموز/يوليو 2015 أن ثمة فرصةً كبيرة لزيادة عزلة المشروع الاستيطاني الإسرائيلي بتوسيع نطاق التفريق القانوني بين إسرائيل والأراضي المحتلة في القانون الأوروبي بحيث يشمل إعادة النظر في "تكامل القطاعين الماليين الأوروبي والإسرائيلي، وصفة المؤسسة الخيرية التي تتمتع بها في الاتحاد الأوروبي المنظماتُ الداعمة للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وصلاحية الوثائق القانونية التي تصدرها السلطات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة داخل الاتحاد الأوروبي".

وإذا كان تأثير أوروبا في هذا الصراع لا يكاد يذكر، فذلك يرجع إلى اتكال أوروبا على قيادة مخطئة لفترة طويلة جدًا. وهذا الخطأ المأساوي التاريخي يكلَّف دافعي الضرائب الأوروبيين المليارات، ويُفضي إلى واقعٍ يناقض تمامًا ما أراده صانعو السياسة الأوروبيون. وبعد 23 عامًا، أسفر الاعتماد على "القيادة" الأمريكية إلى إنشاء بانتوستانات فلسطينية كثيرة تحيطها قوة احتلال عسكرية لا تزال تفرض احتلالها وتفلت من العقاب، ويمولها دافعو الضرائب الأوروبيون، إذا ما علمنا أن الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يتصدرون الآن قائمة الجهات المانحة للفلسطينيين. وما انفكت إسرائيل - المسرورة لأن طرفًا آخر مستعدٌ لدعم احتلالها العسكري ماليًا - تواصل التوسع في مشروعها الاستيطاني وتعززه، بدعم من قطاعات واسعة من عامة الأمريكيين.

تشترك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في هدفٍ يتمثل في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ضمن إطار حل الدولتين. غير أن الفشل المتكرر لجهود الوساطة الأمريكية، واستقالةَ مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة، يخلق واقعًا مضادًا يُملي بأنه لن يحل السلام - ولا حتى المضي نحو السلام - في المستقبل القريب، أو ربما حتى في حياتنا.

السياسة الأمريكية جزء من مشكلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

أمريكا تشدُّ على يد الاحتلال. وأوروبا تدعمه ماليًا عن غير قصد. وهذا المنطق المؤسف هو وصفٌ دقيق للواقع الراهن. ولأن الولايات المتحدة ما فتئت تدعو إلى عدم التدخل، وتقول إن "القرار بيد الطرفين،" لا يكاد يوجد دافع يحمل إسرائيل، صاحبة السلطة المطلقة، على التنازل، في حين يُترك الفلسطينيون ليأسهم بلا حولٍ ولا قوة، رغم أنهم من المفترض أن يكونوا "محميين" بموجب القانون الدولي.

في حين ينشغل المعلقون في الحديث عن عملية السلام الميتة، ويوزعون اللوم على هذا وذاك لفشلها، قلةٌ فقط يجرؤون على قول ما لا يخفى على أحد وهو أن أمريكا جزء من المشكلة، وليس الحل. فتعنت إسرائيل وانتهاكها الصارخ لحقوق الإنسان يزداد لإيمانها بأنها مهما فعلت، فإن الولايات المتحدة ستحميها دومًا من أي تأنيب جاد، في حين ينبع يأس الفلسطينيين من قناعتهم بأن دعم أمريكا الغامر لإسرائيل يجعل المفاوضات عقيمة، لأن إسرائيل لا تكاد تجد ما يحملها على التنازل حين يُغدَقُ عليها بالمال والسلاح والدعم السياسي كما هي الحال الآن.

U.S. Ambassador to the U.N. Samantha Power abstains from the UN vote on 23 December 2016 demanding Israel put a stop to settlement building
قالت مندوبة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة في آخر عهد أوباما، سامانثا باور ، إن قرار مجلس الأمن الداعي لوقف فوري للنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية "هو مِرآة للحقائق على الأرض" و"يتسق مع سياسة الولايات المتحدة" على امتداد عدد من الإدارات. واعتبرت أن قضية الاستيطان تقوض أمن إسرائيل و"القابلية الحقيقية لحل الدولتين". وطالب مجلس الأمن الدولي الجمعة إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة في قرار تبناه بعدما مررته الولايات المتحدة بامتناعها عن استخدام حق النقض (الفيتو). وكانت آخر مرة امتنعت فيها واشنطن عن استخدام الفيتو في مجلس الامن في 2009 لنص يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة.

