تسوية عربية إيرانية أم استفحال للتوترات الإقليمية؟

هل الصراع مكون أساسي للهوية الثورية الإيرانية؟ وإلى ماذا سيؤول الاتفاق النووي الإيراني؟ يتساءل الباحث الألماني فولكَر بيرتيس: هل ستمد إيران يدها إلى السعودية وتثبت أنها لا تعتزم تعزيز نفوذها على حساب السعوديين أو حلفائهم؟ أم أن طهران ستعتبر الاتفاق النووي اعترافا عالميا ضمنيا بقوة إيران وتعمل على تعزيز قدراتها العسكرية التقليدية ونفوذها في المنطقة العربية، وهو ما سيدفع السعودية إلى مواصلة احتواء النفوذ الإيراني؟

الكاتبة ، الكاتب: Volker Perthes

لا شك في أن الدول المجاورة لإيران لديها مخاوف مشروعة إزاء التأثير الذي قد تخلفه الصفقة على ميزان القوى في المنطقة. فمع رفع العقوبات، تصبح إيران أكثر قوة، الأمر الذي يشكل تحدياً لنفوذ دول الخليج. ومع توقعها لهذه النتيجة، سعت هذه الدول بالفعل إلى الحصول على التطمينات من الولايات المتحدة، في حين تنتهج سياسة أكثر عملية وواقعية في اليمن أو سوريا، حيث تعتبر نفسها تعمل على احتواء طموحات الهيمنة الإيرانية.

ولكن في نهاية المطاف، سوف يعتمد تأثير الاتفاق النووي على الديناميكيات السياسية في إيران. الواقع أن كثيرين ــ بل وربما الأغلبية ــ في المؤسسة الإيرانية يدعمون التوصل إلى حل للمواجهة النووية، ويتفقون على أن إيران لا ينبغي لها أن تكون على خلاف دائم مع بقية العالم. ولكن البعض رغم ذلك ينظرون إلى النزاع باعتباره أحد العناصر الأساسية المكونة للهوية الثورية للبلاد.

Vertreter des Golfkooperationsrat mit US-Präsident Obama in Camp David. Foto: Reuters/K. Lamarque
Gipfeltreffen in Camp David: Vertreter des Golf-Kooperationsrats äußern bei einem Besuch in den USA im Mai ihre Sorge vor einem Atom-Abkommen mit Iran. Sie fürchten einen größeren Einfluss der Islamischen Republik in der Region.

تسوية إقليمية ودولية؟

وبالتالي فإن ديناميكية ما بعد الاتفاق من الممكن أن تتطور بطريقتين. في السيناريو الأول، تتطور الأحداث بما يوافق آمال مجموعة الخمسة+1 والمفاوضين الإيرانيين، حيث يساعد الاتفاق في تضخيم أصوات أولئك في إيران الذين يدعون إلى التسوية الإقليمية والدولية.

وفي هذه الحالة، تمد إيران يدها إلى المملكة العربية السعودية بإشارة مقنعة إلى أنها لا تعتزم تعزيز نفوذها على حساب السعوديين أو حلفائهم. وهذا من شأنه أن يسمح للمملكة العربية السعودية بالانضمام إلى إيران في استخدام نفوذها في سوريا للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين قوات النظام والمتمردين، وتمهيد الطريق لتشكيل حكومة انتقالية ذات مصداقية وقادرة على دحر تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى نحو مماثل، تعمل المملكة العربية السعودية وإيران على إنهاء الاقتتال في اليمن من خلال دعم اتفاق تقاسم السلطة هناك.

ومن ناحية أخرى، يساعد الإعفاء من العقوبات، جنباً إلى جنب عودة الشركات الدولية تدريجيا، في دفع عجلة الاقتصاد الإيراني المعتل. والانفتاح المتزايد على أوروبا، وعلى الولايات المتحدة بشكل أكثر حذرا، من شأنه أن يشجع أفراد الطبقة المتوسطة من ذوي العقلية الإصلاحية في إيران على البحث عن مستقبلهم داخل البلاد، بدلاً من الهجرة.

