عائشة شينة: الإسلام في القلب والعالم في العقل

فازت السيدة المغربية عائشة شينة بجائزة اليزابيت نورغال تقديرا لشجاعتها الفائقة في الدفاع عن النساء ضد اللأحكام الإجتماعية القاسية، ولجهودها الإنسانية في تأسيس جمعية التضامن النسوي، التي ترعى النساء وأطفالهن غير الشرعيين. مارتينا صابرا قامت بزيارتها في الدار البيضاء.

عائشة شينة تكافح من أجل حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن، الصورة: مارتينا صبرا
عائشة شينة تكافح من أجل حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن

​​

يُعد الحمل بدون زواج في المغرب بمثابة فضيحة, ويعاقب في أقصى الحالات بالسجن, ولمساعدة الأمهات العازبات وأبنائهن أسست المساعدة الاجتماعية عائشة شينة منذ 20 سنة خلت منظمة العون الذاتي "التضامن النسائي", وفازت في فرانكفورت بجائزة اليزابيت نورغال* التي تقدر قيمتها المالية ب 5.500 يورو تقديرا لنضالها النسوي.

الحاجة العزيزة.. والملحدة

يسميها أصدقاؤها والعاملون معها بالحاجة العزيزة إثر أدائها لمناسك الحج, وينعتها دعاة الكراهية والحقد في مساجد المملكة بالملحدة, ويتهمونها عن باطل بنشر الدعارة والكفر, ولكن عائشة لا تغالط نفسها, وتعلق ذات ال 64 ربيعا عن إيمانها الداخلي الشخصي بهذه النقطة بقولها: أنا مسلمة قلبا وعالمية عقلا.

وتواصل الحاجة العزيزة كفاحها من أجل حقوق الأمهات العازبات وأطفالهن, كما هو الأمر منذ 20 سنة خلت رغم أنها تضع نفسها في خانة المحافظات, وتردف مبتسمة: لا أدري ما سيكون رد فعلي إذا حملت إحدى بناتي بدون زواج, ولكنني ضد الحيف, وبالخصوص تجاه الأطفال, وهذا لا يخص الرضع فقط, ولكن العديد من الأمهات عانين أيضا من سوء المعاملة في طفولتهن.

أقدار قاسية ويومية

يعاقب الجنس غير الشرعي في المغرب وهو مدعاة للازدراء الاجتماعي, وبالخصوص اتجاه النساء, وينعت بالحشومة, وهي تعبير عن الفضيحة تجاه العائلة والمجتمع, وهو ما تم التستر عليه لفترة طويلة, إذ غالبا ما يُمنح الأطفال غير الشرعيين مباشرة بعد ولادتهم للتبني, سواء رغبت الأمهات بذلك أو لم يرغبن.

ولما عملت عائشة شينة في بداية الثمانينات بالوزارة الاجتماعية, صادفتها هذه الأقدار يوميا, حتى جاء اليوم الذي بلغ فيه السيل الزبى، تقول:

جلست في مكتبي امرأة شابة, وأعطت ثديها للرضيع, وكانت في واقع الأمر ستوقع على وثيقة التبني, ولتقوم بالأمر نزعت حلمتها من فم الرضيع الذي بدأ مباشرة في الصراخ والبكاء, في هذه اللحظة رمقني بنظرة, فقد كنت للتو قد حصلت على طفل وراجعة من مركز حماية الأطفال, ولم تغفل عيني طوال الليل.ولم تنمحي هذه الحكاية من ذهني أبدا.

جمعية التضامن النسوي

وفكرت الممرضة ذات التجربة الكبيرة والمساعدة الاجتماعية بإمعان عن الكيفية التي ستساعد بها النساء المعنيات بالأمر, وكيف يحتفظن بأطفالهن.والأمر الجلي أن هاته النساء يجب عليهن العمل, لأن المساعدات الاجتماعية لم توجد ولن توجد لحد الآن في المغرب, ولأن أغلبية النساء العازبات يعملن خادمات في المنازل, ومنذ نعومة أظفارهن, يتبادر إلى أذهانهن أن يعملن في مطاعم بسيطة أو يفتتحن أكشاكا. وبدأ فكر عائشة شينة يراوح مكانه, وبحثت عن حل حكيم, وأسست في النهاية جمعية التضامن النسوي, وأنشأت المنظمة مطعمين في محطة للقطار والعديد من الأكشاك, التي ضمنت لقمة العيش للعشرات من النساء العازبات.

