حين تهاتف إردوغان ومحمد بن زايد

شقاق وُلد من رحم انتفاضات شعبية عربية دعمت خلالها تركيا موقف الإخوان المسلمين وثوار ليبراليين تحدوا حكاما سلطويين أو مستبدين من تونس إلى سوريا، في بادرة أثارت انزعاج حكام إماراتيين رأوا في الإخوان تهديدا سياسيا لهم. وبعد عقد على الربيع العربي برزت رغبة تركية إماراتية في التهدئة بل والتعاون، هنا خلفياتها.

تركيا والإمارات تكبحان جماح خلافهما الذي أجج الصراع وأضر بالاقتصاد: بعد سنوات من التنافس الإقليمي والتصريحات العدائية، يقول مسؤولون ودبلوماسيون إن هدنة بين تركيا والإمارات تؤدي إلى تراجع في حدة توتر استمدت منه بعض الصراعات نيرانها ومن بينها الحرب الليبية.

لكن في وقت ما زالت فيه الخلافات السياسية عميقة الجذور، هناك توقعات بأن يركز البلدان على بناء العلاقات الاقتصادية وتخفيف حدة خلاف أيديولوجي أفضى إلى حالة من الاستقطاب الشديد في الشرق الأوسط.

فقد أجرى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان اتصالا هاتفيا مع محمد بن زايد آل نهيان، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الأسبوع الماضي في أعقاب اتصالات بين مسؤولي المخابرات والحكومة في البلدين.

وناقش إردوغان أيضا الاستثمار الإماراتي في تركيا مع مستشار الأمن القومي لإمارة أبوظبي، إردوغان الذي قال قبل عام إن تركيا قد تقطع العلاقات الدبلوماسية مع أبوظبي بسبب إقامة علاقات مع إسرائيل.

وقال مسؤول إماراتي إن "الإمارات مهتمة باستكشاف آفاق تعزيز العلاقات"، في إشارة إلى فرص التجارة والاستثمار في مجالات النقل والصحة والطاقة.

جاءت المحادثات في أعقاب جهود أسبق بذلتها تركيا لتهدئة التوترات مع السعودية ومصر حليفتي الإمارات. وتم تقرير أن يصل وفد من القاهرة إلى أنقرة يوم الثلاثاء 07 / 09 / 2021. لم تثمر هذه الاتصالات عن نتائج تذكر حتى هذا الوقت، لكن البعض يرون أن المسار الإماراتي يتحرك بسلاسة وسرعة أكبر.

قال دبلوماسي في الخليج إن العملية "تسير بخطى سريعة.. أسرع مما كان يعتقد الكثيرون. لقد قلبوا صفحة الماضي".

ووصف مسؤول تركي كبير الاتصال الهاتفي بين إردوغان والشيخ محمد في الأسبوع السابق بأنه خطوة بالغة الأهمية باتجاه التغلب على الخلافات التي عكرت صفو العلاقات بينهما، قائلا إن البلدين يمكن أن يتعاونا معا في الشرق الأوسط.

أضاف المسؤول "ستُتخد أولا خطوات فيما يتعلق بالاقتصاد"، موضحا أن القضايا الأخرى "لم يتم الاتفاق عليها، لكن هناك رغبة (في معالجة) القسم الأكبر من هذه المشاكل".

تولد الشقاق من رحم الانتفاضات العربية، عندما اتخذت تركيا موقف الداعم لجماعة الإخوان المسلمين وحلفائهم الإسلاميين الذين تحدوا سلطة الحكام المستبدين من تونس إلى سوريا.

أثار الموقف التركي انزعاج حكام الإمارات، الذين يرون في جماعة الإخوان تهديدا سياسيا وأمنيا.

وفي النزاع الخليجي، وقفت تركيا في نفس الخندق مع قطر ضد الإمارات والسعودية ومصر، بينما ساعد الدعم الذي قدمته أنقرة الحكومة الليبية المعترف بها من الأمم المتحدة على صد قوات تدعمها الإمارات كانت تحاول السيطرة على العاصمة طرابلس.

 

مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة - تركيا. türkei_recep_tayyip_erdogan_und_tahnoon_bin_zayed_al-nahyan_treffen_in_ankara_foto_picture_alliance
إدراك لثمن التوترات الجيوسياسية بالإضافة إلى اختفاء ترامب عن مسرح الأحداث السياسية وخفوت جذوة الانتفاضات العربية: يقول مسؤولون أتراك ودبلوماسيون خليجيون إن تركيا والإمارات أصبحتا تدركان أنهما يدفعان ثمنا اقتصاديا للتوترات الجيوسياسية بينهما، ويفاقم الوضع أعباء جائحة كورونا. لكن الإحساس بهذا الثمن ظاهر بصورة أوضح عند إردوغان في تركيا التي بلغت نسبة التضخم فيها 19 بالمئة وأدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة واضطرت البنوك الحكومية لبيع 128 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي عام 2020 لدعم الليرة التي تراجعت قيمتها. من جانب آخر اختفى من مسرح الأحداث زعيم كان يشجع التدخلات الإقليمية للدولتين عندما خسر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية بالولايات المتحدة. وبعد مرور عقد كامل على الربيع العربي انتهت معظم الثورات وخارت قوى جماعة الإخوان المسلمين مما يترتب عليه بطبيعة الحال تخفيف اثنين من مصادر التوتر الرئيسية بين أبوظبي وإردوغان، الذي قدم دعما قويا لرموز الإخوان المسلمين. في الصورة: مستشار الأمن الوطني الإماراتي الشيخ طحنون بن زايد والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في أنقرة.

 

وتبادل البلدان الاتهامات بالتدخل وممارسة النفوذ خارج حدودهما، ووصف إردوغان ذات مرة وزير الخارجية الإماراتي بأنه وقح أفسده المال عندما أعاد الوزير نشر تغريدة وجه فيها انتقادات لقوات العثمانيين أسلاف تركيا الحديثة.

وفي الصومال، تتسابق تركيا والإمارات على النفوذ. وفي سوريا، لا تزال تركيا تقدم الدعم للمعارضة المسلحة المناهضة للرئيس بشار الأسد فيما فتحت الإمارات، التي كانت تدعم المعارضين في السابق، سفارة في دمشق.

ويقول مسؤولون أتراك ودبلوماسيون خليجيون إن كلا البلدين أصبحا يدركان أنهما يدفعان ثمنا اقتصاديا للتوترات الجيوسياسية بينهما، ويفاقم الوضع أعباء جائحة كوفيد-19.

لكن الإحساس بهذا الثمن ظاهر بصورة أوضح عند إردوغان في تركيا، التي بلغت نسبة التضخم فيها 19 بالمئة وأدت إلى ارتفاع تكاليف المعيشة واضطرت البنوك الحكومية لبيع 128 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي في العام الماضي 2020 لدعم الليرة التي تراجعت قيمتها.

وقال مسؤول تركي آخر طلب عدم نشر اسمه "تكلفة توتر العلاقات غير محتملة في المنطقة فيما يتعلق بتركيا والإمارات والسعودية".

واختفى من مسرح الأحداث زعيم كان يشجع التدخلات الإقليمية للدولتين عندما خسر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.

وبالرغم من عدم الإعلان عن أي اتفاق بشأن الاستثمارات، يمتلك البلدان بالفعل أساسا اقتصاديا يمكن البناء عليه.

وعلى النقيض من السعودية، التي تلتزم بنهج مقاطعة غير رسمية للصادرات التركية، تقول الإمارات إنها لا تزال أكبر شريك تجاري لأنقرة في المنطقة. وضخت صناديق الثروة السيادية لأبوظبي استثمارات ضخمة في الآونة الأخيرة في شركة "غيتير" التركية عبر الإنترنت لخدمات توصيل البقالة إلى المنازل ومنصة البيع بالتجزئة "ترينديول".

وعلى صعيد السياسة سيكون التغلب على الخلافات أشد صعوبة، نظرا لإصرار مصر وحلفائها الخليجيين على سحب أنقرة لقواتها وللمقاتلين السوريين الذين تدعمهم من ليبيا، وهو مطلب يصفه الدبلوماسيون بأنه ذو أهمية قصوى بالنسبة للقاهرة وحلفائها.

إلا أنه، بعد مرور عقد كامل على "الربيع العربي"، انتهت معظم الثورات وخارت قوى جماعة الإخوان المسلمين مما يترتب عليه بطبيعة الحال تخفيف اثنين من مصادر التوتر الرئيسية بين أبوظبي وإردوغان، الذي قدم دعما قويا لرموز الإخوان المسلمين.

وقال غالب دالاي، وهو زميل في أكاديمية روبرت بوش في برلين، "لم يعد هذا الملف في نفس المكان على سلم الأولويات بالنسبة للسعودية والإمارات".

