حاجة إلى وحدة ألمانية جديدة...مع المهاجرين

بغض النظر عن القانون، هل يعترف جميع الألمان بأن الحاصلين على الجنسية الألمانية هم ألمان؟ لا أحد ينكر أن ألمانيا بلد هجرة، لكن التشبث بفهم ماضوي لألمانيا -ومناقض للواقع- لا يخدم سوى اليمين واليمين الشعبوي، بل ويشكل خطرا على اللحمة الاجتماعية. هذا ما يلاحظه البروفيسور أندرياس بوك في هذا المقال التحليلي الخاص بموقع قنطرة، معتبرا أن من العنصرية أيضاً اعتبار أن الألماني: هو من ينطق الألمانية بدون لكنة أجنبية.

الكاتب، الكاتبة : Andreas Bock

نعيش في أزمنة ما بعد واقعية، لم تبدأ مع دخول ترامب إلى البيت البيض. فمن مظاهرها أيضا قناعات لاواقعية للمحافظين الألمان بأن ألمانيا ليست بلد هجرة.

"ألمانيا ليست ببلد هجرة، لا أبدا"، هذا هو لسان حال المحافظين، ولكن الأرقام تقول شيئا آخر. فحتى عام 2014 بلغ عدد المنحدرين من أصول مهاجرة في ألمانيا 16 مليوناً وأربعمائة ألف شخص، وهو ما يعادل أكثر من عشرين في المائة من مجموع ساكنة البلاد. كما يجب ألا ننسى أن أكثر من تسعة ملايين شخص، من أصول مهاجرة، أصبحوا ألمانا. ناهيك عن أن ما يقارب الثلثين (عشرة ملايين وتسعمائة ألف)، من الناس الذين يعيشون في ألمانيا، هم من الجيل الأول للمهاجرين، وثلثهم (خمسة ملايين ونصف) من الجيل الثاني أو الثالث.

لكن من يشكك في هذه الأرقام فعليه ربما أن يعتقد بالقوة المعيارية لكرة القدم الألمانية. فخلال منافسات كأس العالم عام 2014، ساهم لاعبون ذوو أصول مهاجرة مثل جيروم بوتينغ، وسامي خضيرة، وشكودران مصطافي ومسعود أوزيل في نجاح المنتخب الألماني، بل وحتى فيما يتعلق بالتشكيلة الحالية للمنتخب الألماني، فإن المدرب يؤاخيم لوف، يعتمد على خدمات لاعبين من أصول مهاجرة، مثل أنطونيو رودغر وإمرو كان.

هل الألماني هو الذي ينحدر من أصول ألمانية فقط؟

لكن، هل ألمانيا فعلا ليست بلد هجرة؟ إن القول بذلك لا يمت بصلة للواقع، بل هو مجرد أمنية. فالمكون الإيديولوجي، الذي يقول بشعب ألماني نقي ومنسجم، ما زال يمتلك تأثيرا كبيرا في الخطاب الألماني المعاصر، وهو نفسه الذي يتحدث عن شعب لا يمكننا الانتماء إليه إلا عبر الولادة.

Mesut Özil während eines WM-Länderspiels in Brasilien im Jahr 2014; Foto: picture-alliance
Leistungsträger mit Migrationsgeschichte: In der Weltmeistermannschaft von 2014 sorgten Spieler wie Jérôme Boateng, Sami Khedira, Shkodran Mustafi oder Mesut Özil für den Erfolg Deutschlands. Und auch im aktuellen Kader setzt Bundestrainer Jogi Löw auf Spieler wie Antonio Rüdiger oder Emre Can.

تجدر الإشارة، أنه منذ  يناير/ كانون الثاني 2000، اعتمدت ألمانيا، إلى جانب قانون الدم، قانون الأرض كشرط للحصول على جنسيتها، على عكس القانون سابقا الذي كان ينص على أن الألماني هو من ينحدر من أبوين ألمانيين فقط، وأنه وحده من يستطيع الحصول على الجنسية الألمانية والانتماء إلى الشعب الألماني.

في الواقع اليومي من ينحدر من أصول مهاجرة لا يمكنه أن يصبح ألمانياً بتاتاً! صحيح أن بإمكان ذوي الأصول المهاجرة عبر طرق رسمية الحصول على الجنسية الألمانية، لكنهم لا يستطيعون إطلاقاً أن يصبحوا ألمانا كبقية الألمان أو أن ينتموا إلى الشعب الألماني. بالنسبة للقارئ الساذج، قد يبدو هذا أمراً قديماً، بالنظر إلى تاريخ مفهوم "الشعب الألماني" و"الشعبي" الإشكالي والدموي، بل وقد يكون للأمر وقعا مخيفا.

لكن، رغم ذلك، فما زال لهذا الفهم لما هو ألماني، المنغلق والإقصائي والتمييزي، تأثير إلى يومنا هذا على السياسة والمجتمع. فهو من جهة، ما زال يخلق توترات وخيالات بالنظر للسؤال عن المشاركة الاجتماعية للناس من أصول مهاجرة، ومن جهة ثانية يدعم المعسكر اليميني وتحريضه على الناس من أصول مهاجرة على المهاجرين وخصوصا على المسلمين.

من الألماني؟

من يبحث في موقع ويكيبيديا على الهوية الوطنية للألمان، وعن شروط أن تكون ألمانيا فسيفاجأ بشكل إيجابي بأن "أغلبية الألمان تقول، وفقا لما ذكرته العديد من الأبحاث، بأن المعيار الحاسم من أجل أن يكون المرء ألمانياً، هو استعمال اللغة الألمانية".

وبغض النظر عن واقع أنه تمت الإشارة هنا إلى دراسة واحدة، فإن الملاحظة الدقيقة لهذه الدراسة -تظهر بأن الفهم الأكثر تأثيرا لما هو ألماني- إقصائي ومنغلق، بعكس ما يقوله الاستشهاد السابق. إن ما جاء في موقع ويكيبيديا تلخيص لنتائج الدراسة المعروفة باسم: "ألمانيا، ما بعد الهجرة رقم واحد"، والتي أنجزتها جامعة هومبولت بالتعاون مع المؤسسة البرلينية للبحث في شؤون الاندماج والهجرة والصادرة في عام 2014. إن نتائج هذه الدراسة تسلط في الآن نفسه الضوء على العديد من الجوانب، وتعد بالكثير.

ومن النظرة الأولى، يظهر أن الشرط الأساسي، لكي يتم اعتبارك ألمانياً، بنظر ثمانين في المائة، هو الحصول على الجنسية الألمانية، وبالنسبة لسبعة وتسعين في المائة هو القدرة على التحدث بالألمانية. وهي كلها عوامل إدماجية، تسمح للناس من أصول مهاجرة بأن يصبحوا ألماناً وأن يتم النظر إليهم كألمان.

لكن في الآن نفسه، هناك بعض العوامل العنصرية، ومنها تلك التي ترى أن الألماني هو ذلك الذي ينطق الألمانية بدون نبرة أجنبية، وقد وصل عدد من قال بذلك واحدا وأربعين في المائة، في حين رأى ثمانية وثلاثون في المائة أن شرط أن تكون ألمانياً هو التخلي عن الحجاب، وسبعة وثلاثون في المائة أن تنحدر من أصول ألمانية.

ووفقا لهذه الآراء فإنه يتوجب إقصاء كل شخص من أن يكون ألمانيا، إذا لم يتكلم الألمانية كلغة أم، أو إذا تعلق الأمر بامرأة ترتدي حجابا، أو إذا لم ينحدر الشخص من أبوين ألمانيين. ويكفي ألا يتم الإيفاء بشرط من هذه الشروط، لكي لا يتم اعتبار المرء ألمانيا، حتى وإن كان لديه الجنسية الألمانية منذ ولادته.

لا حرية دينية للمسلمين؟

إن هذا المدى الأخرق للإقصاء يظهر في مثال المرأة المسلمة التي ترتدي حجاباً، إذ يتم، كما كتب مؤلفو الدراسة، "إخراجها من السردية القومية وعبر ذلك من الهوية الجمعية، بغض النظر عما إذا كانت ولدت هنا، أو لديها الجنسية الألمانية أو تتحدث الألمانية، بل وحتى إن كانت تنحدر من أبوين ألمانيين، كما الحال مع من اعتنق الاسلام، بل وحتى مع أبناء من اعتنق الإسلام".

