في يوم اللغة العربية....كيف نعبّر عن عشقنا للغة العربية؟

لا أحد يعشق لغته كما يفعل العرب! لكنّ هذا العشق لا تصاحبه دوماَ، للأسف، ممارسة كافية للتعبير عنه. كيف نعبّر عن عشقنا هذا؟ الإجابة سهلة، إنها فقط تكمن في «أن نتكلم»، كما يرى زياد الدريس، رئيس الخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية المشرف على الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية – اليونسكو.

الكاتبة ، الكاتب: زياد الدريس

أن نتكلم لغتنا العربية باعتزاز ومن دون استصغار للغتنا وذواتنا وهويتنا، هذا هو أكبر عمل وأقوى فعل يمكن أن نقوم به لخدمة اللغة العربية. ما سوى ذلك من أعمال وأقوال وجهود وبحوث، هي كلها خدمات مكمّلة للفعل الأساسي الذي هو أن « نتكلم».

المديح والإطراء الخطابي للغتنا العربية، لا يجدي كثيراً لا في اكتساب المزيد من الناطقين بغيرها ولا في استرجاع المارقين منها. وقد تكون آثاره عكسية خصوصاََ عندما يتم بناء زخارف المديح للغتنا على ركام النيل من اللغات الأخرى واستصغارها.

المدخل الحقيقي والفعال لرفع مكانة اللغة العربية هو ليس في كثرة مديحها... بل في كثرة استخدامها.

صورة رمزية يوم اللغة العربية العالمي
ما الذي يجعل العالم العربي متماسكاً إذن؟ لم يعد هناك الكثير. إن دول المنطقة تسير في طرق مختلفة سياسياً واقتصادياً ودينياً وثقافياً. ولكن إذا كانت الثورة التي تفجرت في تونس قد استطاعت أن تنقل شرارتها بهذه السرعة إلى البلدان الأخرى، فإن السبب الرئيسي لذلك يرجع إلى أن الناس في المنطقة تشعر بارتباط تلقائي فيما بينها. قد يختلفون حول القيم وأنماط الحياة، غير أنهم يفعلون ذلك باللغة العربية. إنها اللغة العربية - هي التي تتخطى كل حدود عالمهم العربي وتؤدي إلى تماسكه، وهي التي تساهم في هز أعماقهم، مثلما يحدث في الثورات الحالية، وهي التي في النهاية - وهذا هو المأمول - سوف تدفعهم إلى الأمام.

***

اللغة والهوية توأم، واللغات هي مسار أساسي وفذ لتفكيك الهويات المتوترة، التي وصفها أمين معلوف بالهويات القاتلة. لا شك أن كثيراً من الفروقات بين الهويات البناءة والهويات الهدامة يكمن في اللغة... اللغة المفخخة!

هناك طرق كثيرة للتعبير عن الانتماء والهوية، من أهم هذه الطرق: اللغة.

وهناك سبل كثيرة للإفصاح عن المشاعر والشعائر، من أهم هذه السبل: اللغة.

وهناك معايير كثيرة لقياس صعود وهبوط الحضارات، وبروز وأفول الثقافات، من هذه المعايير: اللغة.

ولذا أصدر الباحث نيكولاس أوستلر كتابه التاريخي: «امبراطوريات الكلمة: تاريخ اللغة في العالم»، يسرد فيه تاريخ العالم وإمبراطورياته، ليس من خلال مساحة الوطن أو اقتصاد الدولة أو تعداد الشعب، بل من خلال ازدهار اللغة وانحسارها، من عصر إلى آخر.

والذين كانوا أو ما زالوا يؤمنون بأن «اللغة» مجرد وسيلة للتواصل المحكي والمقروء بين الشعوب، أصبح رأيهم الآن مهدداً بالتهميش أكثر من ذي قبل، إذ يكتشف الأنثروبولوجيون والدارسون لتاريخ الإنسان أن اللغة لم تكن سوى المعبر الأول دائمة بين حضارة سابقة وحضارة لاحقة.

المزيد من مقالات موقع قنطرة 

 

اللغة العربية في المركز الرابع عالميا كلغة أم وثاني أكثر لغة انتشارا في العالم

قراءة في كتاب "كافكا" لعاطف بطرس: كاتب يهودي من منظور عربي

اليهود العرب والأدب العربي: اللغة والشعر والهويّة المتفرّدة

عندما يرسم طه حسين أفق الحداثة في الثقافة العربية

تسجيل نادر لمحاضرة طه حسين ألقاها في تونس سنة 1957عن ثقافة المدينة في صدر الإسلام

***

 

 

واللغة قد تموت... عندما يصيبها الهزال والضعف، إما بسبب عدم تغذيتها أو بسبب تركها مقعدة وخاملة في مكان مغلق، لا تخرج إلى الهواء الطلق وتخالط الناس وتتفاعل مع جوانب الحياة، فتموت مهملة كما تموت العجائز في دور المسنين!

