تدمر رهينة الأسد في لعبته مع الغرب...الأسد ليس أفضل من داعش

أيضاً هذه الصورة الملتقطة يوم الأحد 27 مارس/آذار 2016 تظهر أن المسرح الروماني الذي يرجع لعام 200 ميلادية بحالة جيدة. يمكن رؤية الواجهة والمدرجات. المسرح استخدم كساحة للإعدام من قبل داعش في مايو/ آيار  2015.
أيضاً هذه الصورة الملتقطة يوم الأحد 27 مارس/آذار 2016 تظهر أن المسرح الروماني الذي يرجع لعام 200 ميلادية بحالة جيدة. يمكن رؤية الواجهة والمدرجات. المسرح استخدم كساحة للإعدام من قبل داعش في مايو/ آيار 2015.

"حين ترك الأسد تدمر لداعش كانت تلك مناورة سياسية مقصودة تقوم على أن الغرب سيهب لمساعدته في قتال التنظيم الإرهابي. ولكن حساباته كانت خاطئة. وبدلاً من مهاجمة داعش قصفت قوات الأسد حلب بالبراميل المتفجرة. ثم تمكّن الأسد بمساعدة من حزب الله وروسيا من استعادة السيطرة على تدمر والاحتفال بذلك. ويأمل الأسد بأن يقبل به الغرب مجدداً كشريك مفاوض. إنها مناورة سياسية دون شك". حوار مع المؤرخة وعالمة الآثار الفرنسية آني سارتر فوريا خبيرة الآثار السورية والمتخصصة بآثار تدمر منذ أكثر من 40 سنة.

الكاتبة ، الكاتب: Sabine Oelze

ما هي آخر معلوماتك عن وضع تدمر بعد "استعادتها" من قبل قوات بشار الأسد؟

آني سارتر فوريا: تلقيت في الأيام الماضية الكثير من الصور من عالم آثار سوري أعرفه شخصيا. وتظهر في هذه الصور قوات الأسد وهي تقوم بمسح الآثار. واليوم تلقيت للمرة الأولى صوراً من الداخل لما كان يُعرف بـ "معبد بل". لم يكن في السابق هذا ممكناً نتيجة الخوف من أن يكون ما بقي من المكان مُلغماً.

هل أنت مرتاحة لتحرير تدمر من قبضة مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي؟

آني سارتر فوريا: نعم ولا! بالطبع، أنا مرتاحة أنه تم طرد الجهاديين من المدينة؛ لقد تسببوا بدمار رهيب لهذه المدينة الأثرية. وفي المقابل، أنا لست مرتاحة؛ لا يزال في الذاكرة ما فعله بشار الأسد بمدينة تدمر. فقد احتلت قواته خلال الثورة بين الأعوام 2012 و2015 قلعة تدمر وتسببت آنذاك بأضرار كبيرة. لقد أطلق الصواريخ وألقى القنابل على المدينة، مما تسبب بتدمير عدد كبير من الأعمدة والجدران. وعلاوة على ذلك، قامت قوات الأسد بنبش المقابر ونهبها وبيعها بطريقة غير شرعية. طالما بقي الأسد في تدمر، أخشى أنه قد يكمل تدمير المدينة ويعود رجاله إلى النهب من جديد.

يتكون لدى المرء انطباع، عند الاستماع لما يقوله مدير عام دائرة الآثار والمتاحف السورية، مأمون عبد الكريم، أن بشار الأسد سيهتم بالمدينة، وأنه يريد ترميمها بمساعدة اليونسكو، ما رأيك؟

آني سارتر فوريا: أعلم أن الإعلام تناول بإيجابية قضية إعادة سيطرة الأسد على تدمر. عودة تدمر إلى يد الأسد من جديد لا تعني نهاية الحرب. ولذلك فيما يخص تدمر فأنا لست متفائلة. أولا لابد من أن يحل السلام وتأمين المكان، قبل البدء بالتفكير بإعادة بناء المدينة أو ترميم المعالم الأثرية. أنا مع ترميم ما يمكن ترميمه كقوس النصر على سبيل المثال. فحسب الصور التي رأيتها، لم يتم نسفه كاملاً، بل أصابته أضرار. أشكك في إمكانية إعادة بناء معبد بل؛ إذ لم يبق منه سوء بعض الحجارة الصغيرة.

