لماذا لا يضخ السعوديون مزيدا من النفط؟

منشأة تابعة لشركة آرامكو السعودية.
منشأة تابعة لشركة آرامكو السعودية.

مثلما رفضت السعودية طلب بايدن زيادة إنتاج النفط في نوفمبر 2021 فمن المرجح أن ترفضه أيضا أثناء حرب أوكرانيا إلا إذا كان ذلك من مصلحة السعودية. تحليل برنارد هيكل.

الكاتبة ، الكاتب: Bernhard Haykel

بلغت العلاقات بين أميركا والمملكة العربية السعودية مستوى متدنيا جديدا. ففي أعقاب القرار الذي اتخذته بفرض الحظر على الواردات من النفط الروسي -وهذا جزء من مجموعة شاملة من العقوبات الاقتصادية المفروضة على روسيا ردا على غزوها أوكرانيا- تأمل الولايات المتحدة أن تعزز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الإنتاج لكبح جماح أسعار النفط التي ارتفعت إلى عنان السماء. لكن كما أوردت التقارير فإن القادة السعوديين والإماراتيين كانوا يرفضون الرد على مكالمات الرئيس الأميركي جو بايدن.

يبحث بايدن أيضا في مكان آخر. فبحسب ما ورد، قام وفد أميركي بزيارة فنزويلا -التي قطعت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية معها في عام 2019- لمناقشة إمكانية رفع العقوبات النفطية المفروضة عليها. لكن لا فنزويلا ولا إيران تستطيع التعويض حقا عن خسارة ما يقرب من 2.5 مليون برميل يوميا من الخام الروسي، خاصة وأن حقول النفط وشركات النفط الوطنية المتهالكة في البلدين تحتاج إلى إعادة تنشيط قبل أن يصبح بوسعها زيادة إنتاجها -وهي العملية التي قد تستغرق عدة أشهر- إن لم يكن سنوات.

في الوقت الحالي، تُـعَـد المملكة العربية السعودية التي تقود الاتحاد الاحتكاري لمنتجي النفط "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك) والإمارات العربية المتحدة الدولتين الوحيدتين المنتجتين للنفط اللتين تتمتعان بكميات كبيرة من الطاقة الفائضة. وهما فقط اللتان تمتلكان القدرة على تثبيت استقرار السوق، وبالتالي منع الأسعار من الوصول إلى -أو حتى تجاوز- 150 دولارا للبرميل. وهذا يضع بايدن في مأزق.

 

الملك السعودي سلمان والرئيس الأمريكي بايدن. Photomontage of U.S. President Joe Biden (left), February 25, 2021, (photo: REUTERS/Jonathan Ernst) and Saudi Arabia's King Salman bin Abdulaziz (right), on 31 March 2019 (photo by Fethi Belaid/POOL/AFP via Getty Images)
ليس مجرد ضغينة ضد بايدن: عزوف المملكة العربية السعودية عن تلبية طلب أميركا بزيادة إنتاج النفط لا يعكس مجرد ضغينة ضد بايدن. كانت العلاقات الأميركية السعودية تتخذ مسارا منحدرا قبل فترة طويلة من تولي بايدن الرئاسة. بدأت العلاقة تتدهور بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ثم جاء الغزو الأميركي الـمُـفـجِـع للعراق في عام 2003، الذي عارضته المملكة، والذي زاد الأمور سوءا على سوء. وتسارع التدهور … . وفي عام 2021، أمر بايدن بالإفراج عن تقرير استخباراتي يورط بشكل مباشر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول.

 

لم تكن إدارة بايدن على علاقة طيبة قَـط مع القيادات السعودية. في العام الفائت 2021، أمر بايدن بالإفراج عن تقرير استخباراتي يورط بشكل مباشر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مقتل الصحافي السعودي المعارض جمال خاشقجي في قنصلية المملكة في إسطنبول. ورغم أن بايدن لم يعاقب محمد بن سلمان بشكل مباشر -وهو القرار الذي أثار قدرا كبيرا من الانتقادات في الداخل- فإن إصدار التقرير، ووصف بايدن المملكة العربية السعودية بأنها دولة "منبوذة" وأنها "دولة بلا قيمة اجتماعية تعويضية" لم يستقبل بالترحاب من قِـبَـل السعوديين بطبيعة الحال. من خلال انتقاد سجل حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، بدت الولايات المتحدة وكأنها تحاول الإدلاء برأيها في الخلافة الملكية، وبالتالي تنتهك سيادة المملكة.

