حسابات فيسبوك مضللة يتابعها الملايين مصدرها أنظمة عربية

هل تحول فيسبوك من أداة للتواصل الاجتماعي بين الناس إلى أداة لنشر أخبارزائفة تستخدمها أنظمة سلطوية؟ معلومات كشفها فيسبوك لأول مرة تؤكد أن أنظمة عربية تستغل هذه الموقع لتوجيه الرأي العام. إسماعيل عزام والتفاصيل.

الكاتبة ، الكاتب: إسماعيل عزام

للمرة الأولى، يعلن فيسبوك عن سلوك مزيف منسق "مصدره بلدان عربية لأجل أهداف سياسية، إذ كشفت الشبكة الاجتماعية وجود حملتين منظمتين، واحدة مصدرها الإمارات العربية المتحدة ومصر، والثانية مصدرها السعودية، ورغم عدم وجود ترابط بينهما، إلا أن الحملتين قامتا بنفس السلوك، حيث أنشأتا مئات الحسابات الوهمية لأجل "تضليل" الآخرين.

الأرقام التي نقلها فيسبوك على مدونته الأمنية تشير إلى حذف 259 حسابا و102 صفحة وخمس مجموعات وأربع أحداث على فيسبوك، زيادة على 17 حساب انستاغرام، تنسق لسلوك مزيف، مصدرها الإمارات ومصر. أما الحملة الثانية التي مصدرها السعودية، فقد استخدمت 217 حسابا و144 صفحة وخمسة أحداث على فيسبوك و31 حسابا على انستاغرام. واتجهت الحملتان إلى عدة دول في الشرق الأوسط وشمال وشرق إفريقيا، منها ليبيا والمغرب والسودان ولبنان وتركيا وقطر.

ويؤكد عدد المتابعين لهذه المنشورات وجود جمهور واسع لهذه المحتوى المضلل، فقد أحصى فيسبوك 13.7 مليون حساباً يتابع واحدة أو أكثر من صفحات فيسبوك الخاصة بالحملة الأولى، فضلاً عن 65 ألف متابع لحساباتها على أنستاغرام. وفي الحملة الثانية، هناك 1.4 مليون حساب يتابع واحدة أو أكثر من هذه الصفحات على فيسبوك، و145 ألف شخص يتابعون حسابات انستاغرام.

ورُصدت أموال ضخمة لأجل ترويج هذه المنشورات، فقد دفعت الحملة الأولى 167 ألف دولار، والحملة الثانية 108 ألف دولار. وأشار فيسبوك إلى شركة تحمل إسم newwave في الإمارات و new waves  في مصر كمصدر لهذا المحتوى، بينما تحدث تقرير الموقع ذاته عن أن أفرادا مرتبطين بالحكومة السعودية، هم من يديرون الحملة الثانية. ويعمل هذا المحتوى على دعاية للدول الثلاث والمتعاونين معها كالجنرال الليبي خليفة حفتر، بينما يشن هجمات منسقة لضرب سمعة تركيا وقطر وجماعة الإخوان المسلمين.

 

 

تاريخ من المحتوى المضلل

سبق لفيسبوك أن أعلن حذف 2.2 مليار حساب مزيف في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019، وهو أعلى رقم تعلن هذه الشبكة الاجتماعية عن حذفه في تاريخها. كما سبق لها أن أعلنت حذف حسابات وصفحات للمحتوى المضلل مصدرها إيران، موجهة للعالم العربي ومن ذلك ضرب سمعة السعودية، وموجهة كذلك للغرب وبالأخص الولايات المتحدة. كما حذف فيسبوك محتوى آخر مخالف مصدره الاستخبارات الروسية، وآخر مصدره شركة إسرائيلية.

ويحاول فيسبوك ترميم سمعته بعد تقارير كثيرة أكدت أن هذه الشبكة الاجتماعية أضحت مجالاً للذباب الإلكتروني، ولحملات إلكترونية منظمة هدفها تضليل الرأي العام، خاصة مع استمرار الأخبار الكاذبة التي تجد في صفحات فيسبوك وسيلة للانتشار، فضلاً عن فضائح استغلال المعطيات الخاصة للمستخدمين.

ولا يعود هذا المحتوى المضلّل إلى حسابات وصفحات تنشأ بشكل مفاجئ، بل أحياناً يعطيها فيسبوك الضوء الأخضر، كما حدث في ديسمبر / كانون الأول 2017، عندما سمحت الشبكة الاجتماعية ذاتها بإعلانات سياسية تحمل روابط مغشوشة وفيروسات وبرامج ضارة، وفق ما نشره موقع برو بليكا.

وحاول فيسبوك أكثر من مرة تشديد الخناق على الحسابات الوهمية، وقام بحملات مؤقتة لأجل مطالبة الكثير من أصحاب الحسابات بتأكيد أنها تعود إليهم. كما ألزم كل من يرغب بترويج إعلان مدفوع أن يثبت هويته، لكن فيسبوك يصطدم كذلك بمواثيق حرية التعبير، وبعدم رغبة بعض المستخدمين الإفصاح عن هوياتهم لأسباب شخصية أو حتى أمنية، خاصةً في البلدان التي تتم فيها ملاحقة من يعبّرون عن آرائهم.

انتشار "الذباب الإلكتروني" في المنطقة

لكن هذه المرة يختلف الأمر، فالاتهام موجه إلى مصادر في بلدان عربية، وتطرح أسئلة حول الطريقة التي سترّد بها الإمارات على هذه الاتهامات، خاصة أن المقرّ الإقليمي لفيسبوك يوجد في دبي، حيث تتم إدارة ما يتعلّق بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويزداد الأمر حساسية مع التغطية الكبيرة التي تقوم بها وسائل الإعلام القطرية للخبر، إذ استفادت كثيراً مما نشره فيسبوك للاستمرار في خوض الحرب الإعلامية التي تسمم الفضاء الصحفي بالمنطقة منذ اندلاع الأزمة الخليجية.

 

 

ويدرك المتتبعون أن الحسابات الوهمية المضلّلة انتشرت بشكل واسع في المنطقة العربية، ووصلت إلى بلدان كثيرة بعيدة عن الأزمة الخليجية، وهناك آراء تتحدث عن أن هذا "الذباب الإلكتروني" مرتبط بأجهزة في السلطة، خاصةً مع ما يتعلّق بضرب المعارضين والهجوم على دولة خصمة وكذلك محاولة تجميل الأنظمة والدفاع عن توجهاتها في عدد من القضايا. وتنشط هذه الحسابات بقوة في صفحات فيسبوك الخاصة بالمواقع الإخبارية، خاصة منها الدولية، عندما تنشر أخباراً عن الدولة مصدر هذه الحسابات الوهمية.

وتجد شركة فيسبوك نفسها تحت ضغط واسع في المنطقة العربية، فعدد من الأنظمة رأت في هذا الموقع تهديداً كبيرا لوجودها، خاصة أنه لعب دوراً حاسماً في الحشد الجماهيري خلال فترة الربيع العربي، لذلك وبدلا من محاولة إغلاقه، استخدمته هي الأخرى لمصالحها الخاصة، ليس فقط عبر تقوية حضور الإعلام الدعائي الذي بات يستنجد بآخر التطورات التكنولوجية، أو تشجيع المحتوى الزائف، ولكن كذلك لحصار الأصوات المعارضة، إذ يتحدث نشطاء عن تعرض حساباتهم لحملات إشعار منظمة، والهدف إغلاقها أو على الأقل وقفها لفترة محددة.

 

 

 

إسماعيل عزام

حقوق النشر: دويتشه فيله 2019

 

 

 

ar.Qantara.de