"لماذا يُعقَد الأمل على نظام الملالي القاتل؟"

في شهر كانون الثاني/ يناير 2016 عندما بلغ الإيرانيةَ فَرَسْتُو فُرُوهَر خبرُ تعرُّض منزل والديها للسرقة عدة مرات، سافرت هذه الفنانة المقيمة في ألمانيا إلى إيران لِتعتني ميدانيا بهذا الموضوع. وقد كان منزل والديها (السياسيَّين المقتولين عام 1998 على أيدي رجال المخابرات -الزوجين داريوش فروهر وبروانه إسكندري) قد تم تخريبه تماما. حول إقامتها التي استمرت نحو شهرين في طهران كتبت برستو فروهر خواطرها التالية.

الكاتبة ، الكاتب: Parastou Forouhar

كان هناك قفلٌ كبير مُعلق على البوابة الأمامية، وضعته عمَّتي مؤخرًا من أجل منع تعرُّض المنزل للمزيد من عمليات الكسر والخلع. كانت بوابة المنزل مخرَّبة، وكان الطلاء المتشقِّق عليها يُظهر آثار ضربات بمطرقة من قبل اللصوص.

"عندما جئنا إلى هنا بعد السرقة، كانت الكثير من الأشياء مبعثرة في الحديقة"، مثلما أخبرتني عمَّتي: "ملابسُ وحقائبُ وجهازُ راديو وكذلك السجَّادة المضرَّجة ببقع من دم والدتك - هذه السجَّادة التي ألقوها في زاوية حوض الأزهار". وكان من الواضح أنَّ البيت قد تعرَّض للنهب. وقد أثار انتباهي هذا الفراغ الذي تركته الأشياء المسروقة.

رجلٌ مُسِنٌ كان من رفاق أبي وأمي في الحزب، حكى لي حكايةً أثناء جمعه الأوراق من فوق الأرض بعناية: عندما كان في السبعينيات يزور في المستشفى الكاتبَ الموهوب والمعارض الشجاع، غلام حسين الساعدي، الذي كان قد تعرَّض لهجوم وتم ضربه من قبل عصابة بلطجية "مجهولين"، قال له الساعدي: "أحيانًا يتحتَّم علينا أن نشعر بشدة القبضة لكي نفهم أين نعيش". هذه الكلمات رافقتني خلال إقامتي في طهران.

"لقد سرقوا الأشياء والناس من هذا المكان"

عندما فتحتُ المنزل للزوَّار مثلما جرت العادة بعد ظهر يوم الخميس، ثارت نقاشات حادة. وقال أحد الأصدقاء: "مثلما سرقوا الأشياء فقد سرقوا الناس أيضًا من هذا المكان".

Verwüstungen nach Einbruch in Forouhars Wohnung in Teheran; Foto: privat
آثار الخراب - عندما بلغ الإيرانيةَ برستو فروهر خبرُ تعرُّض منزل والديها للسرقة عدة مرات، سافرت هذه الفنَّانة الشجاعة من دون تردُّد إلى إيران. كان والداها سياسيين معارضين وقد تم اغتيالهما في طهران عام 1998. ومنذ ذلك الحين تكافح ابنتهما برستو فروهر بوسائل قانونية وفنِّية من أجل تفسير جريمة قتلهما المأجور.

وقال بعض الضيوف المتأثِّرين بشكل واضح إنَّه كان يجب عليَّ بعد السرقة الأولى أن أقوم بتفريغ المنزل، وإبعاد القطع التذكارية وإخفائها. "لا تَدَعِي هذا البيت يتعرَّض لعملية نهب". ورأى آخرون أنَّه يجب عليَّ أن أقوم بتأجير المنزل، إلى أن يأتي زمنٌ أفضل. هل يمكنني تأجير موقع جريمة قتل؟ وهل يجب على المرء أن يمسح ذاكرته من أجل الحفاظ على مكان؟ وبذلك ألن يفقد الإصرار على تفسير تلك الجرائم السياسية -التي وقعت هناك- شيئًا من واقعيَّتها؟ و: كيف يمكننا مطلقًا أن نعقد أملنا على زمن أفضل عندما نتخلى عن الأمل في الوقت الحاضر؟

