لو عاش غوته بيننا لدافع عن انتماء الإسلام لألمانيا

كان القرآن -إلى جانب الإنجيل- أقرب كتاب مقدس إلى روح أمير الشعراء الألمان يوهان فولفغانغ فون غوته (1749 - 1832). ولا بد أن غوته كان سيدافع عن حق الإسلام في الانتماء إلى ألمانيا لو كان يعيش في القرن الـ 21. صحيح أن تعامل غوته مع الإسلام -وكذلك مع المسيحية- لم يكن يخلو من التحفظ ولم يتحرج من الانتقاد، غير أنه كان يميز بين جوهر تعاليم الأديان وبين كيفية تعامل الناس معها، كما أن عقيدته كانت مَبنية من دون أدنى شك على تسامح غير قابل للتفاوض. تحليل الصحفية الألمانية ميلاني كريستينا مور لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Melanie Christina Mohr

كيف كان الشاعر الألماني يوهان فولفغانع فون غوته، الذي اهتم بالإسلام طوال حياته، سيحدِّد موقفه في القرن الحادي والعشرين -يا ترى- من مسألة إنْ كان الإسلام جزءًا من ألمانيا ومنتميًا إليها؟

على الأرجح أن غوته كان سينظر بعبوس إلى الرأي القائل إن المسلمين رغم عيشهم الجيد جدًا في ألمانيا ورغم السماح لهم بممارسة دينهم فيها لكن هذا لا يكفي لجعل الإسلام جزءًا من ألمانيا.

بإمكاننا الافتراض أنَّ غوته كان سيدعو بشدة إلى عدم إخضاع الدين لأية جنسية وإلى أن يجد الإسلام نفس الحقّ في الوجود في ألمانيا مثل المسيحية واليهودية.

فلم يأتِ من فراغ تشكيلُ غوته -خلال إنتاجه ديوانه الشرقي الغربي- معارضةً لمشروع بعض الرومانسيين، الذين كانوا يحاولون مساواة المسيحية بالثقافة الألمانية.

وبالنسبة لأمير الشعراء الألمان غوته لم يكن الانتماء الديني قائمًا على الأصل العائلي أو الانتماء الثقافي، لأنَّ الانتماء الديني يكمُنُ في الشخص نفسه. والانتماء الديني لا يتطلب بالتالي أية شروط مسبقة أو روابط أصلية أو حتى قدرات لغوية. وبالنسبة لغوته فإنَّ الدين يُجسِّد في المقام الأوَّل بنيان الحرية الشخصية وقوة اتِّخاذ القرار، التي كان يستمد منها إبداعه في سنواته المبكِّرة.

 

غلاف لإحدى طبعات ديوان غوته الشرقي الغربي.  (erschienen 1819, erweitert 1827); Quelle: wikipedia
"لم يأتِ من فراغ تشكيلُ غوته -خلال إنتاجه ديوانه الشرقي الغربي- معارضةً لمشروع بعض الرومانسيين، الذين كانوا يحاولون مساواة المسيحية بالثقافة الألمانية."، مثلما ترى الكاتبة الألمانية ميلاني كريستينا مور.

 

الإيمان - "وعاء مُقدَّس"

يجب على مَنْ أراد فهم انبهار غوته وتعاطفه مع الإسلام أن يعرف كيف كانت مشاعر أمير الشعراء وآراؤه فيما يخص الدين. كان موقف غوته طيلة حياته ذا منحيين متضادين تجاه الدين. فعلى الرغم من أنَّه أكَّد مرارًا وتكرارًا على القوة الخاصة، التي استطاع أن يستمدها لنفسه مما هو إلاهيّ وأثنى على القيمة اللغوية في الكتب المقدَّسة التي يعرفها، ولكن كثيرًا ما كان يُعرِض ويبتعد من جديد عن عناصر الإيمان وبنفس سرعة حبِّه لها.

لقد اهتزّ إيمانه لأوَّل مرة وهو في سنّ السادسة، مثلما ذكر ذلك في سيرته الذاتية "الشعر والحقيقة". وكذلك جعله زلزال لشبونة -الذي وقع في عام 1755 وأودى بحياة نحو ستين ألف شخص- يشكّ في نوايا العلي القدير. لم يتمكَّن غوته الشاب من فهم كيف يمكن لله، خالق العالم والكون، أن يترك الصالحين والظالمين يواجهون مصير الهلاك نفسه.

