سمر يزبك: حرية الصحافة تعادل في كفة الميزان وجودي كإنسانة

السلطات السورية اقتادت كل من مؤسس المركز, الصحفي مازن درويش والزملاء المعتقلين معه هاني الزيتاني وحسين غرير الى جهة مجهولة من حيث كانوا في سجن دمشق المركزي/ عدرا بانتظار جلسة النطق بالحكم المقررة بتاريخ ١٤ الشهر الجاري بعد تاجيلها لتسع مرات متوالية.
السلطات السورية اقتادت كل من مؤسس المركز, الصحفي مازن درويش والزملاء المعتقلين معه هاني الزيتاني وحسين غرير الى جهة مجهولة من حيث كانوا في سجن دمشق المركزي/ عدرا بانتظار جلسة النطق بالحكم المقررة بتاريخ ١٤ الشهر الجاري بعد تاجيلها لتسع مرات متوالية.

في سوريا الممزقة بحرب أهلية طاحنة لا يولي نظام الأسد أو التنظيمات الجهادية أي اهتمام بتغطية إعلامية حرة، فمن يبحث عن الحقيقة، يصبح هدفا لهما ويحتاج إلى الكثير من الشجاعة، كما ترى الكاتبة السورية سمر يزبك في مقالها التالي.

الكاتبة ، الكاتب: Samar Yazbek

بالنسبة لي شخصياً، أجد أن من المهم القول إن حرية الكلمة تعني أولاً وأخيراً معنى الاستمرار في الحياة، لأنها قررت مصيري وحياتي، فمواجهة الواقع ونقل الحقائق مجردة، هو كل ما يمكن الدفاع به عن النفس في سوريا: الكلمة الحرة والرأي المستقل والحقيقة. هذا يعني أن تكون حياتي جزءا من هذه الحرية، حرية الصحافة تعادل في كفة الميزان، الوجود بالنسبة لي، لأنها كانت المقياس الذي كتبت من خلاله، وهي ضميري أيضاً وعلاقتي بالعدالة والجمال ومستقبل الإنسانية.

 حرية الكلمة هي أيضاً في وضع صعب كالقضية السورية نفسها، إذ تشكل ثقلاً كبيراً لأنها تعني الخط، ولأن الوسائل التي اتبعها نظام الأسد في قمع الحريات لا تقتصر على القتل المباشر الجسدي، بل تتعداها إلى القتل المعنوي، لأي صحافي أو كاتب يريد الجهر بحقيقة المعلومات.

غياب الحقيقة والمعلومة الصحافية الأكيدة

بالنسبة لامرأة في العالم العربي، كان هذا قاسياً عليّ، ولكني أدرك تماماً أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب المخاطرة والشجاعة. لكن جزء من هذه المخاطرة هو حريتي في خيارات الانتماء إلى موقف من الحياة نفسها، فعندما يكون ثمن الحصول على المعلومة هو الحياة نفسها، لابد من تحول مفاهيم مثل حرية الحصول على المعلومة إلى سؤال كبير، يتعدى العمل الصحافي والمهني.

الناشطة والكاتبة السورية سمر يزبك
الناشطة والكاتبة السورية سمر يزبك: بالنسبة لامرأة في العالم العربي، كان هذا قاسياً عليّ، ولكني أدرك تماماً أن الوصول إلى الحقيقة يتطلب المخاطرة والشجاعة

في سوريا هناك وضع معقد وصعب، وتتفاوت صعوبات الحصول على المعلومات فيه بين واقع الأرض المتمثل في نظام الأسد الدكتاتور، الذي استطاع إدارة الإعلام وتشويه حقائق ما فعله بالشعب السوري، عندما خرج السوريون في سنة 2011 بمظاهرات سلمية تطالب بالعدالة والديمقراطية، وواجهها النظام بالقتل والاعتقال وقصف المناطق الثائرة بالطائرات، وبين ما انتهت إليه هذه الثورة بعد أربع سنوات دامية إلى صراع مسلح إقليمي ودولي على الأرض السورية وظهور "داعش".

انتهى الأمر إلى غياب الحقيقة والمعلومة الصحافية الأكيدة، فالمجموعات الجهادية الدينية التي اخترقت الأرض السورية، ومارست عنفاً واستبداداً على الشعب لا يقل خطورة عن ما فعله النظام من منع أي صحافي أو ناشط إعلامي ينقل حقيقة ما يحدث.

من جهة أخرى، بقيت المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الأسد رهينة للقمع والمصادرة وتزوير الحقائق لصالح تجميل صورة الأسد وتبرير مجازره وجرائمه.

الوصول إلى الحقيقة يتطلب المخاطرة والشجاعة

وفي مجتمع الحرب هذا يكون من الصعب الدخول إلى مناطق الكتائب الدينية المتطرفة مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، خاصة وأن عمليات خطف الصحافيين تشكل نوعاً من مورد الرزق بالنسبة للمرتزقة من الكتائب المسلحة. وضمن هذا الوضع الصعب تبقى هناك مبادرات يقوم بها نشطاء سوريون ظلوا محافظين ومتمسكين بأولويات ثورتهم التي خرجوا بها. وحاولوا ضمن هذه الثنائية الصعبة المتمثلة بالجهاديين المسلحين على الأرض من جهة، ومن جهة أخرى، القصف الذي تقوم به قوات الأسد للمناطق المدنية أن يتابعوا عملهم، وقُتل الكثير منهم، إما بالقصف أو أعدمتهم " داعش"، وهم في تناقص يوماً بعد آخر.

لقد خضت تجربة ضمن هذه الثنائية، بين سنة 2012 و2013 في الشمال السوري في ريف إدلب حيث قمت بإجراء العديد من المقابلات الصحافية، مع مدنيين ومقاتلين، وكان هذا صعباً عليّ مع التخفي والتنقل متنكرة، مع قصف الطائرات المستمر، وقد رأيت كم من الصعب أن يبقى الإنسان محافظاً على حياته، فكيف وهو يريد أن ينقل المعلومات وحقيقة الحياة هناك.

هذا أمر صعب جداً. إن نقل أي معلومة أو خبر قد يكلف الإنسان حياته هناك، وكل المعلومات والأخبار بلا استثناء هناك خاضعة لهذه الظروف.

 

سمر يزبك

حقوق النشر: دويتشه فيله 2015

سمر يزبك كاتبة سورية، درست الأدب وكتبت عدداً من الروايات والمجموعات القصصية. ونشطت كصحفية في مجال الحقوق المدنية ومدافعة عن حقوق المرأة. بعد ملاحقتها من قبل أجهزة الأمن السورية انتقلت للعيش في باريس منذ حزيران/ يونيو 2011. وتصدر قريباً الترجمة الألمانية لكتابها "بوابات أرض العدم"، التي قامت بها المترجمة لاريسا بندر وتُنشر في دار ناغل وكيمشه السويسرية للنشر.

هتلر وستالين وموسيليني وتطرف كاثوليكي تحت راية الأسد: لماذا يدافع متطرفون من أوروبا عن نظام الأسد