استراتيجية غربية فاشلة في مواجهة التيارات الجهادية؟
هل خسر الغرب حربه ضد الجهاديين؟

يتحدث مراقبون عن استراتيجية غربية فضلت المواجهة من دون الأخذ في الاعتبار بما يكفي ما يشكل أرضية خصبة للجهاديين: الحرب والفوضى وسوء الحكم والفساد، مؤكدين أن "المشكلة الأساسية ليست عسكرية" وأن "إحدى الآليات الأقوى لمنع تجنيد متشددين إسلامويين هي تزويد الناس ببدائل أفضل. الأسلحة لا تقوم بذلك".

"فشل كامل": هل خسر الغرب الحرب ضد الجهاد؟ في العام 2001 كان العدو المطلق للغرب تنظيم القاعدة خلف زعيمه أسامة بن لادن، وبعد عشرين عاما من الحرب بات الفشل واضحا إذ امتدت الحركة الجهادية وباتت جماعاتها أكثر عددا وموزعة جغرافيا بشكل أوسع.

كان الدخان لا يزال يتصاعد من برجي مركز التجارة العالمي حين أطلق الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش "الحرب ضد الإرهاب". الهدف كان نظام طالبان في أفغانستان بسبب سماحه للقاعدة بالتحضير للاعتداء الأكثر دموية ضد دولة غربية.

وبعد سنتين وانتصار عسكري لاحقا، أعلن بوش في كانون الثاني/يناير 2003 في خطابه التقليدي حول حالة الاتحاد أنه "في أفغانستان، ساهمنا في تحرير شعب مضطهد وسنواصل مساعدته على جعل بلاده آمنة وإعادة بناء مجتمعه وتعليم كل أولاده، صبية وفتيات".

لكن التاريخ لم يصغ إليه. استعادت حركة طالبان كابول وأعادت فرض الشريعة الإسلامية. سواء اعتبر خطابها المهادن ذا مصداقية أم لا فإن إسلاميين متطرفين مقربين جدا من القاعدة باتوا يديرون البلاد.

بالتالي هل فشلت الحرب ضد الإرهاب؟ يرد عبد السيد خبير الشؤون السياسية في جامعة لوند في السويد "لقد نجحوا في قتل بن لادن لكن الهدف كان إنهاء الحركة الجهادية العابرة للحدود، وهو فشل كامل".

من المؤكد أن الولايات المتحدة لم تكن ضحية لمثل هذا الهجوم منذ عام 2001. لكن الأهداف المحددة "كانت غير قابلة للتحقيق" كما يقول عساف مقدم الباحث في المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في إسرائيل مضيفا "لا يمكن هزم الإرهاب. التهديد يتطور باستمرار".

اعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن عام 2018 أن عدد المجموعات النشطة (67) في أعلى مستوى له منذ 1980. أما بالنسبة لعدد المقاتلين فانه يختلف، بحسب مصادر جمعها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، بين مئة ألف و230 ألفا أي بزيادة قدرها 270% مقارنة مع تقديرات عام 2001. حتى مع الاعتراف بأن الأرقام قد تتفاوت، فان الاتجاه غير قابل للنقاش.

نظرا إلى الإنفاق الذي حصل- أكثر من ألف مليار دولار للأميركيين وحدهم في أفغانستان - فإن الحصيلة كارثية وتشير الى أخطاء واضحة كما يقول المحللون.

كما يشار بانتظام إلى الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق عام 2003 على انه خطأ فادح. ويرى سيث جونز الخبير في شؤون الإرهاب في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "لقد أتاح للقاعدة أن تنهض مجددا ما أرسى أسس قيام تنظيم الدولة الإسلامية".

إلى جانب ذلك، يتحدث المراقبون عن استراتيجية تفضل المواجهة بدون الأخذ في الاعتبار بشكل كاف ما يشكل أرضية خصبة للجهاديين: الحرب والفوضى وسوء الحكم والفساد.

