ماذا لو قالت ميركل: "لن أدع عيون الأطفال الباكية تبتزني"؟

"سننجح في ذلك" - لقد تحولت هذه العبارة، التي قالتها المستشارة أنغيلا ميركل مع بدء تدفق موجات اللاجئين، إلى تصريح تاريخي. غير أن تطبيقها على أرض الواقع يُمثِّل أكبر المهمات في القرن الحادي والعشرين. مهمة القرن الحادي والعشرين هي منح المنتَزعين من وطنهم وطناً جديداً، مثلما يرى الصحفي الألماني المرموق هيربرت برانتل في رؤيته التالية.

الكاتبة ، الكاتب: Heribert Prantl

كان بإمكانها أن تقول شيئًا آخر. كان بإمكانها أن تقول: "لا يمكنني أن أدع عيون الأطفال الباكية تبتزني". هذا ما قالته وزيرة الداخلية النمساوية يوهانا ميكل-لايتنر؛ وكذلك كان هناك مسؤولون في جهاز أمن الدولة الألماني، تحدَّثوا بهذه الطريقة وبمثل هذه العبارات أشادوا بالقسوة كمسؤولية أخلاقية، وقالوا: يجب على ألمانيا أن تكون قدوة يُحتذى بها. فالوحشية المحدَّدة بمقدار ملائم تعتبر بحسب تعبيرهم أفضل من سياسة الترحيب غير المحدودة.  

إذًا هل كان يجب على أنغيلا ميركل أن تغلق القلب والحدود قبل عام؟ وهل كان يتعيَّن عليها بالتالي أن تأمر الشرطة الألمانية الاتِّحادية بالوقوف في وجه اللاجئين، وأن تُحدِّد الخطوط العريضة للسياسة الألمانية -إذا اقتضى الأمر- باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات وخراطيم المياه؟ وهل كان يجب على المستشارة أن توقف اللاجئين بالقوة، وأن تأخذ على عاتقها سقوط قتلى وجرحى؟ وحتى من الأطفال اللاجئين - ليس على الشواطئ التركية في بودروم، بل عند الحدود الألمانية في مدينة باساو؟

وهل كان يجب عليها بعد ذلك أن تدلي بتصريح على شاشة التلفزيون مع نائبها زيغمار غابرييل ووزير الداخلية الاتِّحادي توماس دي ميزيير، من أجل الترويج بكلِّ حزم وإصرار لهذا النهج المتشدِّد، وأن تقول:

"أيها المواطنون، صحيح أنَّ هذه الصور ليست جميلة، وأنَّها تؤلمنا. ولكننا لا نستطيع استقبال بؤس العالم؛ فهو كبير جدًا. لقد كان بلدنا كريمًا لفترة طويلة، غير أنَّ هذا يتجاوز حدود تحمُّلنا. ولهذا السبب نحن نريد الآن إغلاق الحدود وحمايتها. والوسائل التي سنضطر إلى استخدامها في ذلك، لا تعجبنا. ولكن مع الأسف لا توجد وسائل أخرى. يجب علينا أن نتحمَّل سويةً هذه الأزمة وهذه الصور، من أجل المحافظة على الاستقرار والنظام في أوروبا. وألمانيا شكَّلت مع كلّ من النمسا وهنغاريا ودول أخرى على طريق البلقان محور العقل العامل، الذي سيهتم بتهدئة الوضع عند حدودنا. سنطلب من الأمم المتَّحدة أن تُكثِّف عنايتها أكثر باللاجئين، وسوف نزيد بشكل ملحوظ الموارد المالية المقدَّمة إلى وكالة الأمم المتَّحدة لغوث اللاجئين".

"أهلاً باللاجئين"...جواب واضح وصريح ضد "اِرحلوا أيها الأجانب". ثقافة الترحيب في ألمانيا في مواجهة ثقافة كراهية الآخر. Foto: dpa/picture-alliance
Neu ist der Ausruf „Refugees welcome“ nicht: Er entstand in den 1990er Jahren als politischer Slogan von Flüchtlingsinitiativen in unterschiedlichen Ländern. Richtig bekannt wurde er aber erst 2015, als er zum Aushängeschild einer gelebten Willkommenskultur wurde und sich auf Aufklebern, Flyern, T-Shirts und als Profilbild in den Sozialen Medien wiederfand.

لو تم اتِّباع مثل هذه السياسة في ألمانيا والإدلاء بمثل هذا التصريح -  لكانت ألمانيا اليوم بلدًا آخر، لكانت هنغاريةً: ولاختفت المادة الأولى من دستورها الألماني بداعي الخجل، ولتمَّ تشكيل لجان تحقيق لمعرفة ما الذي حلَّ بهذه المادة، ولما كانت لدى ميركل اليوم -هذا إِنْ ظلت مستشارة لألمانيا باتباعها مثل هذه السياسة- أية مشكلات مع حزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي؛ وذلك لأنَّها سوف تُمثِّل شخصيًا باتِّباعها مثل هذه السياسة حزب البديل من أجل ألمانيا. وستكون الانتخابات التي تم إجراؤها يوم الأحد في ولاية مكلنبورغ-فوربومرن انتخابات محلية عادية جدًا، ولن يهتم بها أي شخص تقريبًا.

بيد أنَّ الوضع الآن مختلف تمام الاختلاف: فصحيح أنَّ في ولاية مكلنبورغ-فوربومرن يوجد مليون وثلاثمائة ألف ناخب، وهذا يعادل تقريبًا عدد الناخبين في هامبورغ، ولكن مكلنبورغ-فوربومرن هي دائرة ميركل الانتخابية. ولذلك فإنَّ لهذه الانتخابات قوة رمزية بعد عام واحد من عبارة "سننجح في ذلك"، وبعد عام واحد من استقبال اللاجئين، الذين عوملوا معاملة سيئة من قبل الهنغاريين، وعلى الرغم من أنَّ المستشارة لم تكن تحصل هناك على نتائج جيِّدة حتى في الفترات الأقل اضطرابًا بالنسبة لها.

جملة قصيرة كانت ردًا على شتائم غوغائية في ولاية سكسونيا

"سننجح في ذلك" - لقد تم الآن طيلة عام كامل تقليب حروف هذه الجملة (في اللغة الألمانية) الأربعة عشر حرفًا، وتمحيصها وهزها، وتم كذلك مدحُها وذمُّها. فهل كانت هذه ببساطة جملة لتشجيع الدولة والمجتمع وأوروبا؟ أم كانت دعوة للاجئين؟ أم أنَّها كانت وعدًا، أو حتى بشير خير؟

هذه الجملة القصيرة كانت ردًا على شتائم غوغائية ضدَّ المستشارة في مدينة هايديناو التابعة لولاية سكسونيا. وكانت ردًا على صدمة تسبب بها في السابع والعشرين من آب/أغسطس 2015 العثور عند الطريق السريع النمساوي A4 في بلدة بوتسنويزيدل على شاحنة مليئة بجثث لاجئين. وكانت ردًا على الموت الجماعي في البحر الأبيض المتوسط.

سننجح في ذلك - عبارة كانت بمثابة نداء مُوجَّه إلى الإنسانية. هذه الجملة كانت تعبيرًا عن موقف داخلي لائق، لم يكن برنامجًا بعد ولم يؤدِّ فترة طويلة إلى أي برنامج؛ وذلك أيضًا لأنَّ سياسة الترحيب والاندماج قد تعرَّضت للتخريب داخل كتلة ميركل البرلمانية نفسها.

أحيانًا يمكن أن يكون لدينا انطباع بأنَّ قسمًا من البيروقراطية السياسية قد تقبَل بالفوضى من أجل تشويه سياسة الترحيب الخاصة بميركل والتحضير لسياسة ردع جديدة؛ تم تنفيذها تشريعيًا في الأشهر الأخيرة تحت ستار "سننجح في ذلك". إذ إنَّ قانون اللاجئين لم يكن متشدِّدًا لهذه الدرجة قطّ في تاريخ جمهورية ألماني الاتِّحادية مثلما غدت الحال اليوم.