ومع ذلك فإنَّ غوته لم يتمكَّن من ترك الكتاب المقدَّس؛ درس العهدين القديم والجديد حتى عرفهما خير معرفة، ليُدرك لاحقًا أنَّ الأمر في جوهره يعتمد دائمًا على سبب العمل وداخله ومعناه واتِّجاهه. وهنا بالذات كانت تكمن بالنسبة لغوته الألوهية، التي جعلت الكتبَ المقدَّسةَ -بالنسبة له- مقدسةً وسامية في كلّ زمان.

أمَّا إعراض غوته عن الدين فكان في الغالب يرتبط بالمؤسَّسات الدينة وبممثّليها. وعندما كان يعمل في مجلة "فرانكفورتَر غيليرتِن أنتسايغن"، اعترض على تزمُّت ممثِّلي الديانة المسيحية ومواقفهم المتشدِّدة ودافع عن الانفتاح وحرية كلّ فرد في تحديد ديانته بنفسه.

هذه الأحداث مهمة للغاية لأنَّها تبيِّن أنَّ غوته اتَّبع نهجًا نقديًا جدًا من ناحية في تعامله مع بنيان الدين، وكان يميِّز من ناحية أخرى بين جوهر التعاليم الدينية وكيفية تعامل الناس معها. والدين -مثلما كتب غوته- هو: "وعاءٌ مقدَّس، كلُّ مَن فيه مستعدّ -بأقصى استطاعته- للتضحية بمشاعره وبعقله وبخياله".

"صارم وضخم ورهيب وعظيم حقًا"

لقد كان القرآن -إلى جانب الإنجيل- أقرب كتاب مقدَّس إلى روح غوته من بين جميع الكتب المقدَّسة. في عام 1771، حثَّه هيردر على التعامل بشكل مكثَّف مع كتاب المسلمين المقدَّس. وإلى جانب إعجابه بلغة القرآن القوية -التي قال إنَّها الإلهام الأعلى الذي شكَّل البلاغة الشعرية في النصوص المقدسة- فقد سهَّل عليه الوصول إلى القرآن عنصرٌ حاسم، هو: توافق تعاليم الإسلام الرئيسية مع مشاعر وآراء الشاعر الدينية.

كان رفض غوته المعجزات كفيلًا بارتباطه بالدين الإسلامي، بالإضافة إلى إيمانه بعقيدة التوحيد ووحدانية الله وقناعته بتجلي الله في الطبيعة.

شعر غوته بأنَّه مفهوم ضمن أفكار الإسلام حول القضاء والقدر، وذلك كونه كان من المؤيِّدين المخلِصين للفيلسوف الهولندي باروخ سبينوزا (1632 - 1677)، الذي وفقًا لأخلاقياته فإنَّ الإنسان لا يملك أية إرادة مطلقة الحرية، بل يملك فقط بعض الأعمال الإرادية الفردية. وبالنسبة للشاعر غوته فإنَّ الأمور تسير يدًا بيد مع الإرادة الإلهية.

لقد بلغ انجذاب غوته إلى الإسلام إلى حدَّ أنَّه أقر -وهو في سنّ السبعين في ملاحظاته ومقالاته المدوَّنة في ديوانه الغربي الشرقي- بـِ "تبجيل تلك الليلة المقدَّسة، التي أُنزِل فيها القرآن كاملًا إلى النبي من السماء".

وفي ليلة القدر، التي يُحتفل بها في إحدى الليالي الفردية من بين الليالي العشر الأخيرة في رمضان، كان الشاعر غوته يقتدي بالمسلمين ويمضي هذه الليلة في التعبُّد والصلاة. إنها تلك الليلة -[وفق أحد الآراء] ذات نفس التاريخ- التي صعد النبي محمد بدابته الطائرة "البُرَاق" ومع جبريل أحد أبرز الملائكة إلى السماء (الإسراء والمعراج).

تأثَّر غوته بليلة الإسراء والمعراج وقد دوَّن في ديوانه: "ما الذي يمنع الشاعر من ركوب حصان محمد العجيب والمضي عبر جميع السموات؟". وفي فصله الشعريّ "محمد" يصف غوته أسلوب القرآن بأنَّه يتناسب مع مضمونه "حازمٌ ورهيبٌ وفي بعض المواضع رائعٌ حقًا"، ولذلك فلا عجب من تأثير القرآن الكبير في نفس غوته.