يقول توري هامينغ الباحث في قسم دراسات الحرب في كينغز كوليدج لندن إن "نزاعات مثل ذلك الذي وقع في سوريا يمكن أن تحشد آلاف المقاتلين وتجعلهم متطرفين في فترة قصيرة". ويضيف "المشكلة الأساسية ليست عسكرية". وتابع "إحدى الآليات الأقوى لمنع تجنيد متشددين إسلامويين هي تزويد الناس ببدائل أفضل. الأسلحة لا تقوم بذلك".

بعد عشرين عاما على اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر تغيرت الخارطة. كانت الحركة الجهادية برأس تجسده القاعدة وباتت الآن برأسين منذ إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية وإعلان "الخلافة" في مناطق سيطرته في سوريا والعراق قبل خمس سنوات (2014-2019) مع ارتكابه فظاعات تم بثها بشكل مباشر على شبكات التواصل الاجتماعي.

 

أخد أعضاء طالبان في أفغانستان محاط بعامة الناس. Afghanistan Taliban Kaempfer in Kabul Foto Picture Alliance
"إحدى الآليات الأقوى لمنع تجنيد متشددين إسلامويين هي تزويد الناس ببدائل أفضل": استعادت حركة طالبان كابول وأعادت فرض الشريعة الإسلامية. سواء اعتبر خطابها المهادن ذا مصداقية أم لا فإن إسلاميين متطرفين مقربين جدا من القاعدة باتوا يديرون البلاد. بالتالي هل فشلت الحرب ضد الإرهاب؟ يرد عبد السيد خبير الشؤون السياسية في جامعة لوند في السويد "لقد نجحوا في قتل بن لادن لكن الهدف كان إنهاء الحركة الجهادية العابرة للحدود، وهو فشل كامل". إلى جانب ذلك، يتحدث المراقبون عن استراتيجية تفضل المواجهة بدون الأخذ في الاعتبار بشكل كاف ما يشكل أرضية خصبة للجهاديين: الحرب والفوضى وسوء الحكم والفساد. يقول توري هامينغ الباحث في قسم دراسات الحرب في كينغز كوليدج لندن إن "نزاعات مثل ذلك الذي وقع في سوريا يمكن أن تحشد آلاف المقاتلين وتجعلهم متطرفين في فترة قصيرة". ويضيف "المشكلة الأساسية ليست عسكرية". وتابع "إحدى الآليات الأقوى لمنع تجنيد متشددين إسلامويين هي تزويد الناس ببدائل أفضل. الأسلحة لا تقوم بذلك".

 

كما تغير المدى الجغرافي للتهديد الجهادي. كانت المجموعات مقتصرة على الشرق الأوسط وهي الآن منتشرة أيضا في مختلف أنحاء أفريقيا، ومعظم أنحاء العالم العربي وكذلك في جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.

الروابط بين هذه الجماعات الجهادية محدودة وعلاقاتها مع القيادة المركزية ضعيفة في معظم الأحيان. مطالبها المحلية تعلو على الطموحات الدولية. ويشير عساف مقدم إلى أن بعضها أصبح "لاعبا سياسيا خطيرا". ويضيف "لم نعد نتحدث عن عدد قليل من الأشخاص الذين يجب وضعهم على لائحة المراقبة، لقد انتشر التهديد. هناك عدد أكبر من الأنظمة في مناطق مشتتة يواجه تطرفا عنيفا".

هكذا أصبحت أفريقيا الحدود الجديدة للحركة الجهادية بين منطقة الساحل والمغرب العربي، الصومال وليبيا، الموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويشير التوسع هنا أيضا إلى فشل.

جبهة الجهاد "انتقلت من الشرق الأوسط إلى أفريقيا ولا أعتقد أن ذلك كان متوقعا" كما تقول بريندا غيثينغو المحللة في شؤون مكافحة الإرهاب ومقرها جوهانسبورغ مشيرةً إلى عدم قدرة الغرب على "توقع ظهور ساحة معركة جديدة او الأخذ بالاعتبار قدرة أفريقيا من حيث الجهاد الجديد".

لكن في المعسكر الغربي أيضا، تغيرت الأمور. لقد تغير النظام العالمي. أدت اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر بين ليلة وضحايا إلى إعلان الإرهاب الاسلاموي "العدو الأول" للولايات المتحدة وحلفائها. ومنذ ذلك الحين، تزايد التوتر خصوصا مع إيران وروسيا وبشكل خاص الصين.

يقول سيث جونز إن "الولايات المتحدة غيرت أولوياتها" وتشعر بالقلق، على غرار عواصم غربية أخرى، من التهديد الصيني. يضيف "هناك نقاش كبير داخل مجموعة الاستخبارات الأميركية حول مسألة معرفة ما إذا يجب مواصلة الابتعاد عن مكافحة الإرهاب أم لا".

لكن هناك تهديدات أخرى بدأت تلوح. بالتأكيد، يبدو أنه لا القاعدة ولا تنظيم الدولة الاسلامية يمتلكان الوسائل اللازمة لضرب الغرب على الفور باعتداءات جماعية كما حصل في باريس في 13 تشرين الثاني/نوفمبر 2015. لكن الشرطة وأجهزة الاستخبارات تتابع أشخاصا يتحركون بمفردهم أو ناشطين معزولين وفي بعض الأحيان يكونون قد ولدوا في دول يضربونها، وغالبا ما ينتقلون إلى التطرف على الإنترنت أو يقتلون بدون تمييز تحت مسميات مختلفة بسكين أو سلاح ناري أو شاحنة.

بالتالي فإنه بعد عشرين عاما، لم يتم هزم التهديد الجهادي بعد، بل إنه تغير. كما قام بتقليده أشخاص متعصبون للعرق الأبيض أو متطرفون يمينيون.

وقال عساف مقدم إن هذا بالتأكيد هو تحدي السنوات المقبلة. وأضاف "هناك درجة معينة من التسامح والتعاطف في الغرب مع أفكار اليمين المتطرف". وتابع "هم يستمدون أفكارهم بشكل كبير من القومية التي كانت عقيدة قوية منذ قرن ونصف".

ما التهديد الذي يشكله تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان؟

ما زال تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي الذي يعتبره الأميركيون تهديدا لآلاف الأفغان الذين ينتظرون بفارغ الصبر في مطار كابول للفرار إلى الغرب، يكن كراهية شديدة تجاه طالبان، الحكام الجدد للبلاد.

وبرر الرئيس الأميركي جو بايدن قراره بالإبقاء على 31 آب/أغسطس 2021 موعدا نهائيا لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان وإنهاء عمليات الإجلاء بأن هناك "خطر هجوم خطير ومتزايد" من جانب تنظيم الدولة الاسلامية في المطار.

وأشارت لندن صباح إلى تهديد إرهابي "خطير جدا" و"وشيك" ضد مطار كابول.

بعد وقت قصير من إعلان تنظيم الدولة الإسلامية "الخلافة" في العراق وسوريا في العام 2014، أعلن أعضاء سابقون في حركة طالبان باكستان، ولاءهم لزعيم الجماعة أبو بكر البغدادي.

وانضم إليهم لاحقا أفغان محبطون ومنشقون من حركة طالبان وفي أوائل العام 2015، اعترف تنظيم الدولة الاسلامية بإنشاء ولاية له في خراسان.

وخراسان هو الاسم القديم الذي يطلق على منطقة تضم أجزاء من أفغانستان الحالية وباكستان وإيران وآسيا الوسطى.

أنشأت الدولة الإسلامية في العراق والشام-ولاية خراسان رأس جسر عام 2015 في منطقة اشين الجبلية، في مقاطعة ننغارهار في شرق أفغانستان، وهي الوحيدة التي تمكنت من إقامة وجود ثابت وكذلك في منطقة كونار المجاورة.

وفي كل المناطق الأخرى، اشتبكت الجماعة مع طالبان رغم أنها تمكنت من تشكيل خلايا نائمة في أماكن أخرى في أفغانستان، خصوصا في العاصمة، وفي باكستان، وفقا للأمم المتحدة.

وتفيد أحدث التقديرات بأن أعداد مقاتليها تتراوح بين 500 وبضعة آلاف بحسب تقرير لمجلس الأمن الدولي صدر في تموز/يوليو 2021.

وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان مسؤوليته عن بعض أكثر الهجمات دموية في السنوات الأخيرة في أفغانستان وباكستان. ذبح مدنيين في مساجد ومستشفيات وأماكن العامة.

 

أسامة بن لادن تصوير رملي في الهند. Indien Sandskulptur Osama bin Laden Foto dapd
"شوّه صورة الإسلام ووسم المسلمين عن غير حقّ بـ"الإرهاب"": بالنسبة إلى المسلمين، وإن كان بعضهم لم يتردّد في المجاهرة بتأييد أسامة بن لادن، لكن كثيرين يؤكدون أنه شوّه صورة الإسلام ووسم المسلمين عن غير حقّ بـ"الإرهاب". ويبقى بن لادن مؤسس الجهاد العالمي.

 

واستهدفت الجماعة السنية المتطرفة بشكل رئيسي المسلمين الذين تعتبرهم كفارا، خصوصا الشيعة.

وفي آب/أغسطس 2019، أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم على شيعة خلال حفلة زفاف في كابول، أسفر عن مقتل 91 شخصا.

وأسفر هجوم في أيار/مايو 2020 استهدف مستشفى للتوليد في حي تقطنه أغلبية شيعية في كابول، عن مقتل 25 شخصا من بينهم 16 أما ورضيعا.

وفي الولايات التي تمركزت فيها، ترك وجودها آثارا عميقة. أطلق مقاتلوها النار على قرويين وقطعوا رؤوسهم وعذبوهم وأرهبوهم وتركوا ألغاما أرضية في كل مكان.

رغم أنهما مجموعتان سنيتان متطرفتان، فهما تختلفان من حيث العقيدة والاستراتيجية، وتتنافسان حول تجسيد الجهاد.

وكدليل على العداء الشديد بينهما، وصفت بيانات لتنظيم الدولة الإسلامية طالبان بالكفار.

واجه تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان قمعا من طالبان استهدف المنشقين عنها ولم يتمكن من توسيع أراضيه، بخلاف النجاح الذي حققه التنظيم في العراق وسوريا.

في العام 2019، أعلن الجيش الحكومي في أفغانستان، بعد عمليات مشتركة مع الولايات المتحدة، هزيمته في ولاية ننغرهار (شرق).

ووفقا لتقديرات الولايات المتحدة والأمم المتحدة، يعمل تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان منذ ذلك الحين من خلال خلاياه النائمة في المدن، من أجل شن هجمات كبيرة.

انتقد تنظيم الدولة الإسلامية بشدة الاتفاق الذي أبرم في شباط/فبراير 2020 في الدوحة بين واشنطن وطالبان والذي ينص على انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان، متهما الحركة بالتراجع عن القضية الجهادية.

وبعد دخول كابول والاستيلاء على السلطة في 15 آب/أغسطس 2021، تلقت طالبان تهنئة من العديد من الجماعات الجهادية، لكن ليس من تنظيم الدولة الإسلامية.

لكن التنظيم قد يستفيد من انهيار أفغانستان. وأشار "مستر كيو"، وهو متخصص غربي في شؤون تنظيم الدولة الإسلامية وينشر بحوثه على تويتر تحت هذا الاسم المستعار، إلى 216 هجوما نفذه تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان بين الأول من كانون الثاني/يناير و11 آب/أغسطس 2021، مقارنةً بـ 34 هجوما خلال الفترة نفسها من العام الماضي 2020.

وقال لوكالة فرانس برس: "هذا الأمر يجعل أفغانستان من أكثر ولايات تنظيم الدولة الإسلامية نشاطا. ليس كل شيء مرتبطا مباشرة بالانسحاب الأميركي، لكن انتصار طالبان يوفّر متنفسا لتنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان".

وأقر كولن كلارك مدير مركز صوفان للبحوث الجيوسياسية في نيويورك بأن "انهيار الجيش الأفغاني هو تذكير غريب لما رأيناه في العراق عام 2011. أخشى أن يتكرر الوضع في أفغانستان، مع تطور تنظيم الدولة الاسلامية وانبعاث القاعدة".

يقول المسؤولون الأميركيون إن المطار الذي يضمن أمنه جنودهم ويتجمع فيه آلاف الأفغان الراغبين في مغادرة بلادهم، عرضة لتهديد مباشر من تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان.

ودعت الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا ليل الأربعاء الخميس 26 / 08 / 2021 رعاياها إلى الابتعاد بأسرع ما يمكن عن المطار بسبب تهديدات "إرهابية".

وفي الأيام الأخيرة، غادرت طائرات نقل عسكرية كابول بإطلاق مواد متوهجة، وهي تستخدم خصوصا بهدف تشتيت الصواريخ.

ويقول خبراء إن المنطقة معرضة في آن واحد للقذائف والتفجيرات الانتحارية.

وقد لاحظ العديد من المحللين، بما في ذلك شركة "أكستراك" المتخصصة في معالجة البيانات حول الجماعات الجهادية، أن نشاط تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية خراسان توقف فجأة لمدة 12 يوما.

لكن الشركة قالت عبر تويتر إن الفروع التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية تميل إلى التحفظ عندما تدخل "في وضع الحفاظ على الوجود" أو عندما تستعد لعملية واسعة النطاق. وتستبعد "اكستراك" الفرضية الأولى، وقالت في سلسلة تغريدات إن "هناك الكثير من الأهداف المثالية في الوقت الحالي" للتنظيم.

يدعم هذه الفرضية أيضا الخبير "مستر كيو" الذي صرح لوكالة فرانس برس أن "صمت (التنظيم) مثير للفضول ولكن يمكن فهمه"، مؤكدا خمول تنظيم الدولة الإسلامية في الآونة الأخيرة. وأضاف أنه "يمكن أن تكون الجماعة بصدد تحليل الوضع بعد تولي طالبان السلطة أو الاستعداد لشنّ هجوم كبير محتمل، لتظهر للعالم بأسره عدم قدرة القادة الأفغان الجدد على تأمين المنطقة".

ماذا بقي من إرث بن لادن بعد عشر سنوات على قتله؟

ماذا بقي من إرثه بعد عشر سنوات على قتله على أيدي الأميركيين؟ أسامة بن لادن الذي كان أول من دعا الى الجهاد العالمي وأدرك أهمية الإعلام الدعائي.

ألقى الأميركيون جثة بن لادن بعد قتله في باكستان في البحر، لمنع تحوّل قبره إلى رمز لمعاداة الأميركيين ومحجة للإسلاميين الجهاديين المتطرفين. ورغم أن قوة تنظيمه تراجعت إلى حدّ كبير بعد مقتله، إلا أنه يبقى رمزًا بالنسبة الى العديد من الجهاديين، وبينهم مثلا عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الذي ملأ الفراغ في الساحة الجهادية بعد القاعدة.

بالنسبة إلى المسلمين، وإن كان بعضهم لم يتردّد في المجاهرة بتأييده بن لادن، لكن كثيرين يؤكدون أنه شوّه صورة الإسلام ووسم المسلمين عن غير حقّ بـ"الإرهاب".

ويبقى بن لادن مؤسس الجهاد العالمي. وقد تمكّن من تجنيد عدد ضخم من العناصر في تنظيمه ومن تعبئة آخرين في دول أخرى غير أفغانستان حيث بدأ معركته ضد الأميركيين، خصوصا لأنه أدرك أهمية السياسة الدعائية والترويجية لعقيدته.

تقول الباحثة كاثرين زيمرمان من مركز "كريتيكال ثراتس بروجكت" التابع لمعهد "أميركان إنتربرايز" إن "صورة بن لادن صمّمت بشكل يجعله قائدا روحيا وعسكريا للجهاد".

ويؤكد مدير مركز "صوفان" للأبحاث كولين كلارك أن هذه الصورة التي روّجت له نجحت في تجنيد مقاتلين. ويقول "حتى وإن تعرّض للانتقاد أحيانا لتعلقّه بالإعلام، إلا أنه كان في الواقع مدركا لأهمية المنصات الإعلامية الرئيسية في بث رسالة القاعدة".

