التخويف من الخطر الخارجي ذريعة نظام الملالي لإخضاع الشعب الإيراني

يرى الصحفي والناشط الإيراني رضا عليجاني في حواره التالي لموقع قنطرة مع الصحفية آزاده فتحي أن قتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني في هجوم أمريكي مفاجئ نفذته طائرة مسيرة من دون طيار يتم استغلاله سياسيا من قِبَل جمهورية إيران الإسلامية.

الكاتبة ، الكاتب: Azadeh Fathi

السيِّد رضا عليجاني، أُقيمت في العراق وإيران مواكب تشيع بمشاركة جماهيرية حاشدة لقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس. تم وصف قاسم سليماني في بعض وسائل الإعلام والتحليلات الغربية وكذلك من قِبَل أعدائه السياسيين بأنَّه "جنرال الظل" أو "الجنرال الشبح"؛ أمَّا أتباعه وأنصاره، الموجودون على حدّ سواء بين الإصلاحيين والمحافظين - وكذلك بين الشباب الإيراني - فقد منحوه لقب "مالك الأشتَر" [كناية بمالك بن حارث الأشتر، وهو صحابي من أتباع الإمام علي بن أبي طالب] أو لقب "كابوس العدو"، وهم يرون فيه بطلًا قوميًا. بحسب رأيك، أين تكمن أهمية قاسم سليماني؟

رضا عليجاني: توجد فيما يتعلق بشخص قاسم سليماني اختلافات في الرأي بين المواطنين الإيرانيين ونشطاء المجتمع المدني والناشطين السياسيين. تتَّضح هذه الاختلافات كثيرًا خاصةً في وسائل التواصل الاجتماعي. ولكن مع ذلك لا تتيح الجهات الرسمية أية فرصة لمناقشة وجهات النظر المختلفة هذه بشكل علني. على سبيل مثال: تعرَّضت مؤخَّرًا صحيفة محافظة لانتقادات حادة وتم لومها من الجهات الرسمية على أنَّها تتحدَّث فقط حول "قتل" قاسم سليماني بدلًا من أن تصفه بصفة "الشهيد". وهذه الحالة وحدها تبيِّن دعاية النظام المهيمنة على المناخ السياسي في البلاد.

يمكن تقسيم المواقف حول قاسم سليماني إلى ثلاث فئات: المجموعة الأولى تعتبره بطلًا قوميًا وقائدًا عظيمًا وتدافع عنه بأي ثمن. ثم توجد تلك القوى التي تشير فقط إلى قرب قاسم سليماني من علي خامنئي، ونشاطاته وتأثيره في المنطقة، وكذلك أهميَّته بالنسبة للسياسة الخارجية الإيرانية، وتنتقده على ذلك انتقادًا شديدًا أو حتى تحتفل بموته.

 

مئات الآلاف (طهران / إيران) في مسيرة حزن على مقتل الجنرال قاسم سليماني.  Foto: Reuters/WANA/N. Tabatabaee
Mythos Qassem Soleimani: Nach der Tötung des iranischen Generals und Führer der Quds-Brigaden, der als einer der wichtigsten Architekten der iranischen Außenpolitik galt, ist die Lage im Nahen Osten angespannt wie selten. Teherans Führung will Vergeltung. Und findet Zustimmung sogar bei Iranern, die sie nicht unterstützen.

 

وأخيرًا توجد مجموعة ثالثة، أعتبر نفسي شخصيًا منها. وهذه المجموعة تنظر إلى هجوم دونالد ترامب باعتباره عملًا إرهابيًا خطيرًا - هجومًا يمكن أن يثير الحرب، ولكنها لا تتغافل عن مجمل نشاطات سليماني: عندما كان شابًا حارب في الحرب العراقية الإيرانية ودافع عن إيران واستقلالها وساهم فيما بعد بنصيبه في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية داعش. ولكن لا يمكن إنكار الجانب المظلم من عمله السياسي: كان سليماني واحدًا من المخططين المجهولين والقادة العسكريين الذين شكلوا السياسة الخارجية لجمهورية إيران الإسلامية في كلّ من سوريا والعراق ولبنان واليمن وأفغانستان وأماكن أخرى في هذه المنطقة.

هذه السياسة كانت موجَّهة ضدَّ المصالح الوطنية الإيرانية وضدَّ أغلبية المواطنين الإيرانيين. لقد شاهدنا عدة مرات خلال الانتخابات الرئاسية في إيران أنَّ نسبة كبيرة من المواطنين منحوا أصواتهم للمرشَّحين الذين دافعوا عن سياسة الانفراج في المنطقة. غير أنَّ هذه الأصوات كانت تعارض تصوُّرات خامنئي، الذي استخدم سيطرته من أجل فرض إرادته على إيران.

أمَّا فيما يتعلق بالأعداد الكبيرة من المشاركين في مواكب التشييع، فلا يجوز أن ننسى أنَّ مراسم التشييع والعزاء هذه منظمة من قِبَل الدولة. من المعروف أنَّ جمهورية إيران الإسلامية تستخدم مهارة كبيرة في تنظيم الفعاليات الدعائية، مثل القيادات في الكتلة الشرقية السابقة، وتعرف أيضًا كيف تنشر ذلك إعلاميًا. لكن لو أتيحت فرصة تنظيم الفعاليات أيضًا للناقدين والمعارضين، فمن المؤكَّد أنَّنا لن نجد هنا أيضًا أي نقص في أعداد المشاركين. وعلى الرغم من ذلك فقد أدانت هذا الهجوم الأمريكي شخصياتٌ من مختلف الاتِّجاهات السياسية، وحتى المعارضين للسياسة الخارجية في الجمهورية الإسلامية، بيد أنَّ هذا لا يعني التضامن مع النظام.