سألت ضيوفي: "إذا أخذت الكرسي، الذي كان يجلس عليه والدي عندما تم قتله، وأخفيته بين الكراسي الأخرى في القبو: ألن أكون قد قمت بإسكات تاريخ هذا الشيء وتركت هذا الحدث يفقد أهميته؟ فما هو الفرق بين النهب والإخفاء عندما تكون نتيجتهما فقدان الذاكرة؟". أجابني البعض بأنَّ النهب كان ردة فعل على عنادي طيلة أعوام. ولذلك أتساءل: أما كان استسلامي سيؤدِّي إلى نسيان أولئك الذين لم يستسلموا بعد؟

في مركز الشرطة

كان هذا في يوم السبت، عندما ذهبت لأوَّل مرة إلى مركز الشرطة في ساحة بهارستان من أجل متابعة الشكوى، التي قدَّمتها عمَّتي. ولكن في مركز الشرطة كانت تسود الأجواء المعتادة: جدال مشحون بالغضب والعويل.

وكانت الشكوى المقدَّمة من قبل عمَّتي وكذلك تقرير الشرطة، الذي تم فيه جمع الأدلة بعد السرقة، قد اختفيا. وفي الأرشيف لم يكن يوجد سوى رقم الملف، الذي يثبت السرقة. وكان لا بدّ لي من أن أقدِّم شكوى جديدة، وأن أذهب إلى السلطات القضائية، وأقدِّم نفسي في مختلف الدوائر والمكاتب، وأسرد مرارًا وتكرارًا ما حدث وأجيب على الأسئلة، لكي أتمكَّن بعد ذلك من تقديم الملف إلى الشرطة الجنائية المختصة.

Parastou Forouhars Ausstellung Written Room / Schriftraum in der Stadtgalerie Saarbrücken, 2011; Foto: Parastou Forouhar
Parastou Forouhar kam als Kunststudentin vom Iran nach Deutschland. Als sie vom Tod ihrer oppositionellen Eltern, dem Politikerehepaar Daryoush Forouhar und Parvaneh Eskandari erfährt, bricht für sie eine Welt zusammen. Es dauert zehn Jahre, bis sie wieder ihr eigenes Leben in den Mittelpunkt stellen kann. Doch die schlimmen Ereignisse, die sich Ende der 1990er Jahre in ihrer Heimat abspielten, sind bis heute präsent in ihrer Kunst und in ihrem Handeln.

وكانت الظروف هناك تعكس الحكاية الرائعة التي رواها لي صديقي الكبير في السنّ. التقيت بالعديد من المعتقلين، الذين تم إحضارهم من أجل استجوابهم. وهؤلاء الرجال يرتدون زيًا للسجناء يشبه البيجامة، وهم مكبَّلون بسلاسل من اليدين والقدمين. وحتى أنَّ بعضهم مُقَيَّدون بسلاسل بعضهم مع بعض. وعندما يجتازون الممرات تُصْدِر السلاسل صوت رنين. ينتظرون أمام المكتب، من دون أن يُسمح لهم بالجلوس. وعندما يدخلون مكتب رجال الشرطة الجنائية، وهو قاعة كبيرة فيها العديد من طاولات الكتابة المصفوفة بعضها بجانب بعض، يضطر هؤلاء الرجال المقيَّدون بالسلاسل إلى الجلوس على الأرض أمام هذه الطاولات. ومن أجل الزوَّار الآخرين توجد بعض الكراسي البالية. لا أستطيع أن أجد كلمة أخرى سوى التمييز العنصري للتعبير عن ذلك.

بعد أن غادرتُ هذا المكتب، ذهبت إلى مكتب للسياحة والسفر من أجل تأجيل موعد رحلة عودتي. وكانت السماء تمطر وحركة المرور قليلة في شوارع طهران. ومكتب الشرطة هذا موجود في واحدة من ناطحات السحاب المبنية حديثًا، والتي تغزو منذ بضعة أعوام وبسرعة هائلة صورة مدينة طهران.

كان المصعد مغطى بمرايا عاكسة ومغمورًا بالضوء. وفي مكتب السياحة والسفر كانت توجد شابات لطيفات، بمكياج مُتقَن، يجلسن خلف أجهزة عالية التقنية. وكلُّ واحدة منهن كانت ترتدي على رأسها وشاحًا حريريًا يتناسب مع زيِّها الرسمي الأنيق.