ومنذ بروز بن لادن وتنظيمه، صرف الغرب مئات مليارات الدولارات لاجتثاث الإرهاب، من دون أن ينجح في ذلك. وعدد الجهاديين اليوم في العالم يفوق العدد الذي كانوا عليه قبل عشرين عاما.

عندما أرسل طائرات لتصدم برجي التجارة العالمية في نيويورك في 11 أيلول/سبتمبر 2001 وتقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص، تحدّى بن لادن الولايات المتحدة وأذلّها وأغرقها في حداد، وأثار الحماسة في المقابل في جيل من الجهاديين للتحرك ضد الغرب، ولو أنه عاش هو كل حياته مختبئا.

 

أعضاء من حركة طالبان في كابول - أفغانستان. Afghanistan Taliban in Kabul  Foto Reuters
عداوة بين طالبان وتنظيم الدولة الإسلامية: ما زال تنظيم الدولة الإسلامية الجهادي الذي يعتبره الأميركيون تهديدا لآلاف الأفغان الذين انتظروا بفارغ الصبر في مطار كابول للفرار إلى الغرب، يكن كراهية شديدة تجاه طالبان، الحكام الجدد للبلاد. رغم أنهما مجموعتان سنيتان متطرفتان، فهما تختلفان من حيث العقيدة والاستراتيجية، وتتنافسان حول تجسيد الجهاد. وكدليل على العداء الشديد بينهما، وصفت بيانات لتنظيم الدولة الإسلامية طالبان بالكفار. وبعد دخول كابول والاستيلاء على السلطة في 15 آب/أغسطس 2021، تلقت طالبان تهنئة من العديد من الجماعات الجهادية، لكن ليس من تنظيم الدولة الإسلامية. لكن التنظيم قد يستفيد من انهيار أفغانستان. في الصورة: أعضاء من طالبان في كابول.

 

بعد عشرين عاما من الاعتداءات التي حملت توقيعه، استعدت الولايات المتحدة لمغادرة أفغانستان من دون أن تدعي النصر. ويقول كلارك إن بن لادن ضرب القوة العالمية الأولى، و"جرّها إلى حرب استنزاف في أفغانستان لا يمكن أن تربح فيها".

حوّل بن لادن مناطق الحرب التي قاتل فيها إلى حقول تدريب وخصّص ثروته لتمويل مقاتلين في أفغانستان والشيشان، مرورا بالبوسنة والصومال. وخلق مجموعات عديدة غّذت الشبكات الجهادية في العالم.

وتغيّر المشهد الجهادي بعد موته. فلم تعد القاعدة التنظيم الجهادي العالمي الأول، بل أصبح تنظيم الدولة الإسلامية في الواجهة. ولم يتوحد التنظيمان، بل هما غالبا ما يتقاتلان عسكريا وعقائديا.

قتل بن لادن قبل هذا الانقسام الكبير بين التنظيمين الذي حصل في 2014 وانطلق من سوريا والعراق.

ويقول مؤسس الموقع الإلكتروني المتخصص بالشؤون الجهادية "جهادولوجي" آرون زيلين إن "كوادر تنظيم الدولة الإسلامية لا يزالون ينظرون بإعجاب" إلى بن لادن، مضيفا أن التنظيم "يرى نفسه أحد الورثة الشرعيين لبن لادن".

لكن الكاتب غلين روبنسون الذي وضع مؤخرا كتابا عن الجهاد العالمي يرى أن بن لادن "بالنسبة إلى كثيرين ينتمي إلى الماضي".

وهناك انقسام حول الإرث العقائدي الذي تركه. ويرى بعض الجهاديين أن مهاجمة الولايات المتحدة على أرضها أعطت نتيجة عكسية.

وكتب المنظر الجهادي أبو مصعب السوري في مقال نشر على حسابات جهادية على الإنترنت "إنها حماقة استراتيجية".

ويقول روبنسون "يُنظر في أوساط كثيرة إلى استراتيجيته باستهداف أميركا أولا، العدو البعيد، على أنها خطأ كبير"، مضيفا "الدليل هو أن عددا قليلا جدا من الجهاديين ساروا على هذا الطريق".

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة