الجزائر تترك مهاجرين غير نظاميين بالآلاف للصحراء

ما لبثت حدة أزمة فيروس كورونا تخِفُّ بشكل ملحوظ في الجزائر حتى بدأت السلطات الجزائرية مجددا باتخاذ إجراءات مشدّدة ضد مهاجرين غير نظاميين وبترحيل آلاف الأشخاص إلى النيجر منتهكةً بشكل صارخ القانون الدولي. الصحفي سفيان فيليب نصر يسلط الضوء لموقع قنطرة على ترحيلات جماعية من الجزائر إلى النيجر.

الكاتبة ، الكاتب: Sofian Philip Naceur

منذ عام 2017 تتَّخذ الجزائر بشكل ممنهج إجراءات ضدَّ اللاجئين والمهاجرين المقيمين في البلاد، حيث تقوم بترحيل مئات الأشخاص في كلَّ أسبوع إلى جارتها النيجر ضمن سياق عمليات إبعاد جماعي منتظمة. وبالرغم من أنَّ الحكومة الجزائرية قيَّدت بشكل مؤَّقت إجراءاتها ضدَّ اللاجئين والمهاجرين في ضوء الأزمة الصحية في شهر آذار/مارس 2020 غير أن عمليات الترحيل لم تتوقَّف كليًا قطّ.

استأنفت السلطات الجزائرية في نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2020 عمليات الترحيل الجماعي المثيرة جدًا للجدل إلى النيجر - وذلك على نطاق واسع. وبحسب شبكة الناشطين "هاتف الإنذار الصحراء" فقد تم خلال سبعة عشر يومًا فقط ترحيل خمسة آلاف ومئتين وواحد وتسعين شخصًا من اثنتين وعشرين دولة أفريقية وباكستان إلى النيجر، وكان من بينهم أربعمائة وتسع نساء وثمانمائة وسبعة أطفال قاصرين.

إذْ تم ترحيل ثلاثة آلاف وثمانية وسبعين شخصًا منهم في أربع قوافل توصف بكونها "رسمية"، أمَّا الباقون (2213 شخصًا) فقد تم نقلهم في أربع قوافل "غير رسمية" وتُركوا على بعد نحو خمسة عشر كيلومترًا من الحدود في وسط الصحراء وأُجبروا على مغادرة البلاد سيرًا على الأقدام باتِّجاه أساماكا، وهي بلدة صغيرة تقع على الجانب النيجري من الحدود مع الجزائر. توصف عمليات الترحيل -التي تقوم بتنسيقها الجزائر مع النيجر ويتم فيها تسليم أشخاص للجيش النيجري- بأنَّها "رسمية"، أمَّا عمليات الترحيل التي تتم من دون التشاور مع الدولة المجاورة فتوصف بأنَّها "غير رسمية".

صفقة الترحيل الجزائرية مع النيجر

تستند سياسة الترحيل الجزائرية إلى اتِّفاقية ثنائية لإعادة اللاجئين تم إبرامها في عام 2014 بين حكومتي الجزائر ونيامي، ولكن لا يزال محتواها الدقيق سرِّيًا حتى يومنا هذا. ومن غير الواضح أيضًا إن كانت هذ اتِّفاقية مكتوبة أم مجرَّد اتِّفاق شفهي. ومع ذلك فمن المؤكَّد أنَّ هذه الصفقة لا تسمح إلَّا بترحيل المواطنين النيجريين.

 

خريطة – النيجر والدول الأفريقية المحيطة بها، ومنها الجزائر.
عمليات ترحيل واسعة النطاق: استأنفت السلطات الجزائرية منذ نهاية أيلول/سبتمبر 2020 عمليات الترحيل الجماعي المثيرة جدًا للجدل إلى النيجر. وبحسب شبكة الناشطين "هاتف إنذار الصحراء" فقد تم خلال سبعة عشر يومًا فقط ترحيل خمسة آلاف ومئتين وواحد وتسعين شخصًا من اثنتين وعشرين دولة أفريقية وباكستان إلى النيجر، وكان من بينهم أربعمائة وتسع نساء وثمانمائة وسبعة أطفال قاصرين.

