مقاومة ثقافية مناهضة للاستعمار وطمس الهوية

اجتمع فنانون وناشطون محليون ودوليون في مخيم جنين للاجئين من أجل أسبوع من ورشات العمل وجولات الحوار وأنشطة مسرحية، وذلك للاحتفاء بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيس مسرح الحرية. إيلينيا غوستولي تسلط الضوء لموقع قنطرة على مسرح الحرية في جنين.

يعتبر مسرح الحرية، الموجود في مخيم جنين للاجئين، أحد أشهر المؤسسات الثقافية الفلسطينية، خاصة في الخارج. تم افتتاح مهرجان الاحتفاء بالذكرى السنوية العاشرة لتأسيسه، والتي توافق الرابع من أبريل/ نيسان 2016، بمسيرة صامتة للاحتجاج على جريمة اغتيال جوليانو مير خميس، أحد مؤسسي المسرح، قبل نحو خمس سنوات، والذي لم يُعرف منفذوها بعد.

اغتيال "الأب الروحي" للمسرح شكل ضربة قوية له، لاسيما وأن أعضاء المسرح تعرضوا آنذاك لحملة من التحرش والاعتقالات التعسفية. كما قضى زكريا الزبيدي، وهو عضو آخر مؤسس للمسرح وعضو سابق في كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح، ثلاث سنوات في "اعتقال تحفظي" لدى السلطة الفلسطينية بعد أن ألغت إسرائيل العفو الذي صدر بحقه.

لقد كان مشروع جوليانو مير خميس، المولود في الناصرة للكاتب الفلسطيني صليبا خميس والناشطة اليهودية أرنا مير، راديكالياً وليس خيرياً، فهو لم ينظر إلى الثقافة كبديل عن سبل المقاومة الأخرى، بل كان هدفه إرساء فن حقيقي ومسرح حقيقي في أكثر الأماكن التي لا يُنتظر منها ذلك.

وجود راديكالي

لم ترحب القطاعات المحافظة في مخيم جنين للاجئين دوماً بوجود المسرح هناك، فعلى مدى السنوات تعرض المسرح لعدد من الهجمات. وبحسب ما ذكر نبيل الراعي، المدير الفني للمسرح، في مقابلة سابقة مع موقع قنطرة، فقد كانت العلاقة مع المسرح "علاقة حب وكراهية"، مضيفاً: "لقد درّب هذا المسرح، الذي يقدم دورة في الدراما تستمر ثلاث سنوات، العديد من الفنانين الشباب الناجحين حالياً، من المخيم ومن مناطق أخرى في الضفة الغربية. كما قام بإنتاج وعرض أكثر من عشرين عملاً".

Amer Hlehel in "Taha" (photo: Ylenia Gostoli)
يقول عامر حليحل: "لم يكن (مير خميس) يريد مسرحاً اجتماعياً، بل حقيقياً ... ما كان لدى جوليانو هنا هي المقاومة الثقافية، وهذا يعني القيام بتغيير داخل المجتمع. ولأننا لا نستطيع فعلياً تغيير الطرف الآخر، يجب علينا التركيز على تغيير مجتمعنا وإعطاؤه الفرصة لإعادة التفكير في الأمور وانفتاح العقول".

لقد جمعت الاحتفالية بالذكرى العاشرة للمسرح طلاباً سابقين وفنانين كانوا قد تعاونوا في السابق مع المسرح ومع فرق فنية فلسطينية معروفة، بما فيها مدرسة القدس للفنون ومدرسة السيرك الفلسطينية.

كما شهد "منتدى المقاومة الثقافية"، الذي استمر عشرين يوماً، مشاركة عدد من المثقفين البارزين، كالمؤرخ الإسرائيلي إيلان بابي والكاتب والأستاذ الفلسطيني مازن قمصية، إضافة إلى عمر البرغوثي، الكاتب وأحد مؤسسي حركة "بي دي إس" (المقاطعة وسحب الاستثمار وفرض العقوبات). وناقش هذا المنتدى دور الثقافة في إطار الصراع الفلسطيني.

"الفن قيّم في طبيعته"

وقال قمصية، الذي ألقى خطاب افتتاح المنتدى: "هذا صراع تقليدي بين الاستعمار ومناهضيه. إذا اتفقنا مع هذا التشخيص، فإن الموقف التقليدي سيكون أن المستعمر لا يريد محو وجود السكان الأصليين فحسب، بل وطمس ثقافتهم أيضاً". وأضاف الأستاذ قمصية: "سيسعى (المستعمر) لبناء مجتمع جديد أو نسخة جديدة منه - شيء جديد لا يمكنه الوجود إلا بمحو القديم".

لكنه استدرك بأن "علينا ألا نقوم بالفن كي نقاوم شيئاً آخر، بل لأنه قيّم في طبيعته". أما عامر حليحل، الممثل والكاتب الذي يعيش في حيفا، فقد قام بإعادة أداء العرض الافتتاحي لمسرح الحرية قبل عشر سنوات، والذي يحمل اسم "طه" وهو عرض منفرد كتبه وأخرجه بنفسه ومبني على حياة الشاعر الفلسطيني طه محمد علي. وأكد حليحل أن هذا تحديداً  كان هدف جوليانو عندما قام بتأسيس مسرح الحرية.

Participants outside the Freedom Theatre (photo: Ylenia Gostoli)
علق مازن قمصية، الذي افتتح فعاليات المنتدى: "هذا صراع تقليدي بين الاستعمار ومناهضي الاستعمار. إذا اتفقنا على هذا التشخيص، فإن الموقف التقليدي هنا سيكون أن المستعمر لا يريد محو وجود السكان الأصليين فحسب، بل وطمس ثقافتهم أيضاً".

وأضاف حليحل: "لم يكن يريد مسرحاً اجتماعياً، بل حقيقياً ... ما كان لدى جوليانو هنا هي المقاومة الثقافية، وهذا يعني القيام بتغييرات داخل مجتمعنا، لأننا لا نستطيع التأثير على الطرف الآخر. يجب أن نركز على تغيير مجتمعنا وإعطائه فرصة إعادة التفكير في الأمور انفتاح العقول".

"مشروع التحرير"

يبدو أن إرث مير خميس يتعدى الإبقاء على المسرح عاملاً رغم غيابه والنقد الموجه إلى إدارته الحالية. ففي معرض مداخلته في المنتدى، نظر إيلان بابي إلى مشروع مير خميس في سياق ما أسماه بـ"مشروع التحرير" الفلسطيني وموقفه (مير خميس) المعروف والمؤيد لحل الدولة الواحدة ذات المساواة التامة لجميع مواطنيها.

حول ذلك قال بابي: "يجب أن يمر مشروع التحرير عبر مرحلة إعادة توزيع الموارد، بما في ذلك سيناريو تغيير حق العودة الفلسطيني لبعض الأنماط الديمغرافية ... هذا أمر لا يستطيع أغلب (الإسرائيليين) الذين يتحدثون عن حل الدولة الواحدة تصوره. حتى لو كنت شخصاً مستنيراً يؤمن بالسلام والعدالة، فإنك لن تفكر بأن هذا الأمر يتطلب اندماجاً مع الثقافة الأصلية. هذا هو الواقع الذي بنته الحركة الصهيونية في السنوات المائة والعشرين الماضية".

وتابع بابي بالقول: "بسبب ظروفه الشخصية، تحدى جوليانو منظور أن الفصل سلام والانعزال سلام والحكم الذاتي سلام ... إرثه هو الإنسانية، وهو أمر لا يتناقض ومشروع التحرير".

Entrance of the Freedom Theatre in Jenin (photo: Guillaume Paumier)
خاطب إيلان بابي الجمهور بالقول: "علينا أن نعكس الحوار. حتى اليوم، فإن إسرائيل هي التي تتحدث عن حقوق الفلسطينيين وهويتهم وخطابهم، وتحاول توجيهه. أحد أقوى أعمال التحرير هو الحديث عن دور المستوطنين (الجيل الثالث من الإسرائيليين) في نظرتكم المستقبلية كجزء من تعزيز دوركم التاريخي كشعب أصلي".

كما خاطب إيلان بابي الجمهور بالقول: "يجب علينا أن نعكس الحوار. حتى اليوم، كانت إسرائيل هي التي تتحدث عن حقوق الفلسطينيين وهويتهم وخطابهم، وحاولت توجيهه. أحد أهم أوجه التحرير هو الحديث عن دور المستوطنين (الجيل الثالث من الإسرائيليين) في نظرتكم المستقبلية كجزء من تعزيز دوركم التاريخي كسكان أصليين".

أما بالنسبة لنبيل الراعي، المدير الفني للمسرح، فإن دور المؤسسات الثقافية يجب أن يكون ما لم تستطع الأحزاب الفلسطينية عمله، ألا وهو توحيد الفلسطينيين.

وأضاف الراعي، الذي قام بإخراج أول عمل فني للمسرح عام 2006: "الناس لم يعودوا يثقون في الأحزاب السياسية أو القيادة بشكل عام. أكبر بديل لتوحيد الشعب وتوعيته بما يحدث، برأيي، هو الثقافة". هذا يضم، طبقاً للراعي، الجهود لتوحيد الثقافة من أجل تخطي الانقسام الجغرافي المفروض على الفلسطينيين، ليس من خلال تعاون وقتي وحسب، بل على المستوى المؤسساتي.

ويوضح نبيل الراعي: "أنا أتحدث عن تعاون بطريقة عملية تمنح، على الأقل، الجيل الجديد أملاً، من أجل التوحد وطرح سؤال: ما الذي نريده؟"

 

إيلينيا غوستولي

ترجمة: ياسر أبو معيلق

حقوق النشر: موقع قنطرة ar.qantara.de 2016