
الإسلام القديم والإسلام الجديدكيف كان وينبغي أن يكون "تجديد" الإسلام؟
تجديد الإسلام وتحديثه، من أكثر المطالب إلحاحًا وحيويةً في المجتمع الشرقي وسائر المجتمعات والتجمعات الإسلامية في جميع أطراف المعمورة. وهو ـ بشكل أو بآخر ـ سيرورة جارية على قدم وساق.
وقد بدأ به علماء الإسلام ومفكروه المحدَثون، والنُّظُم الحديثة في البلدان الإسلامية، وحتى بعض الدُّعاة والوُعّاظ العصريّين، وكذلك بفعل القطيعةِ الثقافية وتغيرِ نمط الحياة والمعيشة والتعايش، وحتى الاغترابِ و "الشتاتِ" الإسلامي.
وأقول التجديد والتحديث، ولا أقول الإصلاح الديني، الذي تمّ فعلا في الإسلام السني على يد الحركة الوهّابية إصلاحا دينيا على غرار الإصلاح الديني البروتستانتي، فما فعله محمد بن عبد الوهّاب بالإسلام السني الأشعري الصوفي؛ لا يقلّ عن ما فعله مارتن لوثر بالمسيحية الكاثوليكية البابوية.
ولكن الإصلاح الديني، بما أنه دعوة العودة إلى الجذور وإلى النصوص المؤسِّسة واطّراح النصوص الثانوية والتقاليد الأمميّة المؤمِّمة "المبتدِعة" (دعوة "العودة إلى الكتاب والسنة" ـ في الإصلاح الوهّابي، ودعوة "سولا سكريبتورا" في الإصلاح البروتستانتي)؛ فإنه يكون في النهاية تأسيسا للأصولية الدينية، مما يؤدّي إلى انتكاسة حضارية تجعل العقل الديني يبدأ من نقطة الصفر من جديد قاضيًا على المراحل التي تجاوزها في تاريخ تطوّره وسياقات تأمُّمه وتوطُّنه في الثقافات المختلفة، ويؤدي إلى إحياء ثقافة قديمة لتصطدم بالثقافة الحديثة.
فالأصولية الدينية هي بَعْث الدين كثقافة كاملة كما كان في يومه وليس كانتماء ديني/طائفي ورمزيّ يتمثل في رموز وطقوس، فتكون محاولة بائسة لإحلال ثقافة قديمة تاريخية محلَّ ثقافة حديثة حيّة. وهذا يشي بضرورة التجديد والتحديث بديلا للإصلاح.

يحق لـ "الإسلام الجديد" ما كان يحق لـ "الإسلام القديم"
لكن يجب أن يكون هذا التجديد من دون "إسقاط" الإسلام الجديد على القديم ومن دون ادّعاء اتّباع الإسلام القديم الموروث كما هو، فيجب أن يعدّ الإسلام الجديد تجربة جديدة ومن مقتضيات العصر الجديد وتوفيقا مع ثقافة المجتمع الحديث وقوانين الدولة الحديثة (ويحقّ له هذا، كما حقّ للإسلام القديم أن يكون متوافقا مع ثقافة المجتمع القديم وقوانين الدولة القديمة)، ولا يشترك مع الإسلام القديم إلا بأصول العقائد والأخلاقيات والعبادات الأساسية وأصول الأحكام دون بعض الجزئيات.
والإسلامُ القديم، وهو الإسلام "ثقافةً" كاملةً، تجربةٌ أولى للإسلام لها تاريخها ورجالاتها ومذاهبها، وتأثرت تماما بالرؤى الكونية والقوانين والأعراف والأنظمة الاجتماعية والسياسية السائدة في تلك الأزمان، ولا يمكن إسقاط التجربة الإسلامية الجديدة على تلك التجربة القديمة.
فلا ينبغي أن يُعمَد إلى تأويل النصوص المنتَجة في الإسلام القديم واستنطاقها لتنطق بمبادئ الإسلام الجديد (وإن كان هذا الاستنطاق ضرورة عمليّة مرحليّة من أجل المشروعيّة الدينية الجماهيرية والإبقاء على الانتماء الرمزي)، وإنما تُقسّم نصوص الإسلام القديم ومبادؤه قسمين: قسم هو النصوص والمبادئ الأساسية الكونية (تتمثل في العقائد والأخلاقيات والعبادات الأساسية وأصول الأحكام) والتي تؤلّف قدرا مشتركا بين القديم والجديد ويمكن أن يمثل هوية إسلامية ثابتة، وقسم هو النصوص والمبادئ الثانوية التي اقتضتها التجربة القديمة، فتُعدّ من "تاريخ" الإسلام القديم وتجربة إسلامية سابقة، من دون تستُّر على هذا التاريخ وجوانبه السلبية ولا ترقيع له من خلال الأدب الدفاعي (الأبولوجي) والتسويغات و "الردود" التي تصير غالبا جزءا ـ وجزءا غريبا غير متوافق ـ من الفكر الديني والمادة الأساسية للدعوة الدينية.
تعليقات القراء على مقال : كيف كان وينبغي أن يكون "تجديد" الإسلام؟
الإسلام القديم والإسلام الجديد ..لا اعتقد انها عبارة مناسبة ، هي تستدعي تراث افرنجي لا صلة لنا به ولا تساعد علي بناء قنطرة للتفاهم المتبادل
حسين الشريف21.08.2018 | 00:40 Uhr