رغم الاستبداد والتطرف الديني...توق العرب والمسلمين الى الحرية وتحقيق الديمقراطية

محتجو عام 2011 الهاتفون من أجل الديمقراطية والحقوق المدنية هم مسلمون متديِّنون كأغلب سكان المنطقة العربية. يرى الباحث الألماني المخضرم أودو شتاينباخ في حواره التالي أن مسلمين كثيرين يتوقون للديمقراطية التعددية، وأن المشكلة لا تكمن في الإسلام الذي يعيشه هؤلاء المسلمون، بل في حكم استبدادي وإسلاموية راديكالية مُسَيَّسة، يعملان أحيانا لصالح بعض وأحيانا ضد بعض، في ظل انعدام قوة وسطية ذات توجهات إصلاحية.

الكاتبة ، الكاتب: أودو شتاينباخ

السيد الأستاذ أودو شتاينباخ، أنت تتابع منذ بداية السبعينيات الأحداث في الشرق الأدنى والأوسط. ما هو تقييمك؟

 

أودو شتاينباخ: التطوُّرات في الأربعين سنة الماضية بين شمال أفريقيا وأفغانستان لا يمكن وصفها إلَّا بأنَّها كارثية. كنتُ أعتقد في بداية مسيرتي الأكاديمية أنَّ العالم الإسلامي ماضٍ في طريقه نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان والتقدُّم. وحتى الثورة الإيرانية في عام 1979 كانت تبدو لي في البداية كخطوة أولى نحو التحرُّر.

 

بيد أنَّ محاولة إيجاد مشروع تنموي خاص اصطدمت في هذه الدول وعلى نحو متزايد بإسلام أصولي متزمِّت. إذ تم قمع القوى الليبرالية في كلِّ مكان. كما أنَّني شخصيًا أعتبر هذا خيبة أمل.

 

أشادت وسائل الإعلام الغربية بـ"الربيع العربي" 2011 باعتباره تحرُّكًا ديمقراطيًا كبيرًا. فهل كان هذا خطأً ساذجاً؟

 

 

أودو شتاينباخ: أنا شخصيًا كنتُ من الذين استعادوا الأمل في تلك الفترة، لأنَّ هذه الحركة انطلقت من الشعب. ولم يكن الناس يهتفون من أجل الشريعة والدولة الدينية، بل من أجل الديمقراطية والدستور والكرامة. وفقط عندما لم يسفر ذلك عن أي تغيير، لأنَّ النخبة القديمة قد تمسَّكت بالسلطة، ركب الإسلاميون والجهاديون على الثورات، مثلما حدث في كلّ من مصر وسوريا.

 

غير أنَّ الإسلام السياسي لا توجد لديه سوى حلول وهمية ليقدِّمها، ولا يستطيع التغلـُّب على المشكلات الكبيرة في المجتمعات الشرقية مثل سلب الحرِّيات والحكم الاستبدادي والاكتظاظ السكَّاني والبطالة. لقد وصل التطوُّر العربي منذ عام 2011 إلى طريق مسدودة.

 

حتى الطغاة مثل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يضفون على أنفسهم صبغة إسلامية متشددة من أجل إضفاء طابع الشرعية على حكمهم. هل يمكنك القول إنَّ الإسلام يمثِّل بحدِّ ذاته أكبر عقبة في وجه الحرِّية والازدهار؟

 

أودو شتاينباخ: لن أذهب إلى هذا الحدّ. إذ إنَّ المتظاهرين، الذين خرجوا في عام 2011 وكانوا يهتفون من أجل الديمقراطية والحقوق المدنية، كانوا يعتبرون أنفسهم مسلمين متديِّنين - مثل الغالبية العظمى من الناس في الشرق الأدنى والأوسط. المسلمون يمكنهم أن يعيشوا ضمن أنظمة حكم عديدة، والكثيرون منهم يتوقون اليوم إلى الديمقراطية التعدُّدية.

 

لا، فمشكلة هذه الدول لا تكمن في الإسلام بحدّ ذاته مثلما تعيشه جماهير الناس، بل تكمن من جهة في الإسلام الراديكالي المُسَيَّس وفي الحكم الاستبدادي من جهة أخرى. وكلاهما يعملان في بعض الأحيان بعضهما مع بعض، وأحيانًا بعضهما ضدَّ بعض - ولكن لا يوجد هنا وسط قوي ذو توجُّهات إصلاحية.

 

 

القوى الليبرالية بالذات تتَّهم الغرب بتخليه عنها وبمساهمته مساهمة كبيرة في خلق الأزمة في العالم الإسلامي

 

أودو شتاينباخ: لقد أثارت الولايات المتَّحدة الأمريكية منذ عقود من الزمن من خلال مسارها المتشدِّد لمصالحها الخاصة مقاومةَ التطوُّر الموجَّه نحو الغرب في المنطقة. وأسوأ مثال على ذلك هو العراق، الذي زرته قبل فترة قصيرة. كان ذلك مُحْبِطًا للغاية. إذ إنَّ التدخُّل الأمريكي في العراق عام 2003 أدَّى إلى تدمير مجتمع العراق واقتصاده تدميرًا جذريًا ولم يساهم في التطوُّر الديمقراطي.

 

وبدلًا عن ذلك، فقد خلق التدخُّل الأمريكي الفكر الجهادي ضدَّ "الصليبيين". لا أحد في العراق يؤمن بالبرلمان، وكذلك يسود في كلِّ مكان الفساد والمصالح الطائفية، كما أنَّ الخلاف بين السُّنة والشيعة يشل البلاد. وهنا تتدخَّل بقوة إيران والسعودية بصفتها حليفة للولايات المتَّحدة الأمريكية.

 

يبدو أنَّ اللعبة قد انتهت تقريبًا بالنسبة لواشنطن في الحرب السورية. وبات بوسع الرئيس بشار الأسد البقاء. فكيف ترى المستقبل بالنسبة لسوريا؟

 

 

أودو شتاينباخ: أخشى من أن نكون بعيدين كلَّ البعد عن إيجاد حلٍّ لمسألة السلطة في دمشق، وأنَّ النزاع سوف يستمر. حاليًا لا يبدو أنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية تريد التعايش مع زيادة هيبة حليفتي الأسد روسيا وإيران. وفي حال استهداف ترامب لإيران، فإنَّ الحرب ستتصاعد أكثر. وعلاوة على ذلك، تسعى كلٌّ من تركيا وإسرائيل لمصالحهما في سوريا.

 

إنَّ هدف الأتراك من تدخُّلهم العسكري لا يتعلق فقط بإضعاف الحركة القومية الكردية، بل يتعلق بـ"أجندة عثمانية" - فهم يسعون كثيرًا للتأثير في المناطق العربية، التي كانت في السابق جزءًا من إمبراطوريتهم السابقة، بعد أن فشلت الآن مساعيها للحصول على عضوية الاتِّحاد الأوروبي.

 

في الوقت الراهن تقوم إسرائيل بضرب الفلسطينيين ومثلما يبدو فهي تريد القضاء على النفوذ الإيراني بأي ثمن. لماذا لا تبحث إسرائيل عن أمنها أخيرًا في إيجاد حلٍّ لصراع الشرق الأوسط؟

 

 

أودو شتاينباخ: حاليًا لا توجد إرادة سياسية. فحكومة بنيامين نتنياهو لا تريد في نهاية المطاف حلَّ الدولتين، بل نوعًا من إسرائيل الكبرى: الحلم الصهيوني القديم. لهذا السبب فهي تدفع ببناء المستوطنات على الأرضي الفلسطينية إلى الأمام. لا يمكن أن يكون هناك حلّ دولتين طالما يوجد استطيان. كما أنَّ تنفيذ حلّ الدولة الواحدة سيكون أكثر صعوبة.

 

لم يعد الذنب كما كان في السابق ذنب العرب، بل ذنب الإسرائيليين. والآن قد تكون حتى المملكة العربية السعودية مستعدة للاعتراف بإسرائيل - بشرط أن توافق على تقسييم عادل للأراضي. ومثل هذا الاتِّفاق سيحبط مساعي الكارهين لإسرائيل، مثل حزب الله وحركة حماس.

 

تتأثر ألمانيا بشكل مباشر بالصراعات في المنطقة من خلال توافد أعداد كبيرة من اللاجئين. ماذا يعني هذا بالنسبة للعلاقات الألمانية مع العالم الإسلامي؟

 

 

أودو شتاينباخ: بصرف النظر عن جميع مشكلات الاندماج فإنَّ ألمانيا تحظى في الدول العربية بقدر رفيع من الاحترام على استقبالها هؤلاء الأشخاص. وكلما تحدَّثتُ مع سياسيين من المنطقة، يتطرَّق الحديث إلى الإشادة ببادرة ترحيب الألمان والمستشارة أنغيلا ميركل باللاجئين.

 

وفي هذا الصدد لا يزال تأثير الصورة الإيجابية القديمة عن ألمانيا كدولة صديقة للإسلام موجودا منذ عهد القيصر. وعلى هذه الخلفية يمكن لبرلين أن تلعب دورًا سياسيًا قويًا في المنطقة، وخاصة في وساطة السلام. غير أنَّ الألمان يفضِّلون حاليًا ترك الساحة للآخرين.

 

 

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: وكالة الأنباء الكاثوليكية الألمانية / موقع قنطرة 2018

ar.Qantara.de

 

عمل الباحث في العلوم الإسلامية والخبير الألماني في شؤون الشرق الأوسط، أودو شتاينباخ مديرا لمعهد الشرق بمدينة هامبورغ الألمانية لأكثر من ثلاثين عاما. وبصفته مؤلفا لكتاب وكثيرا ما تتم استضافته في البرامج الحوارية، فقد قام بتحليل الأحداث الأخيرة في العالم الإسلامي ووصل إلى نتيجة متشائمة.