التوق للعدالة والحياة الكريمة

كان ذلك سنة 1985, والآن تعد جمعية التضامن النسوي من أشهر المشاريع النسائية في المغرب, وتعد عائشة شينة من النساء الأكثر شعبية في البلاد, وتعد تجسيدا للأمومة الحقة, ولكن عائشة ليست بالملاك الساهر, وما تمارسه ليس سوى انعكاس لأفكارها الليبرالية وحدسها التواق للعدالة: لماذا يجب معاقبة النساء, لأنهن حصلن على طفل, أيختلف الأطفال الشرعيون عن سواهم, كل طفل لديه الحق في أن يعيش في كرامة إنسانية, وكل أم لديها الحق في أن تربي طفلها بنفسها.

ولإيمانها العميق بهذا المبدأ عملت عائشة شينة بكل حماس في الأعوام الأخيرة على بناء جسور جمعية التضامن النسوي, وعلى توسيع أنشطتها. ومن ضمنها بناء مركز الاستماع, الذي يفتح أبوابه لجميع الأمهات العازبات.

حمام مغربي على طراز حديث

ويوفر المركز بشكل عام العمل لأكثر من 40 أما شابة, وفي هذا الإطار شيدت البناية الجديدة لحمام نسائي, ويلوح في الأفق بناء على أعلى طراز عصري وعلى شكل صندوق مربع, بلونه الأبيض الأزرق اللطيف ونوافذه الدائرية كسفينة ضخمة, وعائشة شينة كالقبطان وعلقت في جولة قائلة:

نريد أن نشيد حماما مغربيا أصيلا مع كل ما تنتظره النساء المغربيات, ولكن يجب أن يكون عصريا أيضا, مضاء وضخم, مع خدمات إضافية, كالتدليك الطبي, وصالون للتجميل وغرفة اللياقة البدنية, لكي يجلب الزبونات الثريات من جميع أنحاء العالم وأيضا سائحات من الخارج.وتقودنا إلى الطابق العلوي مضيفة: المشروع ليس تجاريا صرفا, ولكنه اجتماعي, هنا ستتم رعاية رضع الأمهات بأنفسهن في مشروع حضانتهن.

دعم ملكي للجمعية

ويعتبر الحمام المزخرف لعائشة شينة تتويجا دائما ومعلما لحياتها وقد مول بمساعدة خدمة السلم المسيحية وقد قامت بتدشينه سنة 2004 زوجة العاهل المغربي الأميرة للا سلمى شخصيا, وموازاة مع الاهتمام المتزايد لوسائل الإعلام في الداخل والخارج ومؤخرا الدعم الملكي السامي لجمعية التضامن النسوي يسهو المرء بسرعة عما يتطلب الأمر من شجاعة وقوة لكي تضمن الحقوق الأساسية للأمهات العازبات ولأطفالهن, ولم يعد الجنس الغير شرعي يعاقب عليه على أي حال في إصلاح مدونة الأسرة الأخير بداية عام 2004, وشُرع في الأخير في إجراء الاختبارات لمعرفة الأب الحقيقي, وتم تحسين الوضعية القانونية للأطفال غير الشرعيين.

مجتمع ذكوري... فصامي

ولكن لا يزال المجتمع المغربي ينظر باحتقار للأم العازبة كما كان الأمر من قبل, بينما يغض الطرف عن الآباء, في بعض الأحيان تختنق شينة من تحريمات مجتمعها وأخلاقياته الفصامية, وتلوذ لبعض الأيام الى مدينتها مراكش, لكي تسترجع توازنها النفسي, ولتجدد طاقتها, وتقول: عندما أرى أما تفرح بطفل أو عندما يلقاني شخص ما في الشارع ويقول: عائشة, لقد شاهدناك أمس في التلفاز, ونحن نساندك من خالص القلب, فإن هذا يمنحني الشجاعة.

بقلم مارتينا صابرا

حقوق الطبع قنطرة 2005

-صدر لعائشة شينة بالفرنسية كتاب "Miséria" عن دار Le Fennec بالدار البيضاء

تُمنح جائزة "إليزابيت نورغال سنويا في مارس بقيمة 5500 يورو لامرأة تخصص جهدها لمشاكل وحاجات النساء والأطفال. ومنذ عام 1987 يمنح "النادي الدولي للنساء في فرانكفورت" الجائزة بالتناوب لإمرأة ألمانية وأخرى أجنبية.

قنطرة
خطوة ملكية جريئة
مدونة الأسرة الجديدة في المغرب
هناك إجماع شبه كامل بين القوى الاجتماعية والسياسية المختلفة في البلاد على أن الإصلاحات القانونية التي تخص حقوق المرأة المغربية ضرورية وتدعم دمقرطة المغرب. تحليل الصحفية مارتينا صبرا.