إلى أي حد يمكن اعتبار النسوية معادية للإسلام؟

الناشطات النسويات اللواتي ينافحن في ألمانيا عن حظر ارتداء الحجاب، يخن في الواقع قضية المرأة الرئيسية، ويسقطن في فخ الخطابات الشعبوية البغيضة، كما تكتب الصحافية ميريديت هاف في هذا التعليق.

الكاتب، الكاتبة : Meredith Haaf

الاحتكام إلى الشعور الداخلي ليس دائما أسوأ الاستدلالات فيما يتعلق باتخاذ القرارات. لكنه يظل من الناحية السياسية بلا نفع يذكر. ولا ريب أنه كذلك، خصوصا حين يتناقض هذا الشعور الداخلي مع الحياة اليومية ومع حاجات ومشاعر نسبة كبيرة من الناس.

أما بالنسبة للأسئلة المتعلقة بالنظام الجنساني فإن سلطة الشعور الداخلي ما زالت مستقرة نسبيا. فالحجاب الإسلامي ما زال على رأس قائمة المواضيع المثيرة للجدل في ألمانيا، والتي تنتمي إليها نظرية الجندر أو العمل الجنسي، وما زالت تتسبب بردات فعل سيئة. وينجم عن ذلك نتائج، هي غالبا قاسية بالنسبة للمعنيين بالأمر.

ففي قرار مؤثر عاطفيا، رفضت المحكمة الدستورية العليا في ألمانيا الطلب الذي تقدمت به قانونية مسلمة، أرادت الاحتفاظ بحجابها في فترة تدريبها. وهنا يتم عبر قرار قضائي منع امرأة من تحقيق طموحها الوظيفي بسبب مظهرها الخارجي. وهي امرأة، بسبب خلفيتها وقناعتها الدينية، تتعرض بلا شك لكل أشكال التمييز هنا في سوق العمل. وعلى الرغم من ذلك تحتفي النسويات الألمانيات بهذا الحكم، كما فعلت المنظمة النسوية الألمانية "تير ديه فام" Terre des Femmes عبر تويتر.

Frauen in Burkini und Bikini protestieren in Antwerpen gemeinsam gegen das Burka-Verbot in Frankreich. Foto: picture-alliance/dpa/F.Sadones
Sollen neunjährige Mädchen von der Polizei die Kopftücher entfernt bekommen, fragt Meredith Haaf. Sollen 16-Jährige mit Kopftuch jederzeit mit Ausweiskontrollen und Bußgeldbescheiden rechnen müssen? Wie sich diese Art von Gesellschaftsverbesserungsmaßnahmen auswirkt, konnte man im vergangenen Jahr in Frankreich beobachten, wo Ordnungshüter Strandbesucherinnen dazu zwangen, ihre Burkinis auszuziehen. Soll der westliche Säkularismus in all seiner bleichen Glorie als Leitideal wirklich an den schwächsten Mitgliedern der Gesellschaft - Kindern - exerziert werden?

دوائر نسوية ألمانية مؤثرة ترى في الإسلام "أكبر نصير للأبوية للذكورية"

لقد بدا ذلك في البداية مدهشا. لكن المواضيع الراهنة وسلم أولويات مجموعات مثل "تير ديه فام"، أو مجلة "إيما" Ema الألمانية، تظهر بأن النظر إلى الإسلام -كمحرك للاستياء الاجتماعي- لا يقتصر فقط على اليمين المحافظ وأنصار الخطاب "الهوياتي" أو حزب "البديل من أجل ألمانيا".

وفي دوائر نسوية مؤثرة ترسخت رؤية ترى في الإسلام أكبر نصير للأوساط الذكورية الأبوية في هذا البلد، وتبدو الاستدلالات المرتبطة بهذه الرؤية معادية لليبرالية وشعبوية يمينية شيئا ما. وفي هذا السياق يلح علينا السؤال: إلى أي حد يمكن الحديث عن علاقة وطيدة بين النسوية والسياسة التقدمية؟ هل القوانين ضد الفتيات المحجبات جزء من هذه العلاقة؟ وماذا عن لباس السباحة (البيكيني) لمن لا يتجاوزن ربيعهن الثامن؟

يتوجب علينا أن نلقي مرة نظرة على موقع مجلة "إيما" النسوية في الإنترنت. صحيح أن تأثير المجلة في تراجع، لكنها ما زالت تعتبر بوصلة للكثيرين فيما يتعلق بمواضيع تهم حقوق النساء. فما زال بإمكاننا العثور على عرض كبير، لكن بؤرة الاهتمام أضحت ضيقة: خمس مقالات في عدد واحد عن اضطهاد المرأة في الإسلام، وثلاث حول الدعارة الإجبارية ولوبي العاملات في الجنس. ووفقا لهذه الرؤية، فإن أكبر العقبات ضد مجتمع عادل هن المحجبات في الأقلية المسلمة وعاملات الجنس اللواتي لا قلب لهن، واللواتي لا يبحثن إلا عن حقوقهن، بدلا من الاحتفاء بالعروض الاستشارية التي تقدم لهن وبالقانون الذي يحض على ضرورة استعمال العازل الطبي.

"المسلم الوحيد المقبول"

إن المسلم الوحيد المقبول في هذا البلد هو الكاتب أحمد منصور المعروف بانتقاداته للإسلام. نوع الواقع الذي تتعامل معه مجلة "إيما"، لا يختلف بشكل دراماتيكي عن واقع المجلة السياسية اليمينية "تيشيس آينبليك"، التي يصدرها المدير السابق لأسبوعية "فيرتشافتس فوخيه" Wirtschaftswoche، رولاند تيشي. أما منظمة "تير ديه فام"، فإنها أبعد في الواقع ما يكون عن الشعبوية، وهذا ما يجعل قراراها مثيرا للدهشة أكثر، هذا القرار الذي اتخذ في جمعها العام الأخير، والذي يدعو إلى دعم قانون يحظر ارتداء القاصرات للحجاب.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار بأن هذه الجمعية تحصل على تبرعات ودعم مادي كبير وأنها تنشط على مستوى دولي، فإن قرارها هذا ليس هامشيا فيما يتعلق بالنقاش النسوي. ففي الفضاءات العامة، في المدارس والبلديات -بل وفي الشوارع أيضا- ترى أنه يتوجب حظر ارتداء الفتيات للحجاب. ويتم الاستدلال على صحة هذه الدعوة بممارسات بعض الأسر المسلمة، والتي ترتدي فتياتها في الصف الإعدادي الحجاب.

إن هذا يطبع الفتيات كـ "موضوع للإثارة وككائنات جنسية" ويحط من قيمتهن كإناث. وعلاوة على ذلك فهي تعتبر أن "حجاب الفتيات" يؤثر بشكل سلبي على تطور الفتيات المسلمات، لأنهن يتعودن في وقت مبكر، على ألا يملكن القدرة كراشدات -في المستوى السيكولوجي- على التخلي عن الحجاب، وأنه من واجب الدولة أن تسهر على نمو الفتيات في هذا البلد في ظل ظروف متساوية.

Die Journalistin und Herausgeberin der Zeitschrift Emma, Alice Schwarzer. Foto: Thomas Schulze (dpa)
Für die Zeitschrift Emma ist die kopftuchtragende Minderheit in der muslimischen Minderheit der größte Verhinderer einer gerechten Gesellschaft. Der Realitätszuschnitt der Emma unterscheidet sich nicht dramatisch von dem des rechten Politmagazins Tichys Einblick, das der Ex-Chef der Wirtschaftswoche, Roland Tichy, gegründet hat.

ولا يحتاج المرء للنظر إلى الحجاب الإسلامي كشيء يستحق الحماية ولا أن يجد حجاب الفتيات الصغيرات مقبولا، لكي يرى في الأمر مشكلة منطقية. ألا تقتني الكثير من الأسر لبناتها قمصانا، كتبت عليها كلمات ذات إيحاءات جنسية أو ملابس سباحة مثيرة؟

بالإمكان النظر إلى هذا الأمر كممارسة تمييزية مبكرة، ولكن من الغريب أنّ "تير ديه فام" لا تدعو المشرِّع لحظر مثل هذه الملابس. فهل يعني ذلك أن الطابع الجنسي الغربي أقل تأثيرا من الشرقي؟

العديد من الأطفال، إناثا وذكورا، يترعرعوا في هذا البلد [ألمانيا] على حافة الفقر، وبفرص أقل بكثير مقارنة بالأطفال الآخرين. أليس من واجب الدولة أن تحول دون ذلك؟ لكنّ المشارِكات في الجمع العام لمنظمة "تير ديه فام" ركزن على مسألة الخوف من الأسلمة، ورأين أن ذلك ما يتوجب الحؤول دونه.

تؤكد عضوات المكتب التنفيذي مثل إينغه بيل وهانيا لوشاك صعوبة تحقيق هذا المطلب، فالأمر لا يتعلق برأيهن بمشروع قانون، ولكن "بتوجه اجتماعي نريده". لكن هذا التوجه يساهم في تأجيج التمييز، على مستوى الخطاب، ضد جزء من المجتمع.

هل يتوجب على الشرطة أن تنزع حجاب فتيات في التاسعة من عمرهن؟ وهل ستضطر فتيات في السادسة عشر من عمرهن إلى التعرض للتفتيش من طرف الشرطة أو يفرض عليهن دفع غرامات مالية؟

يمكننا أن نلاحظ تأثير إجراءات التحسين الاجتماعي هذه، في السنوات الأخيرة، في فرنسا مثلا، حيث يعمد رجال الشرطة إلى إرغام زائرات الشواطئ على نزع البوركيني. لكن هل يتوجب على العلمانية الغربية أن تطبَق بهذه القسوة على أضعف الأعضاء داخل المجتمع؟

لا شيء آخر تأمل به النسويات، واللواتي باسم المساواة، يحرضن الدولة على أسر من خلفيات محددة. غير أن القوانين، والتي يتم إعداداها على مقاس مجموعات معينة من السكان، ستكون لا ريب قوانين تمييزية.

الحافز الذي يقف خلف ذلك هو مفهوم بشكل ما، لأنه أضحى من الصعب -اليوم وأكثر من أي وقت مضى- تجاوز المجتمع الأبوي. طبعا يتمنى المرء أن ينجح على الأقل في الحؤول دون استمرار تأثير عامل من عوامل هذا المجتمع، وأن يلغي رمزا من رموزه. لكن، إذا كان مثل هذا القانون سيمس في النهاية النساء وحدهن، وفي هذه الحالة الفتيات، فإن ذلك لن يساعدهن في شيء، لا على مستوى عام أو خاص. رغبة النسويات بتدخل زجري للدولة، معادٍ للإنسانية إن القوانين التي تطلب حماية النساء من بعض الممارسات، مثل ارتداء الحجاب، هي -كمطالب نسوية- ليست فقط عبثية شيئا ما، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار النتائج الانسانية لمثل هذه القوانين، بل إن ذلك يفضح الموقف غير النقدي إزاء الدولة، باعتباره الحاملة التاريخية للنظام الأبوي. والأكثر من ذلك، فإن الاستعداد لاختزال الجماعات المحددة دينيا أو إثنيا في رموزها، يدعم مواقف أولئك الذين يطالبون -ولأسباب أخرى- بتعامل عنيف وتمييزي مع المسلمين.

في عام 1961 جاء الحجاب كلباس للنساء المسلمات إلى المجتمع الألماني.
في عام 1961 عقدت ألمانيا وتركيا اتفاقا تم بموجبه إحضار ملايين من العمال الأتراك إلى ألمانيا. أغلبيتهم ظلت في هذا البلد. ونظراً لذلك جاء الحجاب كلباس للنساء المسلمات إلى المجتمع الألماني.

واليوم، فإن حزب البديل من أجل ألمانيا وحده من يطالب بمنع ارتداء الفتيات للحجاب في المدارس. وعلاوة على ذلك، فإنه الحزب نفسه الذي يطالب بتوقيع عقوبات على النساء اللواتي يربين أبناءهن لوحدهن كما يطالبون في برنامجهم السياسي بتشديد الشروط المرتبطة بالكشف عن المعلومات فيما يتعلق بالإجهاض.

إذا ما تحولت النساء إلى هدف للأنظمة القانونية، سواء تعلق الأمر بالمحجبات أو عاملات الجنس، فإن الأمر لا يتعلق هنا البتة بتقدم اجتماعي، بل هو في أحسن الأحوال، مجرد تجميل خارجي رخيص. وهو أمر يتوجب معرفته، خصوصا على أولئك الذين ينشطون في الدفاع عن المرأة ضد أشكال التمييز المختلفة. ومن يدافع عن موقف آخر، فإنه يربط نفسه بسياسة، ليست فقط معادية للنساء، بل في عمقها معادية للإنسانية.

 

 

مريديت هاف

حقوق النشر والترجمة: زود دويتشه تسايتونغ / موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de