الكونية والخصوصية في سياق جدال إسلامي
"الخصوصية الثقافية"...أداة لتبرير استلاب الحريات وشرعنة القمع والاستبداد

تروج الدول السلطوية العربية والمؤسسات الدينية التقليدية، المسئولة عما يسمى بالإسلام الرسمي، لخطاب الخصوصية. فيتحدثون عن شعوب غير مؤهلة لممارسة الديموقراطية وأن الديموقرطية حقوق الإنسان، بخاصة حق الحرية، لا تناسب تراثنا وتقاليدنا، لكونها تقاليد غربية وغريبة عن مجتمعاتنا. وهذا على رغم أن لا مشكلة لديهم في العودة إلى الشرعة الدولية عندما تكون في مصلحتهم الخاصة.

الكونية تعني الصلاحية العامة لمنظومة من القيم، وبمعزل عن التقاليد الثقافية التي ساهمت في إنتاج هذه القيم. مثلاً، «حقوق الإنسان» هي فكرة ذات صلاحية عامة ولا ينتقص من هذا كونها نتاجاً للحضارة الغربية، فهي تدور حول حقوق الإنسان من حيث أنه إنسان وغير متعلقة بخلفيته الدينية أو القومية أو أي شيء آخر.

في المقابل تعارض الخصوصية الكونية ذلك بتأكيدها على أن صلاحية ادعاءاتنا الأخلاقية والفكرية مرتبطة بالتقاليد التي ننتمي إليها، فحقوق الإنسان فكرة غربية ولا تملك صلاحية كونية. الكوني يحيل إلى قيم ومبادئ عامة نحتكم إليها، فيما يتحدث المدافع عن الخصوصية عن قيمنا وأخلاقنا في مواجهة قيمهم وأخلاقهم، بالنسبة إليه لا يوجد ما يمكن دعوته بقيم وأخلاق عامة.

إشكالية الكونية والخصوصية إشكالية غربية أساساً، وقد مثلت النزعة القومية أولى التعبيرات النظرية عن الخصوصية. غير أن اللافت هو كثافة حضور هذه الإشكالية في السجالات الإسلامية. فالهجوم على الديموقراطية وحقوق الإنسان يتم على أساس كونها قيماً غربية تدعي الكونية، فتتعالى الأصوات الداعية إلى العودة إلى قيمنا وتقاليدنا الخاصة، أي استدعاء الخصوصية في مواجهة الكونية.

الغريب في هذه الممارسة هو أنها، وعلى رغم ادعائها الدفاع عن الإسلام والتمترس خلف قيمه، تناقض ما هو مركزي في الإسلام نفسه. فالإسلام دين كوني، رسالة الله إلى البشر كافة من دون تقييد هذه الرسالة في ثقافة أو عرق أو اثنية، وهو يندرج في تقاليد الأديان التوحيدية الكبرى مثل المسيحية.

كونية رسالة الإسلام

من المؤكد أن الإسلام لا ينفي وجود اختلافات بين البشر، لكن هذه الاختلافات لا تلغي وجود فطرة بشرية واحدة وقيم ومعايير كونية يحاسب الله البشرَ على أساسها، ومن دون هذه القيم لن يكون هناك معنى لكونية الرسالة أو للمحاسبة الإلهية للبشر. كذلك هي الحال في ما يتعلق بالاختلاف بين المؤمنين وغيرهم، من مشركين أو كفار وهلم جرا... فالاختلاف من طبيعة عقدية ولا ينسحب إلى نكران وجود معايير أخلاقية عامة، فقد بُعث النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) لإتمام مكارم الأخلاق الموجودة سلفاً.

ينتمي الإسلام إلى معسكر دعاة الكونية، والخلاف داخل هذا المعسكر يدور حول ماهية هذه القيم وليس حول عموميتها لسائر البشر.

الخصوصية الثقافية أداة لتبرير التخلف والاستبداد العربي
الخصوصية الثقافية أداة لتبرير التخلف والاستبداد العربي

النقطة التي أود التدليل عليها هي أن فكرة الخصوصية، وعلى رغم استخدامها المفرط في السياق الإسلامي، غير متّسقة مع أكثر فكرة مركزية في فهم الإسلام لذاته وهي أنه دعوى كونية، دين رب العالمين إلى الناس كافة، ولا يمكن الدفاع عنه أو مقاربته باعتباره مجرد تقليد خاص بين تقاليد أخرى. السجال الأكثر معقولية في الحالة الإسلامية أن يكون حول التصورات المتباينة للقيم الكونية، لكن ليس بين الخاص والكوني.

من المفهوم تماماً أن يتبنى القوميون، مثلاً، خطاب الخصوصية، لكن بالتأكيد لا المسلمون، وقطعاً ليس باسم الإسلام.

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة

تعليقات القراء على مقال : "الخصوصية الثقافية"...أداة لتبرير استلاب الحريات وشرعنة القمع والاستبداد

حقوق الانسان !!!!
هذة لغة لا يوجد لها تفسير في عالم الدكتاتوريات , ومن يصنع الدكتاتوريات غير بعض الدول الاوروبية الاستعمارية متل فرنسا وانجلترا واسبانيا وامريكا , وهذة الدول لا تسمح بان يتواجد مكان لهذة الكلمات (حقوق ,انسان , ديموقراطية ,تطور ,نهضة, شفافية, .....,,....) في لغة اشباة الدول اللتي تستعمرها واللا اطاحت بعميلهم او مندوبهم في لمح البصر , متل السادات و مبارك و مرسي وبن علي و صالح و......و....و....)

Ahmed26.08.2017 | 11:34 Uhr