وأخيرا، في ظل هذا السيناريو، تساعد مكانة الرئيس حسن روحاني الدولية القوية في تمكينه من التغلب على مقاومة المحافظين لملاحقة الإصلاحات الداخلية المطلوبة بشدة. وعلى هذا الأساس، يفوز ائتلاف روحاني من الإصلاحيين والبرجماتيتين بسهولة بالأغلبية عندما يتم انتخاب البرلمان الإيراني التالي في عام 2016، ويعاد انتخاب روحاني في عام 2017.

Iraner feiern das Atomprogramm. Foto: picture alliance/AA/F. Bahrami
Hoffnung auf das Ende der Sanktionen: Nach der Einigung auf das Atomabkommen feiern Tausende Iraner auf den Straßen. Politische Beobachter gehen davon aus, dass es die iranische Wirtschaft ankurbelt.

تفاقم التوترات الإقليمية؟

أما السيناريو الثاني فهو أقل سخاءً واعتدالا. ففي هذه الحالة، سرعان ما يصبح من الواضح أن الدعم المحلي للاتفاق النووي كان عريضاً ولكنه رقيقا. ففي حين يرغب معسكر روحاني الإصلاحي في تحسين علاقات إيران الخارجية، تنظر القوى المحافِظة والقومية المحيطة بالمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي إلى الاتفاق باعتباره أداة ضرورية لإزالة العقوبات الاقتصادية وتعزيز قدرات إيران العسكرية التقليدية.

ثم يعمل رجال الدين المتشددون على تقويض كل ما يسعى روحاني إلى بنائه من الثقة مع الدول المجاورة لإيران من خلال التصريح مراراً وتكراراً بأن الاتفاق يمثل اعترافاً ضمنياً بقوة إيران من قِبَل القوى الكبرى في العالم. ويثبت هذا الموقف صحة توقعات المتشككين، وهو ما من شأنه أن يدفع المملكة العربية السعودية إلى استئناف جهودها الرامية إلى بناء "تحالف سُنّي" لاحتواء النفوذ الإيراني ودعم المعركة ضد من تعتبرهم وكلاء لإيران في بلدان مثل سوريا واليمن.

فضلاً عن ذلك، ومع ارتفاع التوترات الإقليمية، يصبح التأثير الاقتصادي المترتب على رفع العقوبات بالغ الضآلة، في حين يكسب المحافظون الأرض في مقاومة الإصلاح. والواقع أن روحاني وحلفاءه عاجزون عن بث الأمل الاقتصادي في أنفس الإيرانيين العاديين ــ وهو الفشل الذي يجعلهم يخسرون الانتخابات التشريعية والرئاسية.

الباحث الألماني فولكَر بيرتيس
„Weite Teile des iranischen Establishments – wahrscheinlich sogar die Mehrheit – unterstützen die Beilegung des Atomstreits und sind sich einig, dass Iran nicht ständig im Konflikt mit der übrigen Welt stehen muss“, meint Nahost-Experte Volker Perthes.

من عجيب المفارقات، في هذا السيناريو المتشائم، أن قدوم حكومة جديدة في إيران يسيطر عليها المحافظون والمتشددون، من شأنه أن يناسب في واقع الأمر المنطقة بشكل أفضل من الحكومة الحالية. ذلك أن المملكة العربية السعودية، ومصر، والعديد من الدول العربية الأخرى، يحكمها أيضاً متشددون سلطويون لا يهتمون كثيراً بوقف تصعيد الصراعات الإقليمية. وهذا من شأنه أن يجعل ظهور زعامة ذات توجه إصلاحي من جديد في إيران أمراً بالغ الصعوبة.

بطبيعة الحال، سوف يكون السيناريو الأكثر ترجيحاً عبارة عن مزيج من الديناميكيتين. ولكن لأن مصلحة الجميع تملي عليهم العمل على ضمان ميل التطورات نحو المسار الإصلاحي بشكل أوثق، فلابد أن يكون من الواضح في نظر الجميع أن العمل الدبلوماسي في ما يتعلق بإيران لم يقترب من الاكتمال بعد.

 

فولكَر بيرتيس

ترجمة: إبراهيم محمد علي

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت 2015