"غلاف ديني مظلم"

على الرغم من أنَّ غوته لم يكن يحبُّ جعل النبي محمد موضوعًا لانتقاداته، فإنَّ ذلك لم يمنعه من أن يشعر بأنَّه مضطر للتعبير عما بدا له "غير معقول". فبالإضافة إلى مكانة المرأة في الإسلام التي تراجعت بحسب غوته بعد وفاة الرسول، وتحريم الخمر الذي لم يكن لدى غوته أي تفهُّم له، وكذلك صورة الإسلام عن الجنة التي تشكَّلت وفقًا لرأيه بشكل كبير من منظور ذكوري، أثقل التضاد بين النبي والشاعر علاقة غوته بمحمد.

وخلافًا للنبي محمد، لم يكن غوته يعتبر عصر ما قبل الإسلام عصر الجاهلية، بل على العكس تمامًا من ذلك، فقد كان الشاعر غوته يُقدِّر -مثل هيردر- العصر الوثني في شبه الجزيرة العربية بشعره المتميِّز والمزدهر.

كان غوته يرفض الحكم على العصور الإنسانية فقط بحسب الجوانب اللاهوتية، وكان يرى أنَّ هناك العديد من المعايير، التي يجب قياس العصور الماضية وفقًا لها.

وفي هذا الصدد كان غوته يشعر تمامًا بالتحدي والتنافس مع النبي وقد كتب في رسالة إلى صديقه أستاذ الموسيقى كارل فريدريش تسيلتر في عام 1816: "أنا أتصرف بإنتاجية، وهذا يعني: أنَّني أريد مِن الذي لا يفعل الأشياء الآن بشكل صحيح أن يفعلها بشكل أفضل".

 

مسلم باكستاني يقرأ القرآن.  Foto: picture alliance/dpa/Bilawal Arbab
Im Zwiespalt: Wer die Goethesche Sympathie für den Islam verstehen möchte, der muss wissen, wie es um die religiösen Gefühle und Ansichten des Dichterfürsten im Allgemeinen bestimmt war. Zwar unterstrich er immer wieder die besondere Kraft, die er aus dem Göttlichen für sich gewinnen konnte und lobte den sprachlichen Wert der ihm bekannten heiligen Schriften, aber nicht selten wandte er sich ebenso rasant wie er der Zuneigung verfallen war, auch wieder von den Elementen des Glaubens ab.

 

وبعيدًا عن احترامه للدين وانبهاره بالإسلام وبرسوله، فقد كان مقتنعًا قناعة عميقة بأنَّ "خلاص البشرية محفوظ في روعة الشعر". وقد لخَّص في الديوان هذا الانتقاد بقوله إنَّ "النبي أخصع جماعته الدينية لغلاف ديني مظلم".

مهرجان الإنسانية النقية

كان غوته يسعى طوال حياته من أجل تقريب الجماعات والطوائف الدينية المختلفة من بعضها. وكان جلّ اهتمامه منصبًا على أن يعملوا ويعيشوا ليس بعضهم بجانب بعض، بل بعضهم مع بعض. وفي مقال غير منشور كتب في عام 1817 "حول عيد الإصلاح"، اقترح أن يتم الاحتفال بالأعياد الدينية بعضها مع بعض وتوحيد جميع الطوائف ضمن هذا الإطار.

وبحسب وجهة نظره يجب أن يكون الهدف من الاحتفال بمهرجان الإنسانية النقية هو عدم سؤال الناس بعضهم بعضًا عن الجماعة التي ينتمون إليها، بل الاحتفال بالتنوُّع فقط مُتَّحدين في الإيمان أو في عدم الإيمان بالله.

يجب ألَّا نتحرَّك في عالم متجانس، بل يجب أن يكون التنوُّع مفتاح السلام والسعادة: هذا الحلم الذي كان يحلم به غوته لم يتحقَّق حتى يومنا هذا، كما أنَّه لا يزال يبحث عن روح شجاعة تشعر بالاستعداد لتبنِّي هذه الفكرة وتنفيذها.

 

 

ميلاني كريستينا مور

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

 

[embed:render:embedded:node:36694]