الدولة التسلطية تفرز مجتمعا تسلطيا تعزز به سلطتها
انغراز مخالب التسلط المجتمعي في مصر

تسلط الدولة على المواطنين ينتقل إلى المواطنين أنفسهم، فيتسلط القوي على الضعيف في حياة المجتمع اليومية: في المنزل والشارع والمدرسة. ويكره المتسلطون خسارة السلطة إذا وُجِدَت بيئة ديمقراطية تراعي حقوق الأضعف الإنسانية. وتنشأ في المجتمع نزعات أوتوقراطية مناهضة للديمقراطية. ويصبح المواطنون مصدرا يؤمّن للنظام سلطة مطلقة. ماجد مندور يحلل هذه الحلقة المفرغة التي تكون فيها الجماهير الجلاد والضحية.

تعتمد أنظمة حكم الفرد الأوتوقراطية على جرعات ثقيلة من القمع في سبيل الحفاظ على سيطرتها على السلطة، التي تبدو مركزة بشكل كبير في المستويات العليا للنظام الاجتماعي. بيد أن الواقع أشد تعقيداً بكثير.

إذ تُقَولِب أنظمة حكم الفرد الأوتوقراطية جماهيرها، التي تشكل ضحايا القمع والمستفيدين منه على حد سواء. فهم مستفيدون بمعنى أنهم أوتوقراطيون "أصغر" يقمعون أيضاً من هم دونهم في النظام الاجتماعي. وعليه، فالقمع لا مركزي، مما يخلق أرضاً خصبة لـ"القمع المجتمعي"، الذي يتكون ضحاياه الأساسيون من المهمشين والشرائح الأضعف من المجتمع مثل: الأقليات، والنساء والفقراء.

كما يُعاد خلق القمع على جميع مستويات المجتمع، وكذلك في عدد من الحالات في المدارس، وأماكن العمل وحتى ضمن الأُسر والمنازل. وباتباع الدولة لسياسة تتغاضى عن هذا الشكل من القمع، ينشأ مجتمع له هوامش محدودة للغاية من الحرية في المجالين العام والخاص على حد سواء، مع تقليل العبء كلما صعد أحدهم على السلم الاجتماعي.

Public school students during religious education class in Shrakya governorate, Egypt (photo: DW/Reham Mokbel)
يكتب ماجد مندور حول الديكتاتورية المصغّرة في الفصل الدراسي: "إنها موجّهة بشكل أساسي ضد الطبقات الدنيا، وهادفة لغرس الطاعة والانضباط في عقول الفقراء. وهذا يترافق مع التلقين الآيديولوجي المتواصل لأهمية الطاعة، والحاجة إلى التطابق وتضييق الخناق على أي شكل من أشكال الفكر الإبداعي".

كما تُقبل اللامساواة بوصفها حالة طبيعية، بينما يُجرَّد الذين على الهوامش الاجتماعية من إنسانيتهم ويُقمعون ويتعرضون للانتهاك. وهذه طريقة جوهرية للمحافظة على نظام أوتوقراطي ونشره.

الأوتوقراطية في الفصل الدراسي

عندما ينظر المرء إلى مصر وسلسلة القمع، الذي خَبِرتُهُ شخصياً، يمكن للمرء أن يرى بوضوح تغلغل القمع في كل طبقات المجتمع. ومن أبسط الأمثة، نظام المدرسة ومستويات العنف التي يتعرض لها الأطفال من الطبقات الدنيا.

ففي عام 2015 توفي طفل نتيجة الإصابات التي تعرض لها جراء ضربه من قبل معلم مدرسي. ومن القضايا الأخرى المشهورة، تلك التي حدثت في عام 2014، وحُكِم فيها على مدير دار أيتام بالسجن لمدة ثلاث سنوات بعد لقطات تُظهره يعتدي بالضرب بوحشية على أيتام تحت رعايته.

ويتفشّى هذا العنف المفرط تجاه الأطفال في مدارس مصر، لا سيما في مناطق الطبقات الدنيا. وهو يسبق نشوء النظام العسكري الجديد الذي يحكم مصر حالياً.

وقد صرّح وزير التعليم في عهد مبارك "أحمد زكي بدر"، إن حظر العقاب البدني في المدارس سيجعل المعلمين ضعفاء ومعرضين للهجوم. وهكذا تتغاضى الدولة عن هذا العنف تجاه الطلاب.

أما ثقل القمع، فيزيد على الفقراء والضعفاء، كما أنه يُمارس أيضاً، بشكل مثير للانتباه، من جانب أولئك الذين يعانون أكثر من غيرهم. فلا يحتاج المرء سوى أن يتذكر أن المدرس المصري المتوسط مهمّش اقتصادياً ويتقاضى أجراً أقل من المقبول، كما كشفت الاحتجاجات في عام 2015.

وهكذا، تمكنت الأوتوقراطية من إعادة خلق ديكتاتورية مصغّرة في الفصل الدراسي، موجّهة بشكل أساسي ضد الطبقات الدنيا، وهادفة لغرس الطاعة والانضباط في عقول الفقراء، الذين لا يملكون أي ملجأ حماية ضد هذه الممارسات. وهذا يترافق مع التلقين الأيديولوجي المتواصل لأهمية الطاعة، والحاجة إلى التطابق وتضييق الخناق على أي شكل من أشكال الفكر الإبداعي. فهناك على سبيل المثال تركيز كبير على حفظ المعلومات، بدل تطوير مهارات تحليلية. ويُعتبر أي انحراف عن الكتاب المدرسي خطأ.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة