مناهضة العنصرية مهدَّدة في بريطانيا؟

الكاتبة والصحفية البريطانية الغانية أفوا هيرش.
الكاتبة والصحفية البريطانية الغانية أفوا هيرش.

رغم تزايد عدد المنتمين لأقليات عرقية في الطبقة السياسية البريطانية لماذا تتم شيطنة الكُتَّاب المناهضين للعنصرية في المملكة المتحدة؟ الصحفية ماناسي غوبالاكريشنان حاورت الكاتبة أفوا هيرش حول هذه الظاهرة.

الكاتبة ، الكاتب: Manasi Gopalakrishnan

عملت أفوا هيرش كمحامية قبل دخولها عالمَ الصحافة. ومن بين المهام الأخرى التي تولّتها، كانت مراسلة لصحيفة الغارديان اليومية الناطقة بالإنجليزية ومقرها في العاصمة الغانية أكرا. تكتب هيرش -علماً بأن والدتها غانية ووالدها بريطاني- بإسهاب عن تاريخ المهاجرين البريطانيين ونشرت كتاباً بعنوان "البريطانيون: العرق والهوية والانتماء" في عام 2018.

****************

ما هو وضع الأشخاص الملونين في المملكة المتحدة اليوم؟

أفوا هيرش: أعتقد أننا أحرزنا تقدّماً في بعض النواحي. أصبح النقاشُ أكثر وضوحاً وبدأ المزيد من الأشخاص في تثقيف ذاتهم حول موضوع الملونين. ولكننا في بعض النواحي تراجعنا كذلك: ففي أوساط اليمين، نشهدُ عداءً سياسياً غير مسبوق تجاه مسألة المساواة العرقية. كما أنّنا نشهد شيطنةً وتشويهاً لسمعة الكتاب والمفكرين والنشطاء الذين يناهضون العنصرية. إنه مناخ مخيف للغاية. إنْ أردتِ كتابة تقارير حول عدم المساواة العرقية ومناقشة حقائقها فستواجهين اضطهاداً شخصياً في المملكة المتحدة، وهذا أمر لم أتخيّل حدوثه من قبل قَطّ.

 

هل تعرّضتِ لأي اضطهاد شخصي، أو هل يمكنك ذكر بعض الأمثلة؟

هيرش: سُرِّبَتْ مذّكرةٌ من الحكومة البريطانية العام الماضي 2022 تقول إنني ممنوعة من دخول الإدارة الحكومية البريطانية؛ مُنِعت من العمل مع الحكومة أو موظفيها لأنني "متطرفة"، وذلك بسبب مناهضتي للعنصرية. كما ضمّت المذكرة المُسرّبة أسماء مفكرين بارزين آخرين مناهضين للعنصرية، مثل الكاتب ديفيد أولوسوغا والبروفيسورة بريمفادا غوبال. إضافة إلى ذلك، أدلى وزراء من الحكومة بتصريحات يتساءلون فيها عنْ إنْ كان ينبغي حظر النظرية العرقية النقدية وتجريم الأشخاص الذين يكتبون كتباً عن مناهضة العنصرية. وقالت وزيرة شؤون المرأة والمساواة لدينا إنها لا تؤمن بالنسوية أو بالعنصرية. لذا، نعم، هذا أمر خطير للغاية. في الماضي، وبغضّ النظر عن توجهاتك السياسية، أعتقد أنه كان هناك ضغوط على الأقل لتبدو أنك تأخذ هذه القضايا على محمل الجد.

 

أفوا هيرش في حلقة نقاش كجزء من منتدى دويتشه فيله العالمي للإعلام في مدينة بون الألمانية في يونيو / حزيران 2023. Afua Hirsch takes part in a discussion panel as part of the Deutsche Welle Global Media Forum in Bonn in June 2023 (image: DW)
تقول هيرش: "أعتقد أننا حققنا تقدّماً في بعض النواحي. أصبح النقاش أكثر وضوحاً وبدأ المزيد من الأشخاص في تثقيف ذاتهم حول العنصرية. ولكن في بعض النواحي، عدنا إلى الوراء كذلك: في أوساط اليمين، نشهد عداءً سياسياً غير مسبوق تجاه المساواة العرقية. في الواقع، نشهد شيطنة الكُتاب والمفكرين والنشطاء الذين يقومون بأعمال مناهضة للعنصرية. إنه مناخ مخيف للغاية. إنْ أراد أحدهم كتابة تقارير ومناقشة الحقائق حول عدم المساواة العرقية فسيواجه اضطهاداً شخصياً في المملكة المتحدة، وهو شيء لا أعتقد أنني كنت أتخيل حدوثه من قبل قَطّ".

 

كنتِ تتوقعين تغيّر الأمور، لا سيما مع وجود رئيس وزراء غير أبيض (ريشي سوناك) في المملكة المتحدة؟

هيرش: لدينا بالفعل عدد أكبر من الأشخاص الملونين في الحكومة مقارنة بالماضي، بيد أنهم جميعهم أشخاص استخدموا قصتهم كأعضاء في أقلية عرقية للتنصّل من مناهضة العنصرية ولتقويض حقيقة عدم وجود مساواة عرقية لدينا. والرسالة التي تصلك الآن -إنْ تأمّلت في بريطانيا- هي أنك إنْ كنت شخصاً من الأقليات يريد أن يكون ناجحاً فعليك التبرّأ علناً من مجتمعك في كفاحه. وهذه خطوة إلى الوراء.

