الدولة المختطفة - اليمن التعيس الذي كان سعيداً
لماذا اليمن مفاجأة "الربيع العربي" غير المتوقعة؟

كان اليمن مفاجأة "الربيع العربي" غير المتوقعة. لكن لماذا؟ الكاتب فرج العشة يحاول الإجابة على ذلك، مشدداً على أنه لا ثورة من دون قطيعة مع الماضي.

كان اليمن مفاجأة "الربيع العربي" غير المتوقعة... لماذا؟... لأن الدارج في التفكير العربي العام أن اليمن وإن كان قد تحرر من الحاكمية الإمامية فإنه لم يتحرر بعد من ذهنية الثقافة القبلية المُطبِقة على الأذهان والأعيان.

عبد الفتاح إسماعيل، رئيس اليمن الجنوبي سابقاً. wikimedia
"قبائل ماركسية" في اليمن الجنوبي سابقاً: "فَذْلَكَ قائد الحزب [الحاكم في اليمن الجنوبي سابقاً] ومنظِّره (عبد الفتاح إسماعيل) صيغة مُبتدعة تفترض وجود صراع طبقي يدور بين ( البدوتاريا) وَ (الرعوتاريا). هذا في حين كانت النخبة الحزبية الماركسية الحاكمة تتلبّس انتماءاتها القبلية والجهوية في تنافسها على السلطة. ولذا عندما تحول التنافس السياسي على النفوذ السلطوي بين القادة الرفاق إلى صراع عنيف عام 1986 كشف عن احتراب بين (قبائل ماركسية) بدأت بمذبحة دموية على طريقة التصفيات المافيوزية داخل اللجنة المركزية للحزب أسفرت عن مقتل 58 عضواً من القيادات العليا ثم تحولت إلى حرب ضروس بالأسلحة الثقيلة بين على أساس هوية الانتماء القبلي. وبالنتيجة قُتل ما يزيد على ستة عشر ألف يمني خلال عشرة أيام فقط"، كما يكتب فرج العشة.

وليس عبد الله صالح، في التحليل الأخير، سوى بطريرك واقعية سحرية بدوية. إن اليمن، السعيد في أسطورة الماضي المجيد، تعيس في واقع الحاضر المعاش، حيث نعثر على كيان يتشبه بمظاهر مؤسسات الدولة المعاصرة فيما هي في الصميم خطيفة مرتهنة للصراعات القبلية وثقافتها في الغزو والسلب. ومن معطيات الغرائبية اليمنية أن حكام اليمن الجنوبي النخبويين الذين اعتنقوا الماركسية اللينينية في سبعينيات القرن الفائت لم يجدوا في الواقع الاجتماعي ما يبرر مفاهيمهم الإيديولوجية عن الصراع الطبقي. فلا برجوازية ولا بروليتاريا ولا إقطاع يُذكر بالمعنى الماركسي.

قبائل ماركسية

ففذلك قائد الحزب ومنظِّره (عبد الفتاح إسماعيل) صيغة مُبتدعة تفترض وجود صراع طبقي يدور بين ( البدوتاريا) وَ (الرعوتاريا). هذا في حين كانت النخبة الحزبية الماركسية الحاكمة تتلبّس انتماءاتها القبلية والجهوية في تنافسها على السلطة. ولذا عندما تحول التنافس السياسي على النفوذ السلطوي بين القادة الرفاق إلى صراع عنيف عام 1986 كشف عن احتراب بين (قبائل ماركسية) بدأت بمذبحة دموية على طريقة التصفيات المافيوزية داخل اللجنة المركزية للحزب أسفرت عن مقتل 58 عضواً من القيادات العليا ثم تحولت إلى حرب ضروس بالأسلحة الثقيلة بين على أساس هوية الانتماء القبلي. وبالنتيجة قُتل ما يزيد على ستة عشر ألف يمني خلال عشرة أيام فقط.

مملكة إمامية زيدية قروسطية ومَس من التحديث الاستعماري البريطاني

وإذا كان اليمن الجنوبي قد مسه التحديث العصري في عهدة الاستعماري البريطاني (1849 ـ 1967) في مستعمرة عدن تحديدا من حيث التعليم والعمارة العصرية والإدارة الحديثة والنشاط التجاري للتصدير والصناعات الخفيفة، فإن اليمن الشمالي كان واقعاً في قبضة سلاطين مملكة إمامية زيدية (1918 ـ 1962) قروسطية يواجهون باستمرار أئمة متنافسين يتداعمون بقبائل متناحرة.

الإمام يحيى حميد الدين حاكم المملكة المتوكلية اليمنية في شمال اليمن سابقاً. Wikimedia
مملكة إمامية زيدية قروسطية: "في شمال اليمن كان من أبرز وسائل الإمام الحاكم لإحكام سلطانه استخدام "نظام الرهائن" المعروف في العرف القبلي عبر (العصور) حيث كان الإمام-السلطان يطلب من كل قبيلة منضوية تحت سلطانه أن تقدم أحد أبرز أعيانها أو شيوخها أو واحداً من علية قومها رهينة في قصره كنوع من الضمان لاستمرار ولائها وعدم تمردها أو خروجها عن طاعته. وبهذا كان لدى الإمام يحيى حوالي أربع آلاف رهينة، انخفض العدد في عهد الإمام أحمد إلى حدود ألفين رهينة عام 1955. وكان الإمام إذا ما اضطر لمغادرة اليمن في رحلات خارجية وزيارات لدول أجنبية يصطحب معه بعض أهم الرهائن كي يكفل أمن حكمه أثناء فترة غيابه"، وفق ما يكتب فرج العشة.

وكان من أبرز وسائل الإمام الحاكم لإحكام سلطانه استخدام "نظام الرهائن" المعروف في العرف القبلي عبر (العصور) حيث كان الإمام-السلطان يطلب من كل قبيلة منضوية تحت سلطانه أن تقدم أحد أبرز أعيانها أو شيوخها أو واحداً من علية قومها رهينة في قصره كنوع من الضمان لاستمرار ولائها وعدم تمردها أو خروجها عن طاعته.

وبهذا كان لدى الإمام يحيى حوالي أربع آلاف رهينة، انخفض العدد في عهد الإمام أحمد إلى حدود ألفين رهينة عام 1955. وكان الإمام إذا ما اضطر لمغادرة اليمن في رحلات خارجية وزيارات لدول أجنبية يصطحب معه بعض أهم الرهائن كي يكفل أمن حكمه أثناء فترة غيابه.

وكان العرف نفسه تفرضه القبيلة أو القبائل المنتصرة على القبائل المنهزمة. وفي تسعينيات القرن الفائت سلك الكثير من القبائل والعشائر مسلك اختطاف الأجانب رهائن لديها للضغط على الدولة في سبيل تحقيق مصالح قبلية عامة كالمطالبة برصف طريق أو توصيل كهرباء أو شخصية مثل المطالبة بإطلاق سراح متهم بجريمة قتل أو حتى بجنحة عادية بسيطة إذا كان مرتكبها ذا وجاهة قبلية. أو لتوفير تعيينات لأفرادها في وظائف ومناصب حكومية.

قبائل روبن هود

وقد تصل في غرائبيتها حد المطالبة باسترجاع رخصة قيادة مسحوبة من صاحبها ذي الشأن القبلي لمخالفته قوانين المرور على سبيل المثال المبتذل. وقد وصلت حالات اختطاف الأجانب وأغلبهم سياح إلى أكثر من 350 حالة منذ بداية التسعينيات. وتبرز قبيلة بني ظبيان بمسؤوليتها عن نسبة 70% من عدد حالات الاختطاف المذكورة. والعديد من حالات الاختطاف التي قامت بها بني ظبيان كانت لصالح مطالب أشخاص أو جماعات من خارج القبيلة استنجدوا بها كأنها روبن هود. وقد أطلقت سراح كل رهائنها بعد تحقق مطالبها دون أن يمسوا بسوء.

ومعروف أن كثيرين من الرهائن الأجانب تحدثوا بإعجاب عن معاملتهم من لدن خاطفيهم معاملة الضيوف في منازلهم والبعض منهم اعتبر فترة خطفه مغامرة سياحية مذهلة. لكن هذه الظاهرة سببت لليمن خسائر بمليارات الدولارات نتيجة الكساد السياحي وانسحاب المستثمرين سيما بعدما تحولت ظاهرة احتجاز الرهائن الأجانب من أسلوب العرف القبلي الناعم إلى الأسلوب الإرهابي بواسطة تنظيم القاعدة اليمني كوسيلة فعّالة لجني الأموال الهائلة وبالدولار، حيث تذكر صحيفة "نیويورك تايمز" الأمريكیة أن تنظيم القاعدة تحصل من عمليات الاختطاف منذ عام 2008 على حوالي 165 ملیون دولار.

إنه اليمن الذي أحدث اصطدام اقتصاد اجتماعه القبلي الريفي -بثقافته وتقاليده الجمودية- بضرورات العصر قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، بتأثير من مشروع عبد الناصر القوموي النهضوي الذي دعم ثوار اليمن الجمهوريين بسبعين ألف جندي وضابط في مواجهة القبائل المتحالفة مع الإمام البدر مدعومة من السعودية والأردن وبريطانيا.

خروج من عصور الخرافة الإمامية

في النهاية انتصر الجمهوريون خارجين باليمنيين من عصور الخرافة الإمامية. وخلال العقود بعد ذلك، رغم الانقلابات الدموية المتواترة، أظهر اليمنيون تكيفاً متطوراً مع مقتضيات العصر بشكل مذهل في مدخلات ومخرجات التعليم.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة

تعليقات القراء على مقال : لماذا اليمن مفاجأة "الربيع العربي" غير المتوقعة؟

ان لمن المستغرب ان يعول على منظمة حقوق الانسان وهيومان رايتس للدفاع عن هؤلاء الاوروبين اللذين انظموا الى صفوف داعش والجميع يعرف حق المعرفة بان هؤلاء الاوروبيين هم ليسوا بالاساس من اوروبا بل هم من بلدان عربية او افريقية اما ولدوا هناك او هاجروا الى اوروبا .
اين كان العالم أجمع مما كانت وما تزال داعش تعمل الكثير من الأعمال الوحشية من قتل وإعدام وإحراق الناس احياء او أغراقهم بالماء احياء او رميهم مكبلين من البنايات العالية .
لقد مارست داعش وغيرها اقسى انواع العذاب والقتل والتشريد وحرق دور العبادة ولم يدعوا شيئا من شرهم.
وسؤالي اين كان المجتمع الدولي وليس حقوق الإنسان من كل هذى الجرائم البشعة بحق البشرية وفي اي سفر من اسفار الحياة كتبت الكل يتذكر الطفل الفلسطيني اللذي ذبح كما تذبح الخراف وكان ذنبة الوحيد ان والدة يعمل مع منظمة التحرير.
انا اؤئيد البلاد التي أسقطت الجنسيات عن مواطنيها اللذين انظموا الى ذالك التنظيم ليتم اعادتهم الى بلادهم الاصلية وليحاكموا هناك بما ترى بلادهم مناسبا.
لقد حكم على صدام حسين بالاعدام ورئيس يوغسلافيا مات قبل أن بواجهة نفس المصير وغيرهم كرئيس رومانيا بتهم الجرائم اللتي ارتكبوها بحق المدنيين.
بلاد دمرت حضارات بأكملها مسحت شعوب شردت وتحت أي عنوان هل من أجل إنهاء حكم بشار الاسد او صدام او علي عبدالله صالح او القذافي .
مع كل الاحترام للجميع وما أردت من تعليقي خذا أن أكون مع فئة دون الأخرى لان اللذي خلق الناس هو الله (ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة) الله هو صاحب الخلق وهو من أعد لكل إنسان اما العذاب على ما فعل او الثواب

جون سامي31.03.2018 | 20:28 Uhr