تدمر - سوريا
يشتهر الموقع الاثري القائم في جنوب مدينة تدمر بأعمدته الرومانية ومعابده ومدافنه الملكية. وتعتبر مدينة تدمر من أهم الممالك السورية القديمة التي ازدهرت بشكل خاص في عهد ملكتها زنوبيا

ولكي أكون صريحة معك، لا أريد أن يتم إعادة بناء مدينة تدمر بشكل كامل. خذ مثلا مسرح تدمر، الذي رُمم من فترة ليست بالبعيدة. عندما يمعن المرء النظر فيه يرى حجارة جديدة تم استخدامها. وتفتقر هذه الحجارة وهذا الترميم إلى عبق التاريخ وطبقة الصدأ التي تغطي الآثار. إذا تم فعل الشيء نفسه في معبد بل، فستصبح تدمر مثل "مدينة ديزني". وأنا شخصيا أريد أن أمنع هذا بأي حال من الأحوال.

اِ عتقد العالم ولمدة عشرة أشهر أن تدمر قد سويت بالأرض. يبدو الأمر، الآن، كما لو أن عشرين بالمائة فقط من المدينة قد دُمر. هل كانت دعاية مقصودة من تنظيم "الدولة الإسلامية" الإرهابي بأن يجعلنا نعتقد أن كل الآثار قد ضاعت؟

آني سارتر فوريا: حين يسمع المرء بنسبة العشرين بالمائة يعتقد أنها قليلة، بيد أن الإرهابيين دمروا أهم المعالم الأثرية خصوصا "معبد بل" و"معبد بعل شمين". كما قاموا بتدمير سبعة من أجمل "أبراج المقابر" و"قوس النصر"، بالإضافة إلى الكثير من المدافن. وقد امتد النهب، سواء من قبل قوات الأسد أو من "داعش"، إلى مناطق كان يرغب المؤرخون وعلماء الآثار بإجراء البحوث عليها والتنقيب فيها. إنها خسارة تاريخية. عندما نتكلم عن عشرين في المائة، لا بد أن نحدد بدقة أكبر: أهم عشرين بالمائة من التراث الإنساني في تدمر تم محوها من الوجود.

تدمر - سوريا
صورة التقطت يوم 26 مارس/أذار، من الطائرة وتوضح الدمار الذي تعرضت له تدمر. لم يبق من معبد بعل الذي يعود للقرن الأول الميلادي إلا قوس المدخل. وتظهر الصورة اليسرى معبد بعل قبل الدمار.

ما الذي يجب فعله إذا بتدمر؟

آني سارتر فوريا: أنا مع إعادة بناء المدينة ولكن ضد ترميم الآثار. ولكن أنا أيضا ضد أن يُفعل بتدمر ويُشتغل عليها كما لو أن ما حدث لها، لم يحدث. يجب ترك جزء من الدمار كشاهد على التاريخ. يجب أن يبقى في الذاكرة ما حل بهذه المدينة.

أعود إلى سؤالي من جديد: هل تدمير تدمر دعاية لـ "داعش"؟

آني سارتر فوريا: نعم وبكل تأكيد.لا يمكن نقض حقيقة، أنه وفق رؤية "داعش" كان يجب تدمير تدمر لسببين. الأول: لأن تدمر تشكل للغرب رمزا لا بد من الحفاظ عليه. وهنا لا بد من التوضيح أن "داعش" دمر شواهد على التاريخ الإسلامي كالمساجد والأضرحة. والسبب الثاني: لأن تدمر رمز لسوريا. انظر إلى الطوابع البريدية وأوراق العملة، ترى صورة تدمر عليها.

ما هو تقييمك لـ "تحرير" تدمر؟. هل يحاول بشار الأسد تحقيق مكاسب شخصية من وراء ذلك؟

آني سارتر فوريا: عندما ترك، لحد ما، بشار الأسد تدمر لـ "داعش" في أيار/ مايو 2015، كان ذلك مناورة سياسية مقصودة: فقد كانت استراتيجيته تقوم على أن الغرب سيهب لمساعدته في قتال التنