الغرب وعجزه المزعوم في الأزمة السورية

في تعليقه التالي لموقع قنطرة، يرى المعلق الألماني ماركوس بيكل أن لغو الدبلوماسيين الغربيين القائل إن الأزمة السورية لا يمكن حلّها إلاَّ سياسيًا -وليس عسكريًا- يعتبر كذبًا وتضليلاً. ويرجِّح أن الأسد هو أكثر مَنْ يفرح: فالغرب يدفع ثمن الكارثة الإنسانية التي يسببها نظام الأسد، في حين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخلق الحقائق على الأرض بما يتماشى مع مصالحه.

الكاتبة ، الكاتب: Markus Bickel

المحاولة الثالثة أيضًا ذهبت أدراج الرياح. أقل من مائة ساعة تحمَّل مندوبو المعارضة السورية وممثِّلو النظام الجلوس سويةً في جنيف. ومن ثم حزموا حقائبهم مرة أخرى، من دون أن يكون هناك أي تقدُّم حتى لو لسنتيمتر واحد فقط في حلِّ الأزمة السورية دبلوماسيًا. وخرج مبعوثو بشار الأسد فائزين بنقاط من هذا اللقاء القصير، الذي حمل عنوان مؤتمر جنيف الثالث: حيث بات بإمكانهم الادِّعاء أنَّ فشل المفاوضات السورية الأخيرة هذه لم يقع على عاتقهم. ففي آخر المطاف المعارضة - مثلما يقولون - هي التي أنهت المفاوضات.

ومن أجل ذلك كان لدى معارضي الأسد جميع الأسباب. فتمامًا بالتزامن مع بدء هذه القمة في جنيف، قامت القوَّات الجوية الروسية بتوسيع هجماتها إلى مواقع المعارضة في المناطق المحيطة بمدينة حلب. ومنذ ذلك الحين هرب من هذه المناطق عشرات آلاف الأشخاص، والكثير منهم هربوا إلى تركيا القريبة. ومدينة حلب، التي كانت في السابق مزدهرة اقتصاديًا، كان يمكن لها أن تصبح عاصمة لمعارضي النظام، هكذا كان الأمل على الأقل قبل بضعة أشهر. ولكن بعد ذلك دخل بوتين الحرب وكسر هذا الحلم أيضًا. وبعد مدينتي حماة وحمص يمكن أن تكون حلب بمثابة المسمار الأخير في نعش طموحات الثوَّار. وذلك لأنَّ تنازل روسيا لا يبدو متوقعًا.

لا يوجد أي دعم للمعارضة السورية

الغارات الجوية الروسية في سوريا

ولهذا السبب أيضًا فإنَّ  لغو الدبلوماسيين الغربيين، الذي يُفيد بأنَّ الأزمة السورية لا يمكن حلُّها إلاَّ سياسيًا، وليس عسكريًا، يعتبر كذبًا وتضليلاً. وفي الواقع لقد كان هذا الادِّعاء دائمًا مجرَّد ذريعة: إذ إنَّ أمريكا أو أوروبا لم تكونا في أي وقت من تاريخ الأزمة السورية على استعداد في الواقع لتقديم الدعم الحاسم للمعارضة السورية. فعندما طالب المناضلون من أجل حرية سوريا بفرض منطقة حظر جوي، تم رفض طلبهم هذا بدعوى أنَّ هذا الأمر لا يمكن تنفيذه عسكريًا. كذلك عندما هاجمهم الأسد بالأسلحة الكيميائية، تم إشراك النظام السوري في برنامج واسع النطاق لنزع الأسلحة الكيميائية والغاز السام  - وقد تم بذلك تحويل مُشعل الحريق إلى رجل إطفاء.

وبتدخُّله في سوريا عمل بوتين من أجل إبقاء الوضع على هذا النحو. ومنذ فترة طويلة تحوَّل حليف الأسد الأكثر أهمية إلى صانع الملوك في سوريا. ومن دون مساعدته لن تتوقَّف الحرب في سوريا - وسيبقى طاغية الشام في منصبه.

ولهذا السبب فإنَّ وزيريّ الخارجية الأمريكي جون كيري والألماني فرانك-فالتر شتاينماير سيحاولان في مؤتمر الأمن في ميونيخ -من جديد بألسنة ملائكة- إقناع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالعمل لوضع نهاية للضربات الجوية. غير أنَّ هذا لن يحدث إلاَّ عندما يحقِّق الأسد أهدافه الإقليمية. وهنا لا تمثِّل حلب سوى بداية وحسب.

من البراميل المتفجِّرة إلى التعذيب وحتى تجويع مدن برمَّتها

يمتلك الغرب من دون ريب الوسائل للوقوف في وجه العمل العسكري الروسي في سوريا، وهذا ما تظهره بعض الأرقام: نحو ستة مليارات دولار أمريكي تقريبًا بلغت حتى الآن النفقات، التي أنفقتها واشنطن في الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية". وفي كلِّ يوم ينفق الجيش الأمريكي أحد عشر مليون دولار أمريكي منذ شهر آب/أغسطس 2014 للضربات الجوية ضدَّ الجهاديين، الذين تم إخراجهم من السجون من قبل الأسد من أجل إضعاف المعارضة المعتدلة. غير أنَّ "التحالف الدولي ضدَّ تنطيم الدولة الإسلامية" لا يزال حتى يومنا هذا يراقبُ بلا مبالاة جرائم حرب الأسد - من البراميل المتفجِّرة إلى التعذيب وحتى تجويع مدن برمَّتها.

الحضور الروسي في سوريا

وضمن هذا السياق فإنَّ أرقام مؤتمر لندن حول سوريا تبدو بالفعل أقل تأثيرًا مما أشاد به بان كي مون: حيث وعد المانحون في هذا المؤتمر يوم الخميس الماضي 04 / 02 / 2016 بتقديم تسعة مليارات يورو حتى عام 2020، منها ستة مليارات يورو من المفترض أن يتم إرسالها إلى منطقة الأزمة حتى نهاية العام الحالي.

والجميع يعلمون أنَّ هذا المبلغ برمَّته لا يكفي من أجل تموين ستة ملايين لاجئ سوري في داخل سوريا، بالإضافة إلى أربعة ملايين ونصف مليون لاجئ آخرين في الدول المجاورة. ومع ذلك لا يوجد نقص في الأموال، مثلما تُبيِّن النفقات المخصصة للحرب الجوية ضدَّ تنظيم "الدولة الإسلامية": فعلى الأقل ستنفق وزارة الدفاع الأمريكية مرة أخرى في هذا العام أيضًا أربعة مليارات دولار من أجل ضرب هذه الميليشيات الإرهابية بالقنابل. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ مؤتمر المانحين هذا يخدم بطبيعة الحال تهدئة الضمير.

ولكن على الأرجح أنَّ الأسد هو أكثر مَنْ يفرح بقرارات مؤتمر لندن، فمن وجهة نظره يتم على هذا النحو تقسيم العمل بشكل رائع: فالغرب يدفع ثمن الكارثة الإنسانية، التي يسببها نظام الأسد - في حين أنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يخلق الحقائق على الأرض بما يتماشى مع مصالحه.

 

 

ماركوس بيكل

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2016 ar.qantara.de

 

يعمل ماركوس بيكل مراسلاً صحفيًا في لبنان لصالح صحف ومجلات منها مجلة شبيغل أون لاين وصحيفتي دي تسايت وفرانكفورتر ألغماينه. من عام 2008 حتى عام 2012 كان رئيس تحرير صحيفة فرانكفورتر ألغماينه في فرانكفورت، ومن عام 2012 حتى عام 2015 عمل لصالح هذه الصحيفة مراسلاً للشرق الأوسط في القاهرة. ومنذ عام 2016 يعمل ككاتب وصحفي في برلين.