
التصدي للتطرف - سردية دينية مضادة للجهادية السلفيةإماطة اللثام عن استغلال المتطرفين للإسلام
تُبذَل جهود مطّردة في مختلف البلدان ذات الأكثرية المسلمة لمكافحة التطرف عن طريق السرديات الدينية المضادّة. لكن في حين أن دراسة جديدة عن أكثر من ثلاثة آلاف نص ديني متنوّع تُبرز الطاقات الغنيّة التي يتمتع بها الإسلام التقليدي بما يُتيح له دحض التفسيرات الفقهية المتطرّفة، تجد الدراسة أيضاً أن الجهود الآيلة إلى وضع سرديات مضادّة تفشل في التصدّي كما يجب لإساءة استعمال نصوص القرآن والحديث النبوي من قبل المتطرّفين ولجوئهم إلى مفاهيم دينية خلافية.
يسلّط تحليل النصوص المعاصرة التي وضعتها مجموعات تنتمي إلى أطياف أيديولوجية واسعة، الضوء على أن الجهادية السلفية، التي تعتنقها مجموعات على غرار الدولة الإسلامية والقاعدة، مختلفة بطريقة ملموسة عن الإسلام السنّي التقليدي. فقد تبيّن لدى التدقيق في عيّنة من آلاف الوثائق، أنه من أصل خمسين آية قرآنية يُستشهَد بها أكثر من سواها في النصوص الجهادية السلفية، ثمانية في المئة منها فقط تُستخدَم أيضاً على نطاق واسع في المواد التقليدية.
تلجأ النصوص الجهادية السلفية إلى الاستشهاد بصورة مكثّفة بالقرآن والأحاديث النبوية بهدف تبرير الأيديولوجيا الجهادية السلفية، مع الإشارة إلى أن عدد المراجع القرآنية التي ترد الإشارة إليها في تلك النصوص أكبر بخمس مرات من العدد في النصوص التقليدية، إلا أنهم يعتمدون الانتقائية في اختيارهم للآيات القرآنية، مستندين إلى مجموعة صغيرة من الآيات لتأكيد موقفهم الأيديولوجي. أما النصوص التقليدية فتلجأ إلى الاقتباس من مجموعة أوسع من الآيات، ما يعكس تركيزاً مواضيعياً أوسع نطاقاً.
تتسبّب هذه الانتقائية في اختيار الآيات والأحاديث النبوية بإضعاف المحاججات التي يسوقها العقائديون الإسلامويون والمناهضون للمسلمين على السواء، والتي يدّعون من خلالها أنه للمتطرفين شرعية دينية أكبر بالمقارنة مع التفسيرات التقليدية. قد تكون الإضاءة على المراجع الانتقائية والضيّقة التي يستخدمها المتطرفون من النص القرآني والحديث النبوي، إحدى الطرق التي يمكن استخدامها لمنعهم من تحديد قواعد اللعبة.

أبعد من الاستشهاد بآيات معيّنة، يُظهر تحليل المفاهيم الدينية الطاغية في النصوص كيف أن التفسيرات المختلفة تستند إلى "ترسانات أفكار" مختلفة. فنصوص المتطرّفين لا تركّز كثيراً على أركان الإسلام الأساسية. ففي حين أن المفاهيم الدينية التقليدية تركّز بوضوح على التقوى من خلال "إقامة الصلاة" و"الصوم" و"النطق بالشهادتَين"، وهي من المفاهيم التي تتم الإشارة إليها أكثر من سواها، إلا أنه نادراً ما تظهر هذه المفاهيم في النصوص الجهادية السلفية التي تركّز على أفكار مثل الخلافة والتفسير العنفي للجهاد. وفي ذلك دليلٌ على أن المتطرفين يتمسّكون بحَرفية النصوص أكثر بكثير من اهتمامهم بالتقوى الشخصية.
اللافت هو أن عدداً من المجموعات الإسلامية المتشددة –منها حزب التحرير، والجماعة الإسلامية وبعض التنظيمات المستلهَمة من الإخوان المسلمين (علما بأن بعض الأحزاب السياسية الإسلامية المعتدلة، مثل النهضة في تونس وحزب العدالة والتنمية في تركيا، لم يشملها التحليل لأنها أقل استناداً إلى حد كبير إلى المضمون الديني)– يستخدم القرآن والحديث النبوي والمفاهيم بطريقة مشابهة للمجموعات الجهادية السلفية في نصوصه الأساسية.
هذا التقارب الأيديولوجي بين الإسلاميين والجهاديين السلفيين، وابتعادهم عن الإسلام التقليدي، يتجلّى بشكل خاص في استخدام القرآن. في العيّنة التي شملتها الدراسة، يتداخل 64 في المئة من الآيات القرآنية الخمسين التي تم الاستشهاد بها في نصوص الإسلاميين مع تلك المستخدَمة من المجموعات الجهادية السلفية، في حين أن نسبة الاقتباسات المشتركة بين الإسلاميين والإسلام التقليدي هي 12 في المئة فقط.