كارثة من نوع آخر في العالم العربي الإسلامي

الدول المشاركة في مؤتمر المناخ المُنعقد عام 2016 في مراكش تريد مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري. ولكن حتى لو انخفضت في المستقبل الانبعاثات الغازية المسبِّبة للاحتباس الحراري: فإن تغيُّر المناخ الموجود حاليا سوف تكون له عواقب وخيمة بالنسبة للمغرب، البلد المضيف لهذا المؤتمر، وبالنسبة للعالم العربي والإسلامي برمَّته. شتيفان بوخن يسلط الضوء لموقع قنطرة على تغيُّر المناخ وعواقبه على العالم الإسلامي.

الكاتبة ، الكاتب: Stefan Buchen

من المعروف أنَّه لا يوجد في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط أي نقص في الأزمات. إذ إنَّ الحروب المستعرة في منطقة الهلال الخصيب وفي كلّ من اليمن وليبيا أصبحت في هذه الأثناء أمرًا مألوفًا مثلما هي الحال في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني الذي لا يزال مشتعلاً بشكل خطير.

وتركيا باتت تتحوَّل بشكل تدريجي إلى دكتاتورية، في حين أصبحت مصر - التي عادت بالفعل إلى الديكتاتورية - تواجه الإفلاس. فمصر التي كانت في السابق "سلة خبز" على نهر النيل، لم تعد تنتج منذ عشرات السنين ما يكفي من الغذاء لسكَّانها الذين تتزايد أعدادهم بسرعة. والآن لم تعد الحكومة المصرية قادرة على دفع ثمن وارداتها من الحبوب الضرورية. وفي الدول التي تبدو مستقرة - مثل المغرب - أصبحت أصغر شرارة قادرة على إشعال موجة جديدة من الاحتجاجات.

وكلُّ هذا يكفي بالفعل للوصول إلى مستوًى مرتفع من اليأس. ولكن مع ذلك فإنَّ هناك كارثة من نوع آخر، باتت تجتمع الآن مع هذه الظروف السياسية والاجتماعية. وهذه الكارثة ليس بمثابة الاصطدام القوي أو المثير للانتباه، بل يبدو أنَّها تزحف بصورة تدريجية وغير ملحوضة إلى حدّ ما. ويكمن الخطر في عدة أمور من بينها أنَّ التغييرات الطفيفة تبدو على المدى القصير "حالة اعتيادية". يصف العالم الأمريكي جاريد دايموند بمصطلح "الاعتيادية الزاحفة" عدم قدرة الناس على الاعتراف أصلاً بهذه الكارثة.

لم تشهد المنطقة الممتدة بين الدار البيضاء ودبي درجات حرارة منخفضة في الصيف قطّ. ويعرف ذلك كلُّ شخص جلس على شاطئ البحر الأحمر في منتجع دهب في شهر تموز/يوليو من دون مظلة، أو مَنْ زار في منتصف النهار الأهرامات في الجيزة أو قصر چهل ستون في أصفهان، أو مَنْ سار فقط مائة متر في الشارع في العاصمة القطرية الدوحة. وإذا أمعنا النظر، فسنجد أنَّ معدَّل ​​درجات الحرارة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يرتفع خاصة في فصل الصيف.

مناطق شاسعة غير صالحة للسكن

Ägypter bei der Wasserentnahme an einem Brunnen im Wadi Lahmi, Foto: picture-alliance/dpa/M.Tödt
Versiegende Ressourcen, foranschreitende Desertifikation: Ägypten, die einstige "Kornkammer" am Nil, produziert schon seit Jahrzehnten nicht mehr genug Nahrungsmittel für die schnell wachsende Bevölkerung. Jetzt kann die Regierung die nötigen Getreideimporte nicht mehr bezahlen.

لقد دقَّق في ذلك باحثون من معهد ماكس بلانك للكيمياء. وجاءت توقُّعاتهم مُحْبِطة. وباستخدام المحاكاة من خلال الكمبيوتر توقَّعوا أن يرتفع معدَّل درجات حرارة المنطقة حتى منتصف القرن الحالي بنحو أربع درجات مئوية. كما أنَّ عدد الأيَّام الحارة للغاية مع درجات حرارة قصوى تبلغ ستًا وأربعين درجة مئوية وأعلى من ذلك سوف يزداد خمسة أضعاف من ستة عشر يومًا في الوقت الراهن إلى ثمانين يومًا في السنة. وعندئذ لن تنخفض درجات الحرارة في الليل عن ثلاثين درجة مئوية.

"المناخ في أجزاء شاسعة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط يمكن أن يتغيَّر في العقود المقبلة، بحيث أنَّه سوف يصبح بالفعل معاديًا للحياة"، مثلما يقول الباحث المختص في الغلاف الجوي جوس ليليفيلد، المشرف على هذه الدراسة، التي تم نشرها هذا العام. ولذا فإنَّ هذه المناطق باتت مهدَّدة بأن تصبح "غير صالحة للسكن" بالنسبة للكثير من الكائنات الحية بما فيها البشر.

وبطبيعة الحال فإنَّ الحديث عن هذه "الكارثة" بوصفها ابتلاءً من الله يعتبر أمرًا ليس دقيقًا. وذلك لأنَّ هذا السيناريو المرعب هو من دون شكّ نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري التي صنعها الإنسان. إذ إنَّ البشر قد أطلقوا في الهواء خلال المائتي عام منذ بداية الثورة الصناعية الكثير من ثاني أكسيد الكربون، وزادوا بذلك تأثير الاحتباس الحراري الطبيعي.

ولكن في الواقع إنَّ ارتفاع درجات الحرارة لا ينتشر بشكل متساوٍ في جميع أنحاء العالم، بل هو في بعض المناطق أعلى بكثير مما هو عليه في مناطق أخرى: على سبيل المثال في منطقة القطب الشمالي - وفي المناطق الجافة وشبه الجافة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.

وارتفاع درجات الحرارة يؤدَّي حتى في يومنا هذا إلى تطاير المزيد من الغبار الجاف. ولذلك فقد ازداد التلوث بالجسيمات والدخان العادم بنسبة سبعين في المائة خلال عقدين في كلّ من المملكة العربية السعودية والعراق وسوريا، مثلما يقول الباحثون في معهد ماكس بلانك.

تحت غطاء العواصف الرملية

وهذا يحدث أيضًا من دون أن تُدمِّر قاذفات القنابل ومدافع الهاوزر المباني الخرسانية في حلب والفلوجة وتحوِّلها إلى غبار ورماد. وما من شكّ في أنَّ تغيُّر المناخ في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يتفاعل مع المسار السياسي للأحداث. ففي شهر أيَّار/مايو 2015 استولت كتيبة من تنظيم "الدولة الإسلامية" على مدينة الرمادي العراقية تحت غطاء العواصف الرملية والغبار. وقد حال ذلك دون إقلاع طائرات التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية".

وإذا عدنا بالزمن خطوة صغيرة إلى الوراء، فسنلاحظ أنَّ فترة القحط والجفاف، التي استمرَّت أربعة أعوام قبل عام 2011، قد ساهمت في زيادة الاستياء واليأس لدى سكَّان المناطق الريفية في سوريا. وعند البحث في الأسباب التي أدَّت إلى الانتفاضة ضدَّ نظام الأسد لا يمكننا تجاهل تلك الفترة من القحط والجفاف.

في هذا الشهر، تشرين الثاني/نوفمبر، يلتقي في مراكش خبراء المناخ العالميون. وفي هذا المؤتمر من المفترض أن تشرح الدول المشاركة كيف ستفي عمليًا بوعودها التي قطعتها في باريس من أجل الحدّ من زيادة معدَّل ​​درجات الحرارة العالمية بما لا يزيد عن درجتين مئويتين.