ليس مجرد ضغينة ضد بايدن

لكن عزوف المملكة العربية السعودية عن تلبية طلب أميركا بزيادة إنتاج النفط لا يعكس مجرد ضغينة ضد بايدن. كانت العلاقات الأميركية السعودية تتخذ مسارا منحدرا قبل فترة طويلة من تولي بايدن الرئاسة. بدأت العلاقة تتدهور بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، ثم جاء الغزو الأميركي الـمُـفـجِـع للعراق في عام 2003، الذي عارضته المملكة، والذي زاد الأمور سوءا على سوء.

تسارع التدهور أثناء رئاسة باراك أوباما، وخاصة بسبب سياسة "التحول باتجاه آسيا" التي انتهجتها إدارته، والتي اعتبرها حلفاء أميركا في الشرق الأوسط خذلاناً لهم. ومع سعي أميركا فضلا عن ذلك إلى إبرام اتفاق نووي مع إيران -وهو ما توصلت إليه في عام 2015- أصبح السعوديون يعتقدون أن الولايات المتحدة ترفض تحالفهم الاستراتيجي القائم منذ أمد بعيد.

وبينما حافظ خليفة أوباما، دونالد ترمب، على علاقات شخصية طيبة مع محمد بن سلمان، استمرت العلاقات الثنائية في التدهور تحت قيادته أيضا. فلم تكتفِ الولايات المتحدة بالامتناع عن الدفاع عن المملكة العربية السعودية ضد هجمات إيران في عام 2019 على منشآتها النفطية المركزية، والتي أوقفت مؤقتا 50% من إنتاج المملكة؛ بل إنها لم تعاقب إيران. علاوة على ذلك، دأب ترمب على توجيه الإهانات إلى المملكة بأنها عاجزة عن الدفاع عن نفسها عسكريا واصفا إياها بأنها بقرة تدر النقود لتمويل صناعة الأسلحة في أميركا.

طوال فترة رئاسة ترمب، كانت المملكة العربية السعودية حريصة على تعميق علاقتها مع روسيا. بدأت هذه العملية في نهاية عام 2016، قبل تنصيب ترمب مباشرة، مع توصل منظمة أوبك وروسيا إلى اتفاق يقضي بخفض إنتاج النفط. وواصلت المملكة العربية السعودية وروسيا التنسيق بشأن حصص الإنتاج من خلال اتفاق أوبك + لمدة ثلاث سنوات.

لكن في مارس/آذار 2020، مع تسبب جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19) في خفض الطلب العالمي على النفط بشدة، طالبت أوبك + بتخفيضات كبيرة في الإنتاج، ورفضت روسيا. وعلى هذا فقد أغرقت المملكة العربية السعودية السوق، مما أجبر روسيا في نهاية المطاف على العودة إلى اتفاق أوبك +. (تشكل سياسة أوبك + المتمثلة في زيادة الإنتاج بمقدار 400 ألف برميل يوميا استمرارا لهذا الاتفاق).

إلى جانب تنسيق أهداف إنتاج النفط، تنطوي العلاقات السعودية الروسية الآن على ترتيبات مالية وسياسية. من منظور المملكة العربية السعودية، تعتبر روسيا موردا محتملا للأسلحة والدولة الكبرى الوحيدة القادرة على ممارسة الضغوط على إيران. الواقع أن روسيا حولت فعليا المفاوضات بشأن التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران إلى رهينة لجهود الكرملين الرامية إلى اكتساب تخفيف العقوبات المفروضة على روسيا.