Jurist und Journalist Heribert Prantl; Foto: imago/Müller-Stauffenberg
Wir schaffen das: Es war ein Appell an die Menschlichkeit. Der Satz war Ausdruck einer anständigen inneren Haltung, die noch kein Programm war und lange zu keinem Programm führte; auch deswegen nicht, weil die Aufnahme- und Integrationspolitik in Merkels eigener Fraktion sabotiert wurde, schreibt Prantl.

"سننجح في ذلك": بهذه الجملة صنعت أنغيلا ميركل القليل جدًا من السياسة. ولكن هذه الجملة تحوَّلت مؤقتًا إلى بارقة أمل بالنسبة لمئات الآلاف من اللاجئين المفعمين بالأمل؛ وهذا خلق مشكلات جديدة. لكن على الرغم من ذلك فإنَّ ميركل أصرَّت على جملتها هذه، ولم تدع نتائج استطلاعات الرأي السيئة تثنيها عن عزيمتها. وهذا موقف - عادة ما يطالب به ناقدو ميركل السياسيين.

وبالتأكيد هذا الموقف لا يعوِّض السياسة الجيِّدة. غير أنَّه شرط لسياسة جيِّدة. وفي لعبة مدِّ وجزر الأمزجة، وبالتناوب بين مشاهد الترحيب في محطة قطارات ميونيخ الرئيسية في شهر أيلول/سبتمبر 2015 وبين مشاهد الاستنكار في محطة قطارات كولونيا الرئيسية ليلة رأس السنة الميلادية، لا يمكن صنع سياسة يُعتمد عليها في الأوقات العادية.

الحاجة إلى توحيد الصف والتضامن لمنح الناس وطناً

وبعد عام من جملة ميركل المكوَّنة من أربعة عشر حرفًا  (في اللغة الألمانية) أصبح المجتمع ممزَّقًا، وصار يعاني جزئيًا من خوف شديد. ولذلك أصبحت تقتضي الضرورة الآن اتِّباع سياسة من كلمتين: "لا تخافوا".  وهذا يسير فقط على أساس ثقافة رائدة، تقوم على أساس القيم الدستورية. وهذا لا يعمل إلاَّ عندما يشعر الناس أنَّهم يعيشون محميين في وطنهم. وعندئذ ستكون لديهم القوة لتقديم الحماية بأنفسهم.

هناك عشرة في المائة من المواطنين الألمان يعملون كمتطوِّعين من أجل اللاجئين. وهذا أمر غير مألوف؛ ومدهش. غير أنَّه لا يحظى سوى بقدر قليل جدًا من الاهتمام في الحياة السياسية؛ فهي تركِّز على حزب البديل من أجل ألمانيا وحركة بيغيدا.

وجملة ميركل هذه تحوَّلت إلى كلمة تاريخية، نأمل أنَّها لا تزال في بداية طريق المحاولة لمنح الناس المنتَزعين من وطنهم وطناً من جديد. وهذا يحتاج إلى توحيد الصفوف والتضامن. وهذه مهمة القرن الحادي والعشرين. غير أنَّ هذا لن يسير دائمًا بالشكل الذي يرغبه المرء في أفضل حال. وهذا ما تبيِّنه الصفقة مع تركيا. وعلى الرغم من ذلك فإنَّ جملة ميركل "سننجح في ذلك" تبقى أفضل من أن نقول: "نحن الألمان نخشى الله، ولا نخشى أي شيء سواه في العالم". فجملة ميركل هذه توازي جملة المستشار الألماني الأسبق فيلي براندت، المكوَّنة من بضعة كلمات، قال فيها: "فَلْنَتَجَرَّأْ على المزيد من الديمقراطية". وهي تمثِّل كلمة ومهمة.

 

هيربرت برانتل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: زود دويتشه تسايتونغ/ موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de