
الاحتجاجات الجماهيرية في الجزائر قبل الانتخابات الرئاسية 2019انتفاضة جزائرية فعالة ضد ولاية بوتفليقة الخامسة
لقد كُسِرَ المحظور، وبات رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة البالغ من العمر اثنين وثمانين عامًا على شفا الهاوية. منذ منتصف شهر شباط/فبراير 2019، تظاهر مواطنو هذا البلد - الذين يعتبر معظمهم من الشباب -بشكل متواصل تقريبًا- ضدَّ الترشيح، المثير لجدالات شديدة، من جانب رئيس الدولة الحاكم منذ عام 1999، ثم تطورت المظاهرات إلى حركة جماهيرية يكاد من المستحيل إيقافها.
وحتى في الجزائر العاصمة، حيث تم حظر المظاهرات فعليًا منذ عام 2001، سار المتظاهرون بشكل شبه يومي وإلى حدّ كبير من دون عوائق في مسيرات احتجاجية تجوب وسط المدينة.
بعد أن كان قد تظاهر في الخامس عشر من شهر شباط/فبراير 2019 عدة مئات من الأشخاص في منطقة القبائل الأمازيغية شرقي الجزائر العاصمة وفي عدة مدن في شرق الجزائر ضدَّ ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، لبَّى بعد ذلك بأسبوع مئات الآلاف من الأشخاص دعوات احتجاج غير معروفة المصدر -أغلبها على شبكات التواصل الاجتماعي- وخرجوا إلى الشوارع في عموم البلاد ضدَّ منظومة الحكم المعروفة في الجزائر باسم "لُو بوفوار"، أي: السلطة.
ومنذ ذلك الحين تقوم مجموعات الطلاب والمحامين والصحفيين والنقابات العمالية المستقلة وكذلك المعارضة السياسية الحزبية ومنظمات المجتمع المدني، مثل الجمعية الوطنية للشباب الناشطة جدًا "تجمُّع عمل شبيبة" (RAJ)، بالتعبئة ضدَّ النظام الحاكم وتطالب ببداية سياسية جديدة.
لقد ردَّت في هذه الأثناء "عشيرة" بوتفليقة في جهاز السلطة على موجة المظاهرات، غير أنَّها لا تزال مُصِرة على التمسُّك بهذا المنصب الأقوى رسميًا في الدولة وترفض حتى هذه اللحظة وبكلِّ حزم الاستجابة للمطالب الرئيسية التي تطالب بها حركة الاحتجاج.
يوم الأحد 03 / 03 / 2019، توجَّه -في رسالة إلى الجماهير- الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الجالس على كرسي متحرِّك منذ إصابته بجلطة دماغية في عام 2013، وأعلن فيها أنَّه "سمع آهات المتظاهرين". وكذلك أكَّد في هذه الرسالة أنَّه في حال إعادة انتخابه في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2019 فسيدعو إلى إجراء انتخابات مبكِّرة خلال عام واحد ولن يترشَّح مرة أخرى فيها.
ولكن بعد ساعات فقط، خرج عشرات الآلاف من الأشخاص في شوارع مدينة سكيكدة وسطيف وقالمة وقسنطينة ووهران وباتنة والجزائر العاصمة وفي كثير من الأماكن الأخرى في الجزائر، وكانوا يردِّدون حتى وقت متأخر من الليل شعارات ضدَّ بوتفليقة وضدَّ نظامه الذي يعتبر شديد الفساد.

ومثلما كانت الحال في الأسابيع السابقة، فقد بقيت أيضًا مسيرات الاحتجاج العفوية يوم الأحد سلمية بشكل ملحوظ. حيث أظهر الشباب الجزائري بشكل مثير للإعجاب كيف يمكن وضع النظام السلطوي تحت الضغط بشكل مؤثِّر وفعَّال من خلال تكتيكات دفاعية وغير عنيفة. وقد بات من الواضح منذ عدة أيَّام: أنَّ تنحي بوتفليقة لم يعد سوى مسألة وقت نظرًا إلى هذه الاستراتيجيات.
في المظاهرات الكبيرة في الجزائر العاصمة في الأوَّل من شهر آذار/مارس 2019، خرجت واحدة من أكبر المسيرات الاحتجاجية من "غراند بوست" في قلب الجزائر العاصمة وسارت حتى شارع ديدوش مراد.
وعندما وقفت شرطة مكافحة الشغب عند ساحة أودين في طريق المسيرة وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على جموع المتظاهرين، ردَّد المتظاهرون "سلمية، سلمية" - وغيَّروا ببساطة الطريق.
كذلك حمل الكثير من المتظاهرين معهم باقات من الزهور، التي قدَّموها لقوَّات الأمن، وقد عملت هذه الإيماءة الداعية لنزع السلاح على توفير أجواء مريحة باستمرار. سارت النساء والرجال والشباب والمتقاعدون وحتى العائلات مع أطفالها لساعات طويلة عبر وسط المدينة.