 

إذاً، هل أصبحوا يتبعون للمؤسسة بهذا المعنى؟

هيرش: وهم على استعداد لاستخدام تراثهم كسلاح سياسي ليقولوا ما يعتقدون أنّ الناخبين البيض يريدون سماعه.

 

كيف ينجح ذلك؟

هيرش: أعتقد لأننا نعيش في مناخ شعبوي للغاية في المملكة المتحدة، هناك شعور بأنّ الناخبين يريدون سماع السياسيين يتحدثون بعنصرية ويُعادون المهاجرين والمعركة من أجل المساواة العرقية. لذا أعتقد أنّ الكثير مما يقولونه ليس بالضرورة ما يؤمنون به، بل ما يعتقدون أنه سيكون مفيداً في الانتخابات. وأعتقد أنّ هذا هو تفسيرهم لرسالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. بينما رسالة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تتمحور حول أنّ هناك الكثير من الناخبين في المملكة المتحدة لديهم شكاوى مشروعة لأنه تمّ نسيانهم وتجاهلهم. لم تكن هناك خطة لمجتمعاتهم بعد تقليص التصنيع، ولم تُوزَّع فوائد العولمة بالتساوي.

وهذه مشاكل لا يمكن لجيل سياسي واحد حلّها ومن الصعب للغاية إجراء انتخابات متعهّدين بالإجابة على مشاكل وجودية كبرى كهذه. وبالتالي ما يفعله السياسيون هو سلك الطريق السهل وتحميل أسباب هذه المظالم على الهجرة والتعدّدية الثقافية، أملاً في أنه بإلقاء اللوم على الآخرين -المرئيين- سيظهرون كما لو أنّ لديهم نوعاً من الإجابات لهذه المشاكل الأكبر والأعمق بكثير.

 

وكيف يُؤثِّرُ كل ذلك في أزمة تكلفة المعيشة، لا سيما بالنسبة للأشخاص الملونين الذين ينتمون إلى الطبقة الوسطى الدنيا في المملكة المتحدة؟

هيرش: أعتقد أنّ للأزمة القدرة على فضح عدم نزاهة هذه الأجندة السياسية، لأنّ الحقيقة هي، كما تعلمين، أنّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لم يجعل بريطانيا أكثر ازدهاراً ولم يخلق المزيد من فرص العمل. ولم ينقذ بريطانيا من أزمة غلاء المعيشة العالمية، بل جعل بريطانيا أكثر ضعفاً أمام كل هذه المشاكل. وفي الواقع، أدّى رحيل العديد من جاليات المهاجرين إلى الإضرار باقتصادهم من نواحٍ كثيرة لأنّ قطاع الخدمات الآن، والقطاع الزراعي لا يمكنهما إيجاد عمال. أعتقد أنّ ذلك يجعل الناخبين أكثر ذكاء وأكثر قدرة على التشكيك في فكرة وجود إصلاحات سريعة لأي من هذه المشاكل.

 

وُصفت وزيرة شؤون المرأة والمساواة كيمي بادنوش بأنها "محبوبة من اليمين" بسبب موقفها "المناهض للصحوة". Minister for Women and Equalities Kemi Badenoch has been described as 'darling of the right' for her 'anti-woke' stance (image: Tayfun Salci/ZUMA/picture alliance)
التراث كسلاح سياسي: "يريد الناخبون سماع السياسيين يتحدثون بعنصرية وضد المهاجرين، ضد المعركة من أجل المساواة العرقية. ما يفعله السياسيون هو سلك الطريق السهل بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإلقاء اللوم بهذه المظالم المشروعة للمجتمعات على الهجرة والتعدّدية الثقافية، أملاً في أنه بإلقاء اللوم على آخرين مرئيين سيبدو وكأنه لديهم نوع من الإجابات لهذه المشاكل الأكبر والأعمق بكثير.

 

على الصعيد العالمي يصبح الكُتَّاب الملونون أكثر حضوراً ومرئية. هل يُؤثِّر ذلك على كيفية رؤيتك ككاتبة من خلفية غير بيضاء، أم أنه مجرد أمر سطحي؟

هيرش: أعتقد أنّها حقيقة أنّ الكُتَّاب والأكاديميين وصانعي الأفلام ذوي الخلفيات السوداء أصبحوا أكثر حضوراً. وهذا جزئياً لأنه أصبحت لديهم منصات بعد حرمانهم من الفرص لفترة طويلة. كما أعتقد أنّ ذلك يعكس حقيقة أنّه أصبح بإمكان الناس الوصول إلى المزيد من المعلومات، والعثور على القصص التي يريدونها. لقد أصبحت المعلومات متاحة، بينما في الماضي -كما تعلمين- كانت المعلومات -التي كنا نملك قدرة الوصول إليها- خاضعة لسيطرة حراس البوابة البيض.

إنْ أخذت وفاة الملكة مثالاً لكان من شأن وسائل الإعلام البريطانية سابقاً أن تكون قادرة على مراقبة استجابة وسائل الإعلام لكننا في الواقع صرنا نسمع أصواتاً من جميع أنحاء العالم، من الهند وأستراليا ومن كندا. أصبح بإمكان الأشخاص الذين لديهم ذكريات شخصية جداً عن الفظائع التي ارتُكِبت باسم التاج البريطاني أن يكونوا قادرين على الحديث عن تجاربهم ولم يعد بإمكان وسائل الإعلام البريطانية التحكم في جميع القصص التي رُوِيت عالمياً حول ما تعنيه تلك المؤسسة. وأعتقد أنه في الديمقراطية ينبغي أن نحتفل بذلك.

 

 

حاورتها: ماناسي غوبالاكريشنان

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: دويتشه فيله / موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de