 

ولكن الجزائر تلتزم جزئيًا فقط بهذا الاتِّفاق، وذلك لأنَّها تقوم حتى يومنا هذا وبشكل منهجي بترحيل أشخاص من بلدان عديدة معظمها أفريقية إلى النيجر في القوافل "غير الرسمية". كذلك قامت الجزائر في الماضي بترحيل أشخاص قادمين من سوريا واليمن وفلسطين وبنغلاديش إلى جارتها النيجر. وعلى الرغم من أنَّ الحكومة النيجرية في نيامي قد احتجَّت عدة مرات بشدة في الأعوام الأخيرة على ترحيل مواطنين غير نيجريين، لكن الجزائر تجاهلت باستمرار مثل هذه الشكاوى من جارتها النيجر.

موجات اعتقال ممنهجة

بعد إتمام الصفقة، كانت السلطات الجزائرية تقوم في البداية فقط بترحيل مواطنين نيجريين بشكل متقطع إلى المنطقة الحدودية، ولكنها وسَّعت في عام 2017 نطاق عمليات الترحيل بشكل كبير. ومنذ ذلك الحين تقوم السلطات الأمنية الجزائرية بمداهمات شبه أسبوعية لمواقع البناء وفي الأحياء ذات النسب المرتفعة من المهاجرين، وتعتقل المهاجرين المُشتبه في أنَّهم يعيشون بشكل غير نظامي في البلاد، منتهكةً بشكل صارخ الاتِّفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين وحقوق الإنسان.

يتم جلب هؤلاء المهاجرين -بعد احتجازهم لعدة أسابيع أحيانًا- في قوافل حافلات تنقلهم إلى تمنراست الواقعة على بعد نحو ألفي كيلومتر جنوب الجزائر العاصمة، حيث يتم وضعهم هنا في مركز عبور منهار قبل أن يتم نقلهم إلى المنطقة الحدودية وترحيلهم على متن شاحنات عسكرية.

انتقدت سلطاتُ الأمم المتَّحدة ونشطاءُ حقوق الإنسان الحكومة الجزائرية منذ عام 2017 عدة مرات بسبب إجراءاتها القمعية ضدَّ المهاجرين. ومن منتقدي الحكومة الجزائرية أيضًا منظمةُ حقوق الإنسان هيومن رايتس ووتش، التي أدانت بشدة في بيان صدر في بداية شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر 2020 حملة ترحيل المهاجرين الأخيرة من الجزائر إلى النيجر.

وجاء في هذا البيان "من حقِّ الجزائر حماية حدودها، ولكن لا يجوز لها احتجاز المهاجرين، بمن فيهم الأطفال وطالبو اللجوء، تعسُّفًا، وطردهم جماعيًا من دون أي أثر لإجراءات قانونية واجبة". وبحسب بيان منظمة هيومن رايتس ووتش فقد طردت السلطات الجزائرية آلاف المهاجرين وطالبي اللجوء إلى النيجر ضمن موجات اعتقال جرت في تسع مدن على الأقل منذ نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2020: "فرَّق عناصر الأمن الأطفال عن عائلاتهم وحرموا المهاجرين وطالبي اللجوء من مقتنياتهم، ولم يسمحوا لهم بالطعن في قرارات ترحيلهم".

انتهاكات حقوق الإنسان والعنف

كثيرًا ما يتحدَّث المتضرِّرون إلى وسائل الإعلام الدولية أو منظمات الإغاثة وحقوق الإنسان العاملة في النيجر حول احتجازهم أحيانًا لعدة أسابيع قبل ترحيلهم، وكذلك حول تعرُّضهم للضرب وأشكال أخرى من استخدام العنف على أيدي أفراد قوَّات الأمن الجزائرية.

بعد هذه الاعتقالات، يُجرِّد الجيشُ الجزائري المهاجرين من جميع مقتنياتهم الثمينة مثل النقود والهواتف، ويأخذون منهم أحيانًا حتى أحذيتهم. بالإضافة إلى ذلك فقد قال مهاجرون مُرَحَّلون مؤخرًا لمنظمة هيومن رايتس ووتش إنَّ الدرك وأفراد الأمن الجزائري يأخذون من المهاجرين أوراقًا رسمية مثل تصاريح العمل وجوازات السفر ويتلفونها بشكل تعسُّفي.