يمثِّل الشعور الوطني الإيراني عاملًا مهمًا آخر، يستفيد منه النظام الديني في كلِّ مناسبة. دائمًا عندما يتعلق الأمر بأمن إيران وسيادتها، يتم دفع الأمور الأخرى إلى الخلفية. هكذا كانت الحال في الحرب الإيرانية العراقية والبرنامج النووي الإيراني والتدخُّل في سوريا. تم الترويج - باستخدام لغة تهدف إلى استنهاض شعور الإيرانيين الوطني - لجعل قاسم سليماني بطلًا كان يدافع عن أمن إيران.

 

 

وتم تصوير التدخُّلات العسكرية في المنطقة كمعركة ضدَّ داعش، كان سيضطر الإيرانيون لولا هذه التدخُّلات العسكرية - بحسب قول معروف عن خامنئي - إلى خوضها في الداخل. غير أنَّ تنظيم داعش لم يكن موجودًا بعد في ذلك الوقت في سوريا! وفي الحقيقة لقد أخفى النظام الإيراني بذلك دعمه لنظام الأسد في قمع احتجاجات المواطنين السوريين، وعلاقاته مع حزب الله اللبناني، وبالتالي تواجده على الحدود الإسرائيلية، الذي لا يريد نظام طهران التخلي عنه بأية حال من الأحوال.

أشرت في حوارك مع قناة بي بي سي الفارسية يوم الجمعة 03 / 01 / 2020 إلى أنَّ موت قاسم سليماني سيطغى على احتجاجات شهر تشرين الثاني/نوفمبر (2019) في إيران ويزيد من حدة الرقابة. هل يمكنك توضيح ذلك أكثر؟

رضا عليجاني: أثارت الاحتجاجات، التي وقعت في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر (2019) - وقد قُتل على إثرها مئات الأشخاص - موجةً من التعاطف في جميع أنحاء إيران. ارتفعت أصوات التعاطف مع المتظاهرين حتى من داخل معسكر قوى الإصلاح، على العكس مما كانت عليه الحال في احتجاجات عامي 2017 و2018. وأعلن في رسائل مختلفة أفرادٌ من مختلف المجموعات المهنية والفنَّانين والرياضيين إلخ عن تضامنهم مع حركة الاحتجاج.

ولكن الأمر الأكثر أهمية هو الصدمة التي حدثت داخل معسكر المحافظين. فقبل يوم واحد فقط من قتل قاسم سليماني، تم نشر رسالة تحمل توقيع أكثر من مائة شخص، جميعهم من الوسط المحافظ؛ وقد شغل العديد منهم في الماضي مناصبَ قياديةً في الميليشيات الطلابية بمختلف الجامعات. وفي هذا البيان تم طرح أسئلة مهمة على مرشد الثورة علي خامنئي مع التنويه إلى أنَّ الدولة ستنهار إذا استمر هذا المسار السياسي. كان من الممكن أن تكون هذه الرسالة من أهم الأخبار في إيران طيلة أسبوع وأن تؤدِّي إلى نقاشات ضرورية.

 

 

لقد كانت الحكومة عالقة في أزمة شرعية عميقة، لكن الهجوم من جانب الأمريكيين مكَّنها من المناورة والخروج من دور الطاغية وتصوير نفسها كحملٍ وديع بريء أصابه ظلم كبير. تم استخدام موت سليماني من أجل تحويل المزاج العدائي، الذي امتدَّ أيضًا داخل صفوف النظام، إلى حداد جماعي على "بطل الأمة" المفترض، بهدف خلق الانطباع بأنَّ معظم المواطنين لا يزالون يقفون خلف النظام. ولكن مثلما ذكرت سابقًا: يوجد بين المُشَيِّعين عددٌ كبيرٌ ممن يتعاطفون مع سليماني ويُدينون الهجوم، ولكن هذا لا يُغيِّر أي شيء في موقفهم الناقد للحكومة.

ربما نجح حاليًا حكَّام الجمهورية الإسلامية في صرف الانتباه عن الأحداث الدامية في شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2019، ولكن بمجرد أن تهدأ العواطف الأولى، ستعود المشكلات الاقتصادية الموجودة في الحياة اليومية إلى بؤرة اهتمام الشعب.

ما هي توقعاتك للمستقبل؟

 

 

رضا عليجاني: ما من شكّ في أنَّ تفاقم النزاع بين إيران والولايات المتَّحدة الأمريكية يساعد المتشدِّدين في إيران ويجعل الوضع بالنسبة للناشطين السياسيين أصعب مما هو عليه في الواقع. كلما زاد الخطر من الخارج، زادت القيود المفروضة على الحرِّيات القليلة أصلًا في إيران، حيث يتم خلق أجواء خوف تؤدِّي - مثلما شاهدنا ذلك في مثال سابق - إلى الرقابة وحتى إلى الرقابة الذاتية. إنَّ من مسؤولية جميع القلقين على مستقبل إيران ومصلحتها أن يدعوا إلى الهدوء والرزانة ويواجهوا المتشدِّدين المحافظين، الذين يملكون كلّ الوسائل على جميع المستويات السياسية.

 

حاورته: آزاده فتحي

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de