وفي لفته من جانبها إلى القاهرة في وقت سابق من هذا العام 2021، فُهمت أيضا في الرياض وأبو ظبي، طلبت تركيا من قنوات المعارضة المصرية بما فيها جماعة الإخوان المسلمين والقنوات ذات التوجهات الإسلامية تخفيف نبرة الانتقادات لمصر.

ولا تزال تركيا تحجب المواقع الإلكترونية لبعض المنظمات الإماراتية، بما في ذلك وكالة الأنباء الحكومية، لكن الحكومة أوقفت ما كان في السابق وابلا لا ينقطع من سهام النقد التي تستهدف الإمارات والسعودية ومصر وقال دالاي "الرغبة في التهدئة موجودة لدى الجانبين وسنرى ما يحدث".

تركيا ترى زخما إيجابيا في المحادثات لإصلاح العلاقات مع الإمارات

وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يوم الثلاثاء 07 / 09 / 2021 إن بلاده ترى زخما إيجابيا في المحادثات مع الإمارات العربية المتحدة لإنهاء خلاف قائم منذ سنوات وإن العلاقات ستعود إلى مسارها إذا استمر هذا.

وقال جاويش أوغلو لقناة (إن.تي.في) التلفزيونية إنه يمكن تطبيع العلاقات بين البلدين إذا اتخذت خطوات متبادلة وكانت الظروف ملائمة.

ولي عهد أبوظبي وإردوغان ناقشا تعزيز العلاقات وسط تقارب دبلوماسي

 

أعلام السعودية والإمارات والبحرين وقطر. Flaggen von Emirate Aepypten Bahrain Saudi Arabien Foto Getty Images
مساعي تحسين العلاقات: تسعى السعودية والإمارات إلى احتواء التوترات الإقليمية، ومنها التوتر مع إيران، فيما تقلص الولايات المتحدة تدخلها العسكري في المنطقة. وتعتمد الرياض وأبوظبي منذ فترة طويلة في الأمن على واشنطن. ويمكن للدولتين السعودية والإمارات الاستفادة من استثمارات جارتهما قطر الثرية. وقطر أكبر مُصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم. وتحركت تركيا أيضا للتغلب على توتر أضر باقتصادها في العلاقات مع السعودية ومصر. وقال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تركيا والإمارات حققتا تقدما نحو تحسين العلاقات، الأمر الذي قد يؤدي إلى استثمارات إماراتية كبيرة في تركيا.

 

وبحث ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس التركي رجب طيب إردوغان في اتصال هاتفي مسألة تعزيز العلاقات بين البلدين المتنافسين، حسبما أفادت يوم الإثنين 30 / 08 / 2021 وكالة الأنباء الإماراتية.

وهذا الاتصال هو الأعلى مستوى بين قادة البلدين منذ سنوات، ويأتي بعد زيارة قل مثيلها لوفد إماراتي إلى أنقرة في الشهر نفسه ترأّسه مستشار الأمن القومي الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان لبحث التعاون الاقتصادي.

ومرّت العلاقات بين الإمارات وتركبا بفترة صعبة على مدى سنوات، إذ دعم كل منهما طرفاً مختلفاً في النزاع في ليبيا، بينما تختلف مواقفهما أيضاً في قضايا إقليمية أخرى بينها الموقف من الاسلام السياسي الذي ترفضه أبوظبي.

وقالت وكالة الأنباء الإماراتية إن الشيخ محمد بن زايد وإردوغان بحثا "العلاقات الثنائية والسبل الكفيلة بتعزيزها وتطويرها بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين".

كما تبادلا "وجهات النظر بشأن عدد من القضايا والملفات الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك".

بذل إردوغان جهوداً للتواصل مع مجموعة من الدول الإقليمية المنافسة من بينها مصر، في محاولة لإنهاء العزلة الدبلوماسية المتزايدة التي تواجهها تركيا ما خفف من زخم المستثمرين الأجانب في الاقتصاد التركي الضعيف.

من جهتهم، قام مسؤولون إماراتيون بسلسلة من الزيارات لدول منافسة مؤخرا بينها قطر بعد قطيعة استمرت أكثر من ثلاث سنوات.

وكتب المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات أنور قرقاش في تغريدة الثلاثاء 31 / 08 / 2021 "اتصال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالشيخ محمد بن زايد كان ايجابياً وودياً للغاية".

وتابع إن الإمارات تسعى "إلى بناء الجسور وتعظيم القواسم والعمل المشترك مع الأصدقاء والأشقاء لضمان عقود مقبلة من الاستقرار الإقليمي والازدهار لجميع شعوب ودول المنطقة". رويترز ، أ ف ب

 

 

[embed:render:embedded:node:43637]