الأردن- الاستقرار "الخادع" والمُكلِف في الشرق الأوسط

الأوروبيون يتابعون باهتمام موضوع اللاجئين السوريين في الأردن.
الأوروبيون يتابعون باهتمام موضوع اللاجئين السوريين في الأردن.

الأردن، دولة صغيرة تضطلع بدور كبير في القضية الفلسطينية والآن في سوريا والعراق وملف اللاجئين. ويعد الأردن أيضا نقطة الاستقرار الوحيدة في صفيح الشرق الأوسط الساخن. لكن ما مدى استقرار هذا البلد فعليا، ولماذا يعول عليه الغرب؟

الكاتبة ، الكاتب: سهام أشطو

وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون في الأردن في زيارة عمل قصيرة ضمن جولة إقليمية يفترض أن يتم التطرق فيها لتطورات الأحداث في المنطقة، خاصة ما يتعلق منها بالقضية الفلسطينية. وذلك في ضوء القرار الأمريكي باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل، بالإضافة إلى تطورات الأحداث في سوريا والعراق وجهود الحرب على الإرهاب.

لكن الخبر المهيمن على موضوع الزيارة كان تخصيص الولايات المتحدة لمبلغ 1.275 مليار دولار لمساعدة الأردن في العام الحالي، منها 812 مليون، عبارة عن مساعدات اقتصادية وحوالي 450 مليونا من المساعدات عسكرية.

التحالف والتعاون بين الأردن والغرب عموما ليس بالجديد بل تحكمه تحالفات تاريخية، فإلى جانب التنسيق المستمر بخصوص قضايا المنطقة الشائكة خاصة القضية الفلسطينية والآن الأوضاع في سوريا والعراق، يحظى الأردن في الوقت الحالي بمكانة خاصة لدى شركائه الغربيين باعتباره نقطة استقرار في صفيح ساخن.

لكن ما حجم الاستقرار الذي يعيشه الأردن فعليا في ظل أزمات الاقتصاد واللجوء والتقلبات التي تشهد علاقاته بجيرانه وشركائه خاصة الخليجيين، وفي ظل التغيرات في الموقف الأمريكي نفسه بخصوص تدبير الصراع الفلسطيني الإسرائيلي؟

أولوية أمريكية

"العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة والأردن هي محور السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، فيما لا يزال ضمان استقرار الأردن أولوية أمنية وطنية أمريكية". هذا ما ورد في الموازنة التأشيرية الخاصة بالكونغرس لعام 2018 والتي خصصت في إطارها المساعدات الجديدة للأردن. وبالإضافة إلى هذه المساعدات، قدمت واشنطن للأردن منحا بلغت في سنة 2015 ما قيمته 273 مليون دولار، و250 مليون دولار في 2016.

أشاد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير خلال محادثاته مع الملك عبد الله الثاني في عمان بسياسة اللجوء "السخية" التي ينتهجها الأردن. وتناولت محادثات شتاينماير ملفات ساخنة أخرى، كما يزور مراكز للاجئين تمولها ألمانيا.
أشاد الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير خلال محادثاته مع الملك عبد الله الثاني في عمان بسياسة اللجوء "السخية" التي ينتهجها الأردن. وتناولت محادثات شتاينماير ملفات ساخنة أخرى، كما يزور مراكز للاجئين تمولها ألمانيا.

الاتحاد الأوروبي من جهته منح في السنوات الأخيرة مساعدات للأردن تمثلت في قرض جديد بقيمة مليون يورو أُعلن عنه في 2017. وحسب بيانات بروكسل فقد قدم الاتحاد قروضا تصل قيمتها إلى 180 مليون يورو سنة 2015. وصرح مسؤولون أوروبيون بأن الأردن سيحصل، في حال تحقيقه التزامات محددة، على قرض جديد في 2018 بقيمة مائة مليون يورو.

الحلفاء الغربيون للأردن يعلنون في كل مرة أن الغرض من هذه المساعدات هو دعم الاقتصاد والإصلاحات في الأردن والحفاظ على استقراره. بيد أن حسين ميمنة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة جورج تاون، يرى أن اهتمام الغرب بالأردن يعود لقضايا كلها توجد خارج الأردن.

ويشرح ذلك بالقول: "السبب الأول لاهتمام الغرب وخصوصا الولايات المتحدة بالأردن هو إسرائيل، فالولايات المتحدة تسعى إلى جعل الدول القريبة من إسرائيل صديقة لها، أي أن العلاقة مع الأردن ليست أصلية وإنما متعلقة بالحرص على مصالح إسرائيل بالأساس".

دور تلطيفي في الشرق الأوسط

بالإضافة إلى إسرائيل تأتي عوامل أخرى كما يقول الخبير، منها العلاقة التاريخية مع العائلة المالكة الأردنية والتي تعود لفترة الاصطفاف لدى الجمهوريات العربية مع الاتحاد السوفياتي حيث شكلت الأسرة الهاشمية أساسا لحضور غربي في المنطقة.

ويضيف ميمنة أيضا عنصرا قرب الأردن من دول يعتبرها الغرب مصادر قلق، خاصة العراق وسوريا. في هذا السياق يلعب الأردن، من منظور الولايات المتحدة، دورا تلطيفيا في الملفات الشائكة في الشرق الأوسط بدءا بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني ومرورا بالأزمات في العراق وسوريا.

لكن القضية الفلسطينية التي كانت الأساس في كل هذا الاهتمام الأمريكي قد تتحول إلى السبب الذي سيحدد حجم دور الأردن واعتماد الولايات المتحدة عليه بعد التغييرات الأخيرة التي شهدها الموقف الأمريكي نفسه في النزاع. وفي هذا السياق يقول ميمنة بأن ترامب لم يصغ لنصائح الملك الأردني فيما يتعلق بخطورة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل على الاستقرار داخل الأردن.

ويضيف: "الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية ككل تغير ولا أتحدث هنا عن اتجاهات ترامب بل عن قناعات لدى أصحاب الرؤى الاستراتيجية في الولايات المتحدة بأن القضية الفلسطينية قد وظفت في الشرق الأوسط للاستمرار بسياسات معاكسة للمصالح الأمريكية وبالتالي هناك الآن اهتمام أقل بها وسعي أقل إلى حلها وهذا قد يؤثر سلبا على موقع الأردن".

وبالإضافة إلى الملفات الشائكة في المنطقة يلعب موضوع اللاجئين دورا مهما في تزايد الاهتمام بالأردن، فالأوروبيون حريصون على عدم تدفق موجات لاجئين جديدة إليهم كما حدث في 2015 في أزمة اضطروا معها إلى عقد اتفاق مكلف مع الأتراك.

ويعتبر الأردن ثالث أكثر دولة استقبلت لاجئين سوريين بعد كل من تركيا ولبنان. فقد فر إليه مئات الآلاف من السورين هربا من ويلات الحرب في بلادهم، علما أن الأردن أصلا يعيش صعوبات اقتصادية، فآخر الأرقام تشير إلى أن حجم الدين الخارجي وصل إلى 35 مليار دولار، وهو ما يشكل 96 بالمائة من الناتج المحلي.

ورغم أن الأردن تجاوز بخسائر أقل الاضطرابات التي صاحبت مرحلة ما سمي بالربيع العربي، مقارنة مع دول أخرى في المنطقة، إلا أن عائدات السياحة تأثرت فيه رغم ذلك بسبب الاضطرابات حوله.

علاقات متقلبة مع الخليجيين

مد وجزر... قد تكون العبارة الأكثر إيجازا لتوصيف علاقة الأردن بدول الخليج، فلا تكاد العلاقات تبدو متينة حتى تتعكر من جديد لسبب ما. التحالف والتفاهم مع الخليجيين وصل إلى حد الحديث في 2011 عن انضمام الأردن، إلى جانب المغرب، لمجلس التعاون الخليجي رغم أن ذلك لم يُترجم على أرض الواقع، بسبب ما عزاه البعض إلى معارضة الإمارات وعُمان لفكرة هي بالأساس سعودية. ورغم ما خلفه ذلك من استياء، خرج الأردن من هذا الموضوع بمكسب إعلان الخليجيين صندوقا لدعم الأردن والمغرب.

وزير الخارجية الأمريكي ريكلس تلرسون مع نظيره الأردني أيمن صفدي.
وزير الخارجية الأمريكي ريكلس تلرسون مع نظيره الأردني أيمن صفدي.

في الثامن والعشرين من مارس 2017 وخلال قمة أردنية سعودية، تم توقيع 15 اتفاقية ثنائية تجاوزت قيمتها 35 مليار دولار في مجالات الاستثمار والطاقة والتعدين والإسكان والصحة والبيئة والثقافة والإعلام بعد سنوات تأثر فيها الأردن بتراجع المساعدات السعودية.

لكن حتى هذه الاتفاقيات لم تعرف بعد طريقها إلى الواقع لأسباب يرجعها متابعون إلى الصعوبات التي أصبح يواجهها الاقتصاد السعودي نفسه وإلى انشغال السعودية بأكثر من ملف على رأسها الأزمة مع قطر والحرب في اليمن، بينما فسرها آخرون بأن الموقف الأردني من قطر لم يرض السعوديين، فبينما كانوا ينتظرون منه موقفا بصرامة مواقف الدول المقاطعة لقطر، اكتفت عمان بتخفيض تمثيلها الدبوماسي في الدوحة.

ويقول الخبير حسن ميمنة إن العلاقات بين الدول العربية ككل تحكمها العلاقات الشخصية، ويضيف "هذا ما رأيناه حتى بين الدول الخليجية نفسها. الأمر لا يختلف بالنسبة للأردن ومن هذا المنطلق لا ينبغي على عمان أن تعول على المال الخليجي ليكون رافعة بالنسبة للأردن، بل ينبغي عليها العمل دائما على تنويع مصادر الدعم، وأزمة القطر أثبتت ذلك، فالأردن لم يرد أن يخسر تحالفه مع الدول المقاطعة، خاصة الرياض ولكن في نفس الوقت لم يشأ أن يتصرف من موقع التابع، وعلى هذا الأساس كان هناك نوع من الامتعاض".

 

سهام أشطو

حقوق النشر: دويتشه فيله 2018