حقوق الإنسان: هل يغير الضغط الأوروبي مصر إلى الأفضل؟

سياسيون أوروبيون طالبوا الأمم المتحدة في رسالة مفتوحة بإنشاء آلية لمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في مصر عن كثب. فما مدى تأثير مثل هذه الرسائل؟ كاثرين شير والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: كاثرين شير

بعد مضي نحو عام على تسليم 32 دولة بياناً مشتركاً للأمم المتحدة  تعبر فيه عن قلقها بشأن أوضاع حقوق الإنسان في مصر، تم نشر رسالة لنفس الغاية مجدداً.

ففي يوم الخميس (الثالث من شباط/ فبراير 2022) وجه 175 سياسياً من 13 دولة أوروبية، وهم أعضاء في البرلمان الأوروبي أو برلمانات دول أوروبية، رسالة مفتوحة موجهة إلى وزراء خارجية دولهم، وكذلك إلى سفراء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، يطالبون فيها بمراقبة أوضاع حقوق الإنسان في مصر بشكل أكبر.

ويعقد  مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة  ثلاث دورات كل عام، تستمر كل منها ما بين ثلاثة وأربعة أسابيع. وتطالب الرسالة المفتوحة بأن يتم خلال الجلسة المقبلة التي تعقد طوال شهر آذار/مارس، إنشاء آلية خاصة لرصد أوضاع حقوق الإنسان والإبلاغ عنها في مصر، وذلك من قبل مندوبي الدول الأعضاء في المجلس والبالغ عددها حالياً 47 دولة.

وتطرقت الرسالة المفتوحة إلى  "انتهاكات حقوق الإنسان في مصر"، بما في ذلك "الاعتقال التعسفي للنشطاء والصحفيين"، و"انعدام فرص المحاكمة العادلة"، و"التعذيب داخل السجون"، و"العدد المتزايد من الإعدامات والتشريعات المصممة لعرقلة عمل منظمات المجتمع المدني". واتصلت  دويتشه فيله بالسفارة المصرية في برلين بشأن الرسالة المفتوحة، لكن مسؤولي الإعلام لم يردوا حتى هذا الوقت.

"هذا يكفي!"

وجاء في رسالة السياسيين أنه "لا ينبغي أن يظل البيان المشترك (السابق) لشهر آذار/ مارس بمثابة لفتة لمرة واحدة"، وأضاف السياسيون: "نشعر بقلق بالغ إزاء استمرار فشل المجتمع الدولي في اتخاذ أي إجراء هادف لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر".

ما يريد السياسيون قوله في هذه الرسالة هو أن "هذا يكفي"، كما توضح البرلمانية الأوروبية عن حزب الخضر هانا نويمان وهي واحدة من خمسة سياسيين قادوا جهود نشر الرسالة.

 

سافرت هانا نويمان إلى مصر والتقت بنشطاء حقوقيين هناك في عام 2019 Hannah Neumann Foto European Union
سافرت هانا نويمان إلى مصر والتقت بنشطاء حقوقيين هناك في عام 2019: جاء في رسالة السياسيين الأوروبيين: "نشعر بقلق بالغ إزاء استمرار فشل المجتمع الدولي في اتخاذ أي إجراء هادف لمعالجة أزمة حقوق الإنسان في مصر". ما يريد السياسيون قوله في هذه الرسالة هو أن "هذا يكفي"، كما توضح البرلمانية الأوروبية عن حزب الخضر هانا نويمان وهي واحدة من خمسة سياسيين قادوا جهود نشر الرسالة.

 

وأشارت نيومان لـِـ دي دبليو إلى أن البرلمان الأوروبي يصدر بالفعل  قرارات بشأن حقوق الإنسان في مصر كل عام  منذ تولى عبد الفتاح السيسي السلطة، موضحة أن "هذه الرسالة تهدف إلى زيادة الضغط الدولي على مصر على مستوى الأمم المتحدة"، وتابعت: "إن إنشاءها (آلية المراقبة) من شأنه أن يبعث برسالة قوية إلى مصر من المجتمع الدولي مفادها أن القمع المستمر لسكانها لن يتم التسامح معه بعد الآن."

زيادة الضغط على مصر

وتخضع مصر حالياً فقط لـ "المراجعة الدورية الشاملة" التي يجريها المجلس لوضع حقوق الإنسان فيها. وتخضع جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لمراجعة من هذا النوع. ولذلك ستكون آلية المراقبة المطلوبة وسيلة إضافية للتحقق من حالة حقوق الإنسان في مصر.

في العام الماضي 2021، أطلق مجلس حقوق الإنسان سبع تفويضات جديدة، منها مشروع للمساءلة في سريلانكا بالإضافة إلى زيادة مراقبة حقوق الإنسان في بيلاروسيا وأفغانستان. وتأمل نيومان وزملاؤها أن تصبح مصر محط الاهتمام هذا العام.

تقول نويمان: "بالطبع الهدف النهائي هو أن يغير الضغط الدولي مصر للأفضل". ولكن على المدى المتوسط، فإن الأمل هو أن تكون آلية المراقبة "المطلوبة" رادعاً للقاهرة، على حد تعبير نويمان، ما قد يثنيها عن الانتهاكات المستقبلية أو يقدم معلومات يمكن أن تستند إليها عقوبات وربما ملاحقات قانونية "محتملة"، بحسب البرلمانية الأوروبية.

هل يتم إنشاء آلية المراقبة؟

لكن رئيس المعهد الأوروبي للقانون الدولي والعلاقات الدولية محمود رفعت يستبعد في حديث لـ دي دبليو عربية أن يقوم مجلس حقوق الإنسان بإنشاء الآلية التي يطالب بها السياسيون الأوروبيون، مبرراً ذلك باعتقاده أن "دولاً عظمى لن تصوت لها"، ويضيف: "للأسف المصالح الاقتصادية تطغى على الاعتبارات الأخلاقية".

من جانبها ترى ليزلي بيكيمال، مسؤولة شؤون المناصرة الدولية لدى الاتحاد الأوروبي، في "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، أن الرسالة المفتوحة للسياسيين الأوروبيين ليست سوى "خطوة أولى".

وتضيف بيكيمال لدويتشه فيله: "سيكون الأمر تحدياً"، في إشارة إلى الأمور التي قد تمنع إنشاء آلية المراقبة، موضحة: "على الرغم من الوضع في مصر، قد يكون هناك في بعض الأحيان نقص في الإرادة السياسية لدى أعضاء في المجلس (مجلس حقوق الإنسان)، وذلك لأسباب عديدة ومختلفة. لكن الآن هناك فرصة لحشد التزام الدول بهذا العمل".

وتنتقد العديد من الأصوات المصرية نهج العديد من الدول الأوروبية تجاه مصر في عهد السيسي. وقال محمد لطفي، رئيس المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومقرها القاهرة: "إنهم جميعاً يجادلون في النهاية بأن الحاجة إلى مصر مستقرة، وإلى الاستقرار في المنطقة، تعني أنه يجب عليهم المحافظة على روابط إيجابية مع إدارة السيسي"، كما جاء في تعليق للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2021.

وأضاف لطفي: "ربما تكون فرنسا أوضح مثال على ذلك. إنها تحافظ على مبيعات أسلحة كبيرة للقاهرة وتصرح بشكل واضح أنها لن تفرض على العلاقة الأوسع والمصالح الفرنسية المرتبطة بها تحسين حقوق الإنسان في مصر".

ويتفق معه رفعت الذي يقول إنه: "بالرغم من أن البرلمان الأوروبي كان ولايزال منذ 2013 في حالة غليان بسبب أوضاع حقوق الإنسان في مصر، شاهدنا تدفقاً للأسلحة الفرنسية والألمانية إلى مصر، وذلك رغم كل الاعتراضات في الأوساط السياسية والقانونية والحقوقية والإعلامية".

صادرات الأسلحة: هل تغير الموقف الألماني؟

فقبل أيام من انقضاء ولايتها، أعطت الحكومة الألمانية السابقة بقيادة أنغيلا ميركل، موافقات على صادرات للأسلحة إلى مصر، ما  جعل القاهرة أكبر زبون للأسلحة الألمانية في عام 2021، بإجمالي 4.34 مليار دولار.

لكن نويمان تشير إلى أن الحكومة الألمانية الجديدة، وهي ائتلاف يضم كلاً من الحزب الاشتراكي وحزب الخضر والليبراليين، تتخذ وجهة نظر مختلفة. وقد أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أن  السياسة الخارجية للبلاد ستكون "قائمة على القيم".

وأضافت نويمان أن "الحكومة الألمانية الجديدة وافقت على اتخاذ سياسة تقييدية لتصدير الأسلحة والتزمت بقانون وطني لمراقبة تصدير الأسلحة".

أما بالنسبة لفرنسا، فلا يرى رفعت أي إشارات لتغير في موقفها تجاه مصر، رغم قرب موعد الانتخابات الرئاسية الفرنسية،  مشيراً إلى أن منافسي ماكرون ينتميان إلى اليمين المتطرف ولا تهمهما أوضاع حقوق الإنسان في الخارج، أما ماكرون فهو "أيضاً يتبنى بوضوح أجندات سياسية خارجية لا تولي اهتماماً لحقوق الإنسان، ويتبع سياسة براغماتية بحتة"، على حد تعبير رفعت، الذي يستشهد  باستقبال ماكرون للسيسي في قصر الإليزيه وتكريمه بأرفع وسام فرنسي.