وكأهم شخصية في فيلم "ضد الجدار"، حققت الممثلة زيبل كيكيلي شهرة كبيرة، وتعتبر اليوم من أبرز الممثلات الألمانيات. لقد وصل والداها إلى ألمانيا في السبعينيات قادمين من تركيا، وكانا من جيل المهاجرين الأوائل. إنها ترفض تسميتها بأنها تركية-ألمانية، وتشير دائما إلى جواز سفرها الألماني.

لكن مدى هذا الإقصاء يصبح محسوساً بشكل أكبر إذا تعلق الأمر بالولوج إلى سوق العمل. إذ تظهر دراسة للمؤسسة الألمانية للاندماج والهجرة بعنوان "التمييز في سوق العمل" كيف يتم التمييز بين أناس يملكون الكفاءات نفسها، إذا كانوا يحملون أسماء تركية.

ففي الوقت الذي يتوجب على المرشح الألماني كتابة خمس طلبات للعمل في المعدل، يتوجب على المرشح الذي يحمل اسما تركيا كتابة سبع طلبات. ويظهر التمييز بشكل أكبر من المرشحات اللواتي يحملن اسما ألمانيا، ونظيراتهن اللواتي يحملن اسما تركيا ويرتدين الحجاب، كما تظهر دارسة لدوريس فايكزلباومر: "التمييز ضد النساء المهاجرات اللواتي يرتدين الحجاب".

إعلان لفيلم "ضد الجدار" الذي حاز على جائزة "البرليناله" عام 2004.
تخوفات من الاندماج: كانت توجد تخوفات أيضا لدى بعض المهاجرين من الاندماج في المجتمع الجديد. المخرج التركي الأصل فاتح أكين سلط الضوء على هذه الظاهرة في فلمه "ضد الجدار"، والذي حاز على جائزة "البرليناله" عام 2004.

وتظهر هنا الصعوبات التي تتخلل تعامل الأغلبية الألمانية مع المواطنين المسلمين. فمن أجل الحصول على دعوة إلى مقابلة توظيف، يتوجب على المرشحة التي تحمل اسما تركياً وترتدي حجاباً أن تبعث بطلبات أكثر خمس مرات من تلك التي تتقدم بها المرشحة الألمانية.

وهكذا تصبح المشاركة الاجتماعية للعديد من الناس في ألمانيا، وبسبب أصولهم المهاجرة، أمرا صعب المنال، كما هو الحال بالنسبة للقانونية المسلمة في بافاريا، والتي تم منعها من العمل في المحكمة خلال سنتها التدريبية. لكن وزارة العدل في ولاية بافاريا ترفض القبول بهذا القرار، كما عبر عن ذلك وزير العدل في الولاية فينفريد باوسباك: "لا يمكننا القبول بهذه النتيجة". ألا يمكن لولاية بافاريا أن تدرك بأن حرية التدين حق للمسلمين أيضا؟ إن المعسكر اليميني سيبتهج لا ريب لذلك، فهو الذي لا يرى في المسلمين سوى خطرٍ وجسدٍ غريبٍ على المجتمع.

وفضلا عن ذلك يمكن لنتائج الإقصاء الاجتماعي، وخصوصا إذا أضحت شيئا لا يمكن تجنبه، أن تكون خطيرة على الحياة الاجتماعية المشتركة، وهو ما تظهره عالمة الاجتماع الفرنسية فرهاد خوسروكفار في دراستها: "التطرف". والعكس صحيح، يمكن قوله انطلاقا من دراسة عالمة الاجتماع الفرنسية، فإن تحقيق المشاركة الاجتماعية، وسيلة ناجعة ضد التطرف.

إن ألمانيا بلد هجرة، ونحن الآن نعيش الجيل الثاني للهجرة، وقريبا الجيل الثالث. إن التشبث بفهم ماضوي -وغير واقعي لكينونة الألماني- يسمح بانتشار اليمين واليمين الشعبوي، كما أنه يهدد العيش المشترك في هذا البلد.

 

أندرياس بوك

ترجمة: وداد هادي

حقوق النشر: موقع قنطرة 2017

ar.Qantara.de

 

أندرياس بوك، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أكون للدراسات الإنسانية في برلين ومحاضر في السياسة الدولية وتحليل النزاع بجامعة أوغسبورغ الألمانية. تدور أبحاثه حول الإرهاب والعنصرية وعلم النفس السياسي.