 لم يشهد العالم هذه المستويات من ثاني أكسيد الكربون في الهواء مثلما هي الحال في العام 2015
تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسب تُنذر بالخطر: لم يشهد العالم هذه المستويات من ثاني أكسيد الكربون في الهواء مثلما هي الحال في العام الماضي 2015. ويتَّضح هذا من أحدث تقرير حول الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري، أصدرته مؤخرًا المنظمة العالمية للأرصاد الجوية WMO في جنيف. بحسب هذه المنظمة التابعة للأمم المتَّحدة فإنَّ متوسَّط تركيز غازات الاحتباس الحراري بلغ في عام 2015 ما نسبته 400 جزء في المليون. وبهذا فقد تم بلوغ قيمة ذات دلالات رمزية.

والخبر السيء بالنسبة لمدينة مراكش والبلدان الواقعة معها على خط العرض نفسه: حتى لو تمكَّن العالم من خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في المستقبل، فإنَّ سكاَّن شمال أفريقيا والشرق الأوسط سيشهدون في الجيل المقبل ارتفاعًا في درجات الحرارة يبلغ معدله أربع درجات مئوية بالمقارنة مع الفترة قبل الثورة الصناعية.

وإذا استمرت انبعاثات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري من دون رادع (مع استمرار "سيناريو العمل كالمعتاد")، فإنَّ الباحثين يتوقَّعون أن يصل عدد الأيَّام الحارة للغاية حتى إلى مائتي يوم في السنة في بلدان شمال أفريقيا والشرق الأوسط  في نهاية القرن الحالي.

عندما تتم مناقشة الأسباب المؤدِّية إلى الأوضاع السياسية المؤسفة في العالم العربي والإسلامي، كثيرًا ما ترد أطروحات "التدمير" الخارجي و"التدمير الذاتي". وهنا يتعلق الأمر بالسؤال عما إذا كان سبب التدهور في هذه المنطقة يعود إلى الاستعمار والتدخُّل الخارجي أو إذا كان "السكَّان المحليون هم المسؤولين".

وتغيُّر المناخ في شمال أفريقيا والشرق الأوسط سوف يشعل هذا النقاش من جديد وبشكل مختلف. إذ إنَّ الدول المصدِّرة للنفط، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تميل دائمًا إلى لعب دور المُعَرقل في مؤتمرات المناخ، ووضع مصالحها الاقتصادية في تصدير النفط والمواد الخام قبل ضرورة الحدّ من انبعاثات الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري. وزبائنهم في أمريكا الشمالية وأوروبا والصين واليابان يساهمون من خلال استهلاكهم المفرط للوقود الأحفوري أكثر من جميع الدول الأخرى في ارتفاع درجات حرارة الأرض.

وعلى الأرجح أنَّ النقاش الجديد المتوقَّع حول السؤال عن الطرف المسؤول عن عدم صلاحية السكن في أجزاء من شمال أفريقيا والشرق الأوسط بسبب تغيُّر المناخ لن يظل مجرَّد ممارسة نظرية مثلما هي الحال مع الجدال القديم حول عواقب الاستعمار وآثاره.

وبإمكان كلّ مَنْ يريد التحقُّق من ذلك أن يلاحظ حتى في يومنا هذا جفاف بساتين الفستق وتيبُّسها في إيران ومرض بساتين النخيل بالقرب من مراكش وكذلك العواصف الرملية في بغداد. وتوجد أمثلة كثيرة تشير إلى ذلك. وفي الدول الواقعة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يعيش خمسمائة وخمسين مليون نسمة. وفي هذا الصدد يتوقَّع العالِم جوس ليليفيلد وفريقه أنَّ "الكثير من الناس يمكن أن يغادروا هذه المنطقة عاجلاً أم آجلاً".

وعندئذ من وجهة نظر الغرب سوف "تبدو المحبة المسيحية وكأنَّها في أحسن الأحوال ممارسة لحالة ودية أخلاقية" - مثلما يُعبِّر عن ذلك الباحث الألماني البارز المختص في المناخ هانز يؤاخيم شيلنهوبر.

 

 

شتيفان بوخن

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016

ar.Qantara.de

 

يعمل المؤلف شتيفان بوخِن صحفيًا تلفزيونيًا لصالح برنامج "بانوراما" وبرامج أخرى في القناة الألمانية الأولى ARD.