وكانت الموظفة المختصة جيِّدة وقد أنجزت لي عملي بسرعة. كنتُ مضطربة. كلمات غلام حسين الساعدي كانت تتردَّد في رأسي، حتى وإن كانت القبضة في هذه المرة ترتدي الكثير من الحُلِيّ. لا أستطيع أن أجد كلمات مناسبة لوصف التناقض الصارخ بين العوالم المعيشية الموجود بعضها إلى جانب بعض في طهران - يبدو وكأنَّ اللغة تقوم بتعتيم الواقع في هذه الحالة أكثر من وصفها له.

ملصق انتخابي مخيف

كنت جالسة في سيارة أجرة عندما أسرني منظر ملصق انتخابي كبير، بحيث أنَّني اضطررت إلى الخروج من السيارة. كان يظهر على هذا الملصق وزير المخابرات السابق، المعروف عامةً للجمهور بأنَّه مسؤول عن العديد من انتهاكات حقوق الإنسان والاغتيالات السياسية. وفي هذا الملصق تظهر صورته على خلفية ملونة بألوان زاهية وهو يبتسم ابتسامة ودية ويمد يده اليمنى مرحبًا بالمشاهدين. وكان شعار حملته الانتخابية: "برلمان مؤهل ووحدة وتضامن".

نظرت منذهلة عندما وضع شابٌ مفعم بالحماس ورقةً في يدي. كان مكتوبًا فيها: "ائتلاف الأمل، القائمة 30 + القائمة 16". كانت هذه دعاية انتخابية للإصلاحيين. وكذلك كان مكتوبًا فيها اسم وزير استخبارات سابق، هو دري نجف أبادي: المسؤول عن الاغتيالات السياسية في خريف عام 1998 - والمسؤول عن اغتيال أبي وأمي. وعلى الرغم من وجود أدلة دامغة من أجل إدانته، ولكن لم تتم محاسبته.

تحدَّث الشاب حول آماله في الإصلاحات، وحول حقنا في التصويت وقال إنَّ ممارسة هذا الحقّ واجبٌ وطنيٌ. كنتُ واقفة ورأسي مُنْحَنٍ لكي أخفي عنه دموعي، وتساءلت ما نوع التعامل الممكن بين أولئك القريبين من الضحايا، وأولئك الذين ينتخبون قاتليهم بسبب الأمل؟

هذه الكلمة "أمل" هي التي تُفرِّقنا وتُبعدنا. فلو وضعنا مكانها كلمة الخوف أو الحيرة، لكان التعامل سيكون ممكنًا. ولو أنَّ "الإصلاحيين"، الذين قاموا بإعداد الحملة الانتخابية، لم يُفْرِطوا وبشكل مخالف للمنطق في ذكر كلمات مثل "الأمل" و"الحق" و"الإصلاح"، لكان من الممكن أن يكون هناك واقع، يمكننا أن نتجادل حوله.

انتهت الانتخابات الآن. وليس ذلك الشاب وحده: بل إنَّ الكثيرين من أصدقائي ومعارفي، والكثيرين من المعارضين - المقرَّبين من الإصلاحيين - قد انتخبوا القائمة الانتخابية "30 + 16". أتساءل الآن إن كانت أصواتهم تساوي حُكمًا ببراءة الجناة من جرائم الماضي.

صادفت الانتخاباتُ الجمعةَ الأولى من الشهر. وفي هذا اليوم سافرت إلى مقبرة خاوران الـمُحَرَّمة، والواقعة على مشارف مدينة طهران. من النظرة الأولى تبدو مقبرة خاوران أرضًا مقفرة، غير أنَّها تُخفي القبور الجماعية لمعارضين تم إعدامهم. وهي مكان له طابع رمزي يرمز إلى إبادة المعارضة الإيرانية بصورة منهجية في الثمانينيات، لا يجوز فيه وضع أية شواهد على القبور ولا يسمح فيه بزراعة أية نبتة.

ولكن مع ذلك ففي الجمعة الأولى من كلِّ شهر تتم زيارة هذه المقبرة من قبل أقارب المعارضين، الذين تم إعدامهم. جلستُ في طرف المقبرة وكنت أراقب النساء، اللواتي كن يضعن الأزهار في شجيرات الشوك ويضعن علامات مليئة بالمحبة هنا وهناك. وهذه التنسيقات الصغيرة وغير الملفتة للنظر والمكوَّنة من الأغصان والحجارة وأكواز الصنوبر تُذَكِّرني دائمًا بأعشاش الطيور.

Friedhof Khavaran - Massengrab der Opposition; Foto: Shokkofe Montazari
Friedhof Khavaran - Massengrab der Opposition: Auf den ersten Blick Brachland, verbirgt Khavaran die Massengräber der hingerichteten Dissidentinnen und Dissidenten. Ein Ort mit Symbolcharakter für die systematische Vernichtung der iranischen Opposition in den 1980er Jahren.

ضابط شرطة مرتبك

في يوم الثلاثاء ذهبت آخر مرة إلى مكتب الشرطة الجنائية من أجل اللقاء بالضابط، الذي تم تكليفه بملف القضية. "ماذا تريدين؟ أين وقعت السرقة؟ ما الذي تمت سرقته؟"، كان يسأل بصوت مرتفع وهو عابس من دون أن يرفع نظره من فوق الطاولة. وعندما أجبته بأنَّ الملف الموضوع أمامه يحتوي على هذه المعلومات، ارتفع صوته أكثر، وقال لي آمرًا وهو يشير لي إلى الباب: "اِجلسي في الخارج حتى أستدعيك".

غادرتُ المكتب مع الإشارة إلى أنَّني سوف أرسل محاميَّ الخاص، وعليه أن يصرخ في وجهه إلى أن ينقطع نفسه. وأنا مليئة بشعور الخجل من أولئك الذين كانوا يتعرَّضون لمثل هذه المضايقات من دون أن يتمكَّنوا من الدفاع عن أنفسهم - غادرت هذا المكتب. وبعد ذلك بفترة قصيرة اتَّصل بي هاتفيًا ضابط الشرطة وسألني في لهجة تصالحية: "لماذا ذهبت يا سيدة فروهر؟ لقد كنت قد طلبت منك أن تنتظري. أرجوك أن تعودي".

تركته يرجوني عدة مرات ومن ثم عدت أدراجي. وعندما وصلت، كان وكأنَّه رجل مختلف. وتحدَّث في لهجة تصالحية وأسرية، وقد ادَّعى أنَّني أنا التي كنت قد رددت بفظاظة. وراح يهتم بالملف بعناية مبالغ فيها وأمطرني بوابل من الأسئلة. وكان لا بدّ لي مرة أخرى من التفكير في كلمات غلام حسين الساعدي. فكيف تجمَّع هنا العدوان والنفاق ليكوِّنا صورة مركَّزة للتعسُّف.

تقويم للشهور بمَشاهِد انتحار

قبل رحلة عودتي كنت قد أعددت منشورًا فنِّيًا وكنت أرغب في عرضه في طهران. وكان هذا المنشور عبارة عن تقويم فنِّي يتكوَّن من اثني عشر رسمًا رقميًا. وهذه الرسوم تظهر مشاهد انتحار لنساء في محيطات منزلية ومثالية تشبه المنمنمات؛ وتظهر في الوقت نفسه تصوير المحتويات وإخفاءها.

تم ترتيب عرض هذا التقويم في معرض أعمل معه. وبعد ساعات فقط من الإعلان عن هذا الحدث على موقع المعرض على الإنترنت، كان هناك رد فعل قاسٍ من قبل رجال الأمن. وأعقب ذلك استدعاء صاحبة المعرض وصاحب المطبعة واستجوابهما. وفرضت الشرطة على هذا الحدث حظرًا، يترتَّب على انتهاكه ليس فقط إغلاق المطبعة والمعرض، بل كذلك اعتقال صاحبي المعرض والمطبعة.

وبما أنَّه قد تم إبقائي من قِبَل سلطات الأمن خارج هذه القضية تمامًا، فقد كنت محرومة من أية فرصة للاحتجاج. وقبل فترة قصيرة من نشر المعرض لإلغاء هذا الحدث، اتَّصلت بي هاتفيًا صحفية تكتب لصالح صحيفة يومية ناقدة ومقرَّبة من الإصلاحيين. وعندما أبلغتها عن الحظر، عبَّرت عن أسفها وودَّعتني. وبدوري فهمت أنَّه حتى حاليًا في "عصر اعتدال وليبرالية" الصحافة الناقدة لا يُسمح بنشر أخبار إلاَّ حول الأنشطة المسموح بها فقط. أمَّا المحظورات فيتم التعتيم عليها.

لقد منحني حظر المعرض وقت فراغ بعد الظهر، استخدمته لزيارة مَعْلَم تذكاريّ أقيم في مبنى سجن تاريخي لتكريم الكفاح من أجل الحرية ضدَّ نظام الشاه الدكتاتوري. لديَّ ذكريات كثيرة في هذا المكان، حيث اعتقل والدي طيلة سنوات بصفته معارضًا للشاه، وكنت أزوره في طفولتي وفي فترة صباي.

Irans gestürzter Premierminister Dr. Mohammad Mossadegh; Quelle: Tarikhirani.ir
Ikone der iranischen Demokratiebewegung, Symbol der Freiheit und des iranischen Patriotismus:Mossadegh war Premierminister Irans Anfang der 1950er Jahre, stand für Demokratie, Rechtsstaatlichkeit und Souveränität des Landes, und wurde durch einen Putsch entmachtet, dessen Drahtzieher amerikanische und englische Geheimdienste waren.

وهذا المكان يعكس تمثيل التاريخ في إيران اليوم: محتويات مُزَوَّرة ومظاهر خارجية مزيَّنة. إنها مثالية لتصوير مسلسلات تلفزيونية: من أجل لوحات معلومات مصممة بشكل جميل تسرد صيغًا من التاريخ خاضعة للرقابة بلغة مبتذلة، ومن أجل صور لمجموعة مختارة من المعتقلين السابقين الذين أصبحوا الآن جزءًا من النظام الحالي أو مقرَّبين منه.

أمَّا والدي فقد تم حذفه من التاريخ -مثل الكثيرين من المعارضين الآخرين. وعندما تحدَّثت حول ذلك مع الحرَّاس اللطيفين، واسوني في لهجة تصالحية، وقالوا لي: "من الممكن أن يكون هذا خطأً بسيطًا. لا تكوني متشكِّكة".  وفقط منظر أشجار التَّنُّوب القديمة كان مطابقًا لذاكرتي في هذا المكان.

زيارة إلى بيت تاريخي

قبل فترة قصيرة من سفري زرت أحمد أباد، وهي قرية صغيرة بعيدة عن طهران، يوجد فيها ضريح محمد مصدق، الرمز السياسي لوالدي وأمي. كان محمد مصدق رئيس وزراء إيران في مطلع الخمسينيات، وكان مع الديمقراطية ومبدأ دولة القانون وسيادة إيران، وقد تمت الإطاحة به في انقلاب، كان المدبِّر له أجهزة الاستخبارات الأمريكية والبريطانية. وبعد ذلك عاش محمد مصدق تحت الاعتقال والاقامة الجبرية في أحمد آباد حتى وفاته. وقد تم دفنه في إحدى غرف منزله.

قبل يوم واحد من الذكرى التاسعة والأربعين لوفاة محمد مصدق سافرتُ مع مجموعة صغيرة من رجال مسنين من المعارضة إلى أحمد أباد، برفقة حفيد مصدق. وتم إبقاء هذه الزيارة سرية، كما أنَّنا ذهبنا عبر طريق غير مباشرة، لكي لا نلفت الانتباه إلينا.

وفي هذا المكان الذي بات رمزًا لاستمرارية كفاح الشعب الإيراني من أجل الحرية- حيث كانت تُقام وعلى مدى عقود من الزمن الاحتجاجات- كان الشيء الأكثر وضوحًا عدم وجود موقف معارض. وذلك لأنَّ هذه الزيارة كانت بمثابة عمل غير سياسي تمامًا في مناسبة سياسية - تذكير لا يبدو كموقف في وقتنا الحاضر.

 

برستو فروهر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: إيران جورنال / موقع قنطرة ar.qantara.de 2016