وسيلة تحوُّط سعودية ضد العلاقات المتدهورة مع الولايات المتحدة

الحق أن روسيا ليست الدولة الوحيدة التي تأمل المملكة العربية السعودية في أن تعمل كوسيلة تحوط ضد العلاقات المتدهورة مع الولايات المتحدة. فقد أقامت المملكة أيضا علاقات أوثق مع فرنسا والمملكة المتحدة، وخاصة من خلال زيادة مشترياتها من الأسلحة. كما تسعى المملكة العربية السعودية إلى إقامة مشاريع مشتركة مع الصين ودول أخرى لإنتاج بعض أنظمة الأسلحة محليا.

في الوقت ذاته، أقامت الولايات المتحدة الحواجز أمام بيع المعدات العسكرية للمملكة العربية السعودية (والإمارات العربية المتحدة)، بينما ترفض تقديم الدعم الاستخباراتي واللوجستي في اليمن، حيث تحاول المملكة وحلفاؤها منع الحوثيين المدعومين من إيران من السيطرة على البلد. من المؤكد أن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ارتكبتا نصيبهما من العنف. ولكن يبدو أن إدارة بايدن لا تقدِّر خطورة التهديد الاستراتيجي الذي قد يفرضه على دول الخليج استيلاءُ الحوثيين على اليمن.

 

 تغريدة الرئيس الأمريكي بايدن حول العقوبات الأمريكية على روسيا. Biden Tweet zu Russland Ukraine Quelle Twitter
تأمل الولايات المتحدة أن تعزز المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الإنتاج لكبح جماح أسعار النفط التي ارتفعت إلى عنان السماء: لكن كما أوردت التقارير فإن القادة السعوديين والإماراتيين كانوا يرفضون الرد على مكالمات الرئيس الأميركي جو بايدن. وكان أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن حظرًا على "جميع واردات النفط والغاز من روسيا" في أقسى إجراء اتّخذته إدارته حتى الآن لمعاقبة موسكو على غزوها أوكرانيا: وأعلن بايدن في خطاب في البيت الأبيض الثلاثاء (الثامنة من مارس/آذار 2022) "حظر جميع واردات النفط والغاز الروسية" بسبب عزو روسيا لأوكرانيا. ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن بايدن قوله اليوم "الولايات المتحدة تستهدف الشريان الرئيسي للاقتصاد الروسي.. لن نشارك في دعم حرب بوتين". وذكر بايدن أن الحرب في أوكرانيا ستسبب ارتفاعا إضافيا في أسعار البنزين ، لكنه حذر صناعة النفط والغاز من زيادات مفرطة وتفوق الحد في الأسعار.

 

لم يكن أي من هذا كافيا لجعل المملكة العربية السعودية أكثر قبولا للمناشدات الأميركية. لذا، فمثلما رفضت المملكة تلبية طلب إدارة بايدن بزيادة إنتاج النفط في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2021 -وهي محاولة واضحة لخفض الأسعار وبالتالي تحسين فرص الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي هذا العام 2022- فمن المرجح أن ترفض طلب بايدن اليوم.

عندما يزيد السعوديون الإنتاج، فلن يكون هذا إلا لأنه يصب في مصلحتهم الخاصة. ولن يجازفوا بعزل روسيا من خلال الانحياز إلى جانب أميركا. لكنهم لن يخاطروا أيضا بمستقبلهم الاقتصادي. لقد استوعب قادة المملكة العربية السعودية دورس السبعينيات، عندما أفضى ارتفاع أسعار النفط إلى انخفاض الطلب عليه. الواقع أن آخر ما يريدون هو تحفيز الولايات المتحدة وحلفائها على التعجيل بتبني مصادر الطاقة المتجددة. السؤال الوحيد هو السعر الذي سيكون لديهم عنده الدافع للتحرك.

 

برنارد هيكل

ترجمة: مايسة كامل

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2022

 

ar.Qantara.de

 

برنارد هيكل هو أستاذ في "دراسات الشرق الأدنى" ومدير "معهد الدراسات عبر الإقليمية للشرق الأوسط المعاصر وشمال إفريقيا وآسيا الوسط" في جامعة برينستون.