المعرفة الدينية الراسخة تحمي من التطرف

في تحليله التالي لموقع قنطرة يفند الباحث الألماني ديرك بير أطروحة الاختصاصي النفسي أحمد منصور الذي لا يمل ولا يكل من التأكيد في الإعلام الألماني على أن العنف الإرهابي ناشئ عن المحيط الاجتماعي والتلقين العَقَدي للدين. ديرك بير، المختص في الفكر الجهادي، يلاحظ أن تطرف الجهاديين الألمان ليس بسبب التربية الإسلامية أو ثقافة بلدانهم الأصلية، بل بسبب مشكلة الهوية نتيجة اغترابهم الثقافي عن مجتمعهم الأصلي وكذلك عن المجتمع الألماني. ويستدل على ذلك بأن معظم معتنقي الفكر الجهادي المتطرف لم ينشأوا أصلا في عائلات متدينة بل إن نصفهم تربَّوا في بيئة علمانية ليبرالية. ويعزو تطرفهم إلى انصدامهم في مرحلة المراهقة بمشاهد حروب أفغانستان والعراق.

الكاتبة ، الكاتب: Dirk Baehr

بعد الهجمات الإرهابية في باريس كان يرد مرارًا وتكرارًا في وسائل الإعلام الغربية أنَّ الأرض الخصبة للفكر الجهادي تنشأ في بيئة مسلمة. وهكذا ادَّعى الاختصاصي النفسي أحمد منصور في مجلة "دير شبيغل" الألمانية، أنَّ العنف الإرهابي ينشأ من خلال التلقين الإيديولوجي، الذي يعود سببه إلى الهياكل الأبوية لدى الأسر والجاليات المسلمة.

ولفترة طويلة جدًا لم يتم التحقُّق من مثل هذه الآراء. بينما تثبت الدراسات أنَّ معظم الجهاديين مرتكبي الجنايات، المولودين والناشئين في ألمانيا أو في أوروبا، لم يكونوا متديِّنين قبل تطرُّفهم. وهذا ما يظهره على سبيل المثال الباحث الهولندي المختص بالتطرُّف إدوين باكر في دراسة له عالج فيها بيانات ثلاثمة وثلاثة عشر جهاديًا من الجناة الذين تمت محاكمتهم بسبب علاقتهم بهجمات إرهابية أو محاولات تنفيد هجمات. وبحسب هذه الدراسة فإنَّ خمسة في المائة فقط من هؤلاء المحكوم عليهم نشأوا لدى أسر متديِّنة. ونصفهم تقريبًا عاشوا في طفولتهم ومراهقتهم في بيئة علمانية إلى حدّ بعيد.

الأساليب التربوية الإسلامية لا تلعب أي دور

وفي ألمانيا الوضع مشابه: إذ إنَّ تقريبًا جميع الجهاديين، الذين حكم عليهم في الفترة بين عامي 2011 و2013 أمام محكمة استئناف برلين بالسجن لعدة أعوام بسبب دعمهم تنظيمات إرهابية، لم تكن لديهم قبل تطرُّفهم أية علاقة - أو مجرَّد علاقة بسيطة – بالإسلام.

ولنأخذ على سبيل المثال أليكان ت.: وهو شاب مراهق محكوم عليه بالسجن لمدة سنتين ونصف بسبب دعمه جهاديين في باكستان. وفي شهادته أمام المحكمة قال إنَّ والديه لم يكونا يوليان أية أهمية خاصة للالتزام بتعاليم الإسلام الصارمة. وفي فترة مراهقته لم يكن أليكان ت. يذهب إلى المسجد إلاَّ بصورة غير منتظمة، وبالتالي لم تكن لديه أيضًا سوى اتصالات نادرة مع أئمة كان من الممكن افتراضيًا أن يؤثِّروا عليه تأثيرًا سلبيًا.

Anhänger des IS im libyschen Bengasi; Foto: picture-alliance/AP Photo/M. Hannon
Hass, Fanatismus und Intoleranz als Handlungsmaxime: "In erster Linie sind die Dschihadisten Terroristen, die fast alle Muslime als Ungläubige ansehen. Sie unterstellen den europäischen Muslimen, im Zustand der Barbarei zu leben und vom islamischen Glauben abgefallen zu sein. Nur diejenigen, die bedingungslos der dschihadistischen Weltanschauung folgen, werden als Muslime akzeptiert", so Baehr.

بدأت عملية تطرُّفه وهو في سن السادسة عشرة. وقد كانت هناك عدة عوامل مسؤولة عن تطرُّفه. غير أنَّ العامل الأهم كان يكمن في أصدقائه والإنترنت. لقد كان هؤلاء المراهقون يشاهدون سوية وبانتظام أشرطة فيديو حربية من أفغانستان ومن العراق، وكانوا مصدومين. وفقط من خلال أشرطة الفيديو هذه تطوَّر لديه سلوكٌ معارضٌ. فأساليب التربية الإسلامية لم تلعب في ذلك أي دور قطّ.

تظهر العديد من المؤشرات أنَّ الكثيرين من الجهاديين الألمان لم يكونوا يهتمون بالإسلام قبل تطرُّفهم. وفي طفولتهم لم تكن العقيدة الإسلامية تلعب أي دور خاص بالنسبة للجهاديين اللاحقين مثل يوسف و. وتوماس و. وفاتح ك.، أو الفتاة الألمانية الكردية فيليز غ. ولم تكن عمليات تطرُّف الجهاديين الألمان بسبب الإسلام، بل من خلال وجود مشكلات كبيرة مع الهوية. ليس التماهي مع ثقافة البلد الأصلي والدين الإسلامي السائد هناك هو السبب لحالات التطرُّف، بل الاغتراب الثقافي عن بلد الوالدين الأصلي وكذلك عن المجتمع الألماني.

المعرفة الراسخة تقي من التطرُّف

شتيفان أوست، وهو رئيس تحرير صحيفة "دي فيلت" الألمانية، وصف الإسلام بعد تفجيرات باريس على أنَّه قاعدة دعم للفكر الجهادي. وبحسب رأيه لا يجوز أن يسمح للإسلام بأن "يتهرَّب من المسؤولية بهذه السهولة"، فالعديد من الإرهابيين الجهاديين، الذين ارتكبوا هجمات مروِّعة، هم في آخر المطاف مسلمون ويستندون في أفعالهم إلى الإسلام. ولكن ما هو الدور الذي يلعبه الإسلام في الواقع بالنسبة للفكر الجهادي؟

صحيح أنَّ الكثيرين من الجناة الجهاديين هم شباب أصلهم من عائلات مسلمة. ولكن في الواقع عندما يرى شخص ما أنَّ الإرهاب الجهادي لا علاقة له بالإسلام، فإنَّ الأمر هنا لا يتعلق بإنكار انتماء الإرهابيين الديني. بل يتعلق بالإشارة إلى أنَّ الجناة قد نشأوا نشأة علمانية من دون صلة قوية مع الإسلام.

في العادة يتمتَّع المراهقون الناشئون نشأة دينية بهوية دينية راسخة، تحميهم من التطرُّف نحو الإرهاب الجهادي. وهم لا يَدَعون أنفسهم يتطرَّفون بسهولة، وذلك لأنَّهم يمتلكون معرفة دقيقة حول الإسلام. ولذلك فهم في وضع يمكِّنهم من التمييز بين العقيدة الإسلامية وبين دعاية الدعاة السلفيين. وفي المقابل فإنَّ الشباب الذين لا توجد لديهم علاقة عميقة بالعقيدة الإسلامية، يعتبرون أكثر عرضة للتطرُّف. ولهذا السبب لا يمكن جعل الجالية المسلمة في ألمانيا مسؤولة، عندما يتحوَّل  الشباب إلى التطرَّف وينجذبون نحو الفكر الجهادي.

Dirk Baehr, Foto: privat
Dirk Baehr ist Politologe mit dem Spezialgebiet Dschihadismus, Salafismus und Internetpropaganda. Er hat bereits zahlreiche Artikel und Beiträge zu diesen Themenfeldern verfasst. 2009 erschien sein Buch "Kontinuität und Wandel in der Ideologie des Jihadi-Salafismus".

الجهاديون يشوِّهون الإسلام

وصحيح أيضًا أنَّ الجهاديين يُبرِّرون أفعالهم بالإسلام. ولكن ماذا يفهم هؤلاء الجهاديون من الإسلام؟ والجهاديون يدَّعون أنَّهم يتحدَّثون باسم المسلمين. ولكن مَنْ هم المسلمون في نظرهم ومَنْ هم غير المسلمين؟

أولاً وقبل كلِّ شيء الجهاديون الإرهابيون، ينظرون تقريبًا إلى جميع المسلمين على أنَّهم كافرون. لماذا؟ ويتَّهمون المسلمين الأوروبيين بأنَّهم يعيشون في حالة من الهمجية وبأنَّهم ارتدُّوا عن العقيدة الإسلامية. والجهاديون لا يقبلون كمسلمين سوى الأشخاص الذين يتَّبعون الفكر الجهادي من دون قيد أو شرط. أمَّا جميع الآخرين - وهم يشكِّلون تسعة وتسعين في المائة من المسلمين في أوروبا - فيتم التشهير بهم كمرتدِّين.

وبالتالي فإنَّ السؤال يطرح نفسه عما إذا كان ينبغي علينا أن نعتبر أنَّ المسلمين هم فقط أولئك الذين ينشرون الرعب والإرهاب ويصوِّرون معظم المسلمين على أنَّهم كافرون؟ وفي الحقيقة هل يتهرَّب المسلمون الألمان من المسؤولية عندما يقولون إنَّ الفكر الجهادي لا علاقة له بالإسلام؟ بالطبع لا، وذلك لأنَّ هذا التفسير الجهادي للإسلام لم تعد له أية علاقة بالعقيدة الدينية الإسلامية.

الجهاديون يشوِّهون الإسلام من أجل أهدافهم السياسية والإرهابية. ومن خلال ذلك فهم يجعلونه في شكل معيَّن ويُفْقِدونه كلّ شيء ديني. وبالتالي فهم لا يستندون في تبرير أعمالهم إلى عقيدة دينية – فــَـ "إسلامهم" ليس إلاَّ تطرُّف بَحْت.

 

 

ديرك بير

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2015  ar.qantara.de