وفي الوقت نفسه لا يزال من غير الواضح أين وإلى أي مدى تحتجز الجزائر المهاجرين واللاجئين. وبحسب تقرير من مشروع الاحتجاز العالمي، وهو منظمة غير حكومية مقرها جنيف تقوم بتوثيق ممارسات الاحتجاز في العديد من البلدان بحقِّ المهاجرين، فإنَّ الحكومة الجزائرية لديها مرافق احتجاز مُعَدة خصيصًا للمهاجرين والأجانب في الجزائر العاصمة والبليدة ووهران ورقان وتمنراست.

يتحدَّث مرارًا وتكرارًا أشخاص مُبعَدون وكذلك هاربون إلى تونس أو النيجر عن احتجازهم في مراكز الشرطة الجزائرية. ولكن لا يزال من غير الواضح ما هي السياسة التي تتَّبعها الجزائر بالتحديد في مسألة احتجاز المهاجرين، لأنَّ الحكومة في الجزائر العاصمة حذرة للغاية لا تكشف عن شيء، ولا توجد معلومات رسمية عن المهاجرين المحتجزين.

 

 

وفي الوقت نفسه لا تستثني السلطات الجزائرية من عمليات الترحيل طالبي اللجوء أيضًا. وفي هذا الصدد أكَّد مكتب الجزائر التابع للمفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين -ردًا على سؤالنا- اعتقال أكثر من ثمانين طالب لجوء وترحيلهم إلى النيجر منذ نهاية شهر أيلول/سبتمبر 2020. وذكر أنَّ هناك أكثر من مائة شخص مسجَّل لدى المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين تم ترحيلهم منذ شهر كانون الثاني/يناير 2020.

وكذلك قال مندوب العلاقات الخارجية في مكتب المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين في الجزائر، راسل فريزر، لموقع قنطرة: "المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين تشعر بقلق عميق إزاء الاعتقال والطرد الجماعي لطالبي اللجوء والمهاجرين". وعلى أية حال فقد تم -خلال الأسابيع القليلة الماضية وبعد تدخُّل المفوضية السامية للأمم المتَّحدة لشؤون اللاجئين- إطلاق سراح أربعة عشر شخصًا مسجَّلين لدى المفوضية، بحسب راسل فريزر.

الإعلان عن استراتيجية هجرة جديدة

وعلاوةً على ذلك فقد أعلن وزير الداخلية الجزائري كمال بلجود في بداية شهر تشرين الأوَّل/ أكتوبر 2020 عن أنَّ "الحكومة تبنَّت وضع استراتيجية وطنية للحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية في إطار المعاهدات الدولية التي وقَّعتها الجزائر ولاحترام حقوق الإنسان". غير أنَّ الواقع يبدو مختلفًا. فقد وصفت في بيان لها منظمةُ "هاتف إنذار الصحراء" الإجراءات المُعلن عنها من قِبَل كمال بلجود بأنَّها "إعلان حرب" على المهاجرين، وتهدف إلى أهداف من بينها إشباع النزعة العنصرية تجاه المهاجرين الأفارقة في المجتمع الجزائري.

وبالتزامن مع ذلك تضع الجزائر نفسها "بشكل غير مباشر كحارس أمين لنظام حدود الاتِّحاد الأوروبي" من خلال اتِّباعها سياسة الترحيل القمعية، بحسب تعبير شبكة ناشطي "هاتف الإنذار"، التي تشير إلى أنَّ الجزائر لم تعقد بعد أي اتِّفاق هجرة رسمي مع الاتِّحاد الأوروبي. ولهذا السبب أيضًا تقوم دول الاتِّحاد الأوروبي منذ سنين بتزويد السلطات الجزائرية بالسلع والتجهيزات العسكرية والأمنية مثل تكنولوجيا المراقبة أو سيارات المرسيدس بنز، بحسب منظمة "هاتف الإنذار".

 

 

سفيان فيليب نصر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2020

ar.Qantara.de

 

[embed:render:embedded:node:41360]