إذا اتفقنا على هذا التصور بالكينونة الحيوية للغة، فيمكننا القول بأن اللغات تنقرض أيضاً مثلما تنقرض الحيوانات.

لماذا تنقرض الحيوانات؟ إما لعجز وضعف فيها عن مواصلة الحياة بكفاءة، أو لعكس ذلك تماماً وهو تعاظم سيطرتها ونفوذها على الأرض بما يهدد استمرار أو نشوء كائنات أخرى أصغر وأضعف.

هل تنقرض اللغات أيضاً لنفس العلة، أو العلتين بالأصح؟!

العلة الأولى مؤكدة، فاللغة عندما تعجز أو تضعف، لعجز أهلها أو فنائهم، فإنها تفنى بالمثل. أما العلة الأخرى فهي مدار تأمل ونظر !

دعونا نتساءل: هل مازالت البشرية تلد لغات جديدة؟ وهل يمكن ولادة لغات جديدة من دون السماح بانقراض لغات قديمة؟!

لو لم تنقرض اللغات السامية الكبرى كالكنعانية والآرامية هل كانت ستبقى وتعيش اللغات العربية، والعبرية (التي كادت تكون من اللغات المنقرضة لولا إحيائها في أواخر القرن التاسع عشر ثم ازدهارها فقط مع اختلاق دولة إسرائيل). ولو لم تنقرض اللغة اللاتينية التي كانت مهيمنة على كثير من أراضي أوروبا، هل كانت ستولد وتترعرع اللغات الفرنسية والاسبانية والإيطالية المتداولة الآن؟

هل تعاظمت وهيمنت اللاتينية مثلما هيمن الديناصور، ثم انقرضت مثلما انقرض الديناصور؟

وهل ستصبح اللغة الإنكليزية من خلال هيمنتها على العالم الآن هي الديناصور القادم ... بتعاظمه ثم انقراضه؟!

لكن اللغة العربية كانت قد «تدنصرت» في قرون مضت على رقعة واسعة وممتدة من العالم، حتى ما قبل سقوط الأندلس، فلماذا لم تنقرض العربية مثلما انقرضت اللاتينية والهيروغليفية والسومرية وغيرها؟!

حسناً لن تنقرض اللغة العربية لأن الله عزوجل قد ضمن حفظها بحفظ القرآن الكريم. لكن هذا الوعد الرباني لا يشمل ضمانة عدم تهميش اللغة العربية إذا أهملها أهلها العرب من المسلمين وغير المسلمين .

كيف نحفظ لغتنا العربية من التهميش؟

بشيء واحد فقط، أكرره مرة أخرى وأختتم به كلمتي، هو بكل بساطة: أن نتكلمها، ونتباهى بذلك، لا أن نتباهى بالحديث بغيرها.

 

زياد الدريس

* رئيس الخطة الدولية لتنمية الثقافة العربية المشرف على الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية - اليونسكو

حقوق النشر: الحياة اللندنية 2013

 

 

 

++++++++++++++++++++++++++++++++++++++

اقرأ/ي أيضًا

موضوعات متعلقة من موقع قنطرة

في يوم اللغة العربية....كيف نعبّر عن عشقنا للغة العربية؟

الثورات العربية أسهمت في توحيد لهجات لغة الضاد

الترجمة الأدبية من العربية- رؤية جديدة وشهرة متزايدة

اليهود في الأدب العربي: اللغة والشعر والهويّة المتفرّدة

المترجم الألماني هارتموت فندريش: لو استزاد الغرب من آداب العرب لما فوجئ بأخبار صراعاتهم

رواية «فرانكنشتاين في بغداد» الفائزة لجائزة البوكر 2014: وحش بغداد المخلوق من أعضاء الأبرياء وأجسادهم!

الكاتبة العراقية هدية حسين: الإبداع لا يعيش تحت مظلة الخوف وإنما في فضاء الحرية الواسع

ملف خاص من موقع قنطرة حول الأدب العربي

أبوظبي تحي حركة الترجمة في العالم العربي

ترجمة الأدب العربي إلى اللغة الألمانية - التبادل الثقافي بين السودان وألمانيا: مسيح دارفور يحج إلى ألمانيا

سليم الافنيش... بدوي في فرانكفورت يحكي قصص للأطفال من ألف ليلة وليلة