ومن الأمثلة أن إدارة أوباما استخدمت في شباط/فبراير 2011 حق النقض لإجهاض قرار في الأمم المتحدة يعلن عدم قانونية المستوطنات الإسرائيلية رغم أن 130 دولة شاركت في تقديم القرار الذي حظي بدعم سائر أعضاء مجلس الأمن الأربعة عشر. وفي أيار/مايو من العام نفسه، وقفَ أعضاء الكونغرس الأمريكي لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو 29 مرة مصفقين بحرارة وهو ينبذُ على الملأ موقفَ الرئيس أوباما الذي يرى أن حدود 1967 يجب أن تكون أساس التسوية النهائية. وعلى النقيض، اتجه الأوروبيون نحو الاعتراف بدولة فلسطين. وقد صار اعتراف السويد والفاتيكان بفلسطين رسميًا الآن، في حين أن برلمانات المملكة المتحدة وآيرلندا وإسبانيا وفرنسا ولوكسمبورغ والبرلمان الأوروبي قد وافقت جميعها على الاعتراف بفلسطين.

وباختصار، تقدم الولايات المتحدة دعمًا قويًا لإسرائيل، بينما يحاول الاتحاد الأوروبي تنظيف الفوضى التي تخلفها التجاوزات الإسرائيلية والنفاق الأمريكي اللامحدود. اجتماع الاثنين هو فرصةٌ لدراسة ما يمكن أن يفعله الاتحاد الأوروبي لتغيير هذا الواقع.

لقد حان الوقت كي تشمِّر أوروبا عن ساعديها، وتمارس سياسة الأقوى، وتتولى التعامل مع المحتل، دون انتظار القيادة الأمريكية كي تحقق النتائج. وفي تجارب البوسنة وكوسوفو وتيمور الشرقية وجنوب أفريقيا عبرة إذ تقترح أن توليفةً مضبوطة من العقوبات والعزلة الدولية، وكملاذ أخير، القوة العسكرية سوف تُجبر المحتل أو نظام الفصل العنصري على تغيير سلوكه.

يجب على الاتحاد الأوروبي أن يرتقي إلى مستوى الحدث، وأن يُظهر للشعوب التي يمثلها أن الأموال والمصداقية الأوروبية أكثر أهمية من الانخراط في تمثيليات التجرد والحياد الأمريكية. فمن الواضح أن أمريكا لا تشعر بتأنيب الضمير لا أخلاقيًا ولا سياسيًا إزاء بقاء إسرائيل كقوة احتلال. وحالما تُقرّ أوروبا أخيرًا بهذا الواقع وتتصرف على أساسه، فإنها سوف تجد القوة والشرعية لاقتراح سياسات خاصة بها تتماشى مع أهدافها للجوار الأوروبي، ومعاييرها الأخلاقية، وقوانينها.

 

موسى جريس وَ سام بحور

حقوق النشر: الشبكة  

ar.Qantara.de

2017

 

موسى جريس: موسى جريس محلل سياسي فلسطيني من الجليل، حاصلٌ على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة ويستمينستر (بدرجة الاستحقاق)، واشتملت دراسته على منحة بحثية من منتدى برونو كرايسكي للحوار الدولي. وهو حاصل أيضًا على درجة البكالوريوس في الاقتصاد والتاريخ الاقتصادي من كلية لندن للاقتصاد. وهو كاتب مقترحات متمرس، وباحث، ومتخصص في الوثائق. تعددت وظائفه في حياته المهنية حيث عمل في جمع التبرعات من المانحين، وضمان جودة الوثائق، وتطوير الأعمال لمنظمات في فلسطين وإسرائيل والمملكة المتحدة.

سام بحور: محلل سياسي ورجل أعمال، متخصص في تطوير قطاع الاعمال وبالتحديد قطاع تكنولوجيا المعلومات ويدير شركة .Applied Information Management (AIM) وهو أيضاً رئيس مجلس إدارة منظمة أمريكيون من أجل اقتصاد فلسطيني نابض (AVPE). ساهم في إنشاء شركة الاتصالات الفلسطينية (PALTEL)  ومركز بلازا  (PLAZA)  للتسوق. شغل  سابقاً كأمين صندوق الجامعة في مجلس الامناء في جامعة بيرزيت، ويشغل حاليا مناصب في مجلس إدارة البنك العربي الإسلامي ومؤسسة Just Vision. شارك بحور في تحرير كتاب (HOMELAND: Oral History of Palestine and Palestinians)  يكتب باستمرار في الشأن الفلسطيني، وينشر أعماله  في الموقع الالكتروني  www.epalestine.com.