 

أطلق سراح الناشط الحقوقي رامي شعث في يناير بعد عامين في السجون المصرية.Frankreich Aegyptisch palaestinensischer Aktivist Ramy Shaath Foto Getty images
إطلاق سراح سياسيين: تم في مصر الإفراج عن سجناء سياسيين بارزين من بين ما يقدر بـ 60 ألف سجين سياسي يقبع في السجون المصرية، وهو ما دأبت القاهرة على نفيه. كما تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وهي ما تصفها بيكمال بـ "بادرة تجميلية لتحسين صورة مصر في مجال حقوق الإنسان".

تأثير ضئيل

ويأمل مدافعون عن حقوق الإنسان أن يكون للرسالة المفتوحة بعض التأثير على السلطات المصرية. وهم يعتقدون أن الضغط يتنامى الآن على الحكومة المصرية بطريقة "غير مسبوقة".

فعلى سبيل المثال، قالت الولايات المتحدة أواخر الشهر السابق إنها لن تمنح مصر 130 مليون دولار (115 مليون يورو) كمساعدة أمنية سنوية بسبب مخاوف تتعلق بحقوق الإنسان.

لكن رفعت يرى أن "مسألة العقوبات على النظام المصري والتي نسمعها من حين وآخر، والمرتبطة بأوضاع حقوق الإنسان في مصر، ليست سوى مراوغات سياسية فقط"، مشيراً إلى "غياب الإرادة الأمريكية الحقيقية في تحسين أوضاع حقوق الإنسان في مصر".

وعلى الرغم من أن إنشاء أي آلية مراقبة تابعة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قد يستغرق بعض الوقت، إذا حدث ذلك أصلاً، فإن الرسالة "لا تزال مهمة للغاية"، بحسب بيكيمال، التي تضيف أن مصر أصبحت أكثر حساسية تجاه أي انتقاد خارجي من هذا النوع، كما أن البيان المشترك الصادر في آذار/ مارس 2022 في الأمم المتحدة أدى إلى بعض النتائج.

"الرسائل الدبلوماسية مهمة للغاية"

فقد تم الإفراج عن سجناء سياسيين بارزين من بين ما يقدر بـ 60 ألف سجين سياسي يقبع في السجون المصرية، وهو ما دأبت القاهرة على نفيه. كما تم إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان في أيلول/ سبتمبر الماضي، وهي ما تصفها بيكمال بـ "بادرة تجميلية لتحسين صورة مصر في مجال حقوق الإنسان".

ويتفق معها رفعت والذي يتساءل مستنكراً: "ما قيمة أن يخرج عشرون أو ثلاثون شخصاً منتهية محكوميتهم، أو قضوا فترة من السجن دون حكم، في وقت هناك تقديرات تقول إن هناك عشرات آلاف المعتقلين السياسيين في السجون المصرية، منهم نحو 30 ألف بدون وجود أحكام ضدهم، و15 ألف مختفون قسرياً".

كما دخل قانون مصري جديد  يقيد عمل منظمات المجتمع المدني حيز التنفيذ في منتصف شهر كانون الثاني/ يناير 2022. في هذا السياق تقول بيكيمال: "عندما لا يكون هناك رد على انتهاكات حقوق الإنسان، فإن ذلك يعطي الضوء الأخضر للسلطات المصرية للقيام بالمزيد أو الأسوأ"، وتتابع: "الرسائل الدبلوماسية والسياسية من خلال منتدى متعدد الأطراف مؤثر للغاية".

بيد أن  السلطات المصرية رفضت الانتقادات الدولية بهذا الشأن، إذ قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسين إن القانون الجديد "سيحمي حقوق الإنسان وسيتيح تأسيس المنظمات غير الحكومية من خلال تقديم إشعارات للسلطات بدلاً من الحصول على إذن حكومي"، متحدثاً في كلمته بالمونديال العالمي للشباب عن أن هذا القانون يندرج في سياق مقاربة تدبير مجال حقوق الإنسان في مصر.

لكن رفعت يرى أن "الحل الوحيد هو أن تكون هناك إرادة صادقة من المجتمع الدولي ويستيقظ من غيبوبته الأخلاقية"، ويختم: "الحل هو أن يفهم صناع القرار في الغرب أن التغييب الأخلاقي لا يفيد، بل على العكس هو ينخر في عظم المجتمع الدولي".

 

 

كاثرين شاير

ترجمة: محيي الدين حسين

حقوق النشر: دويتشه فيله 2022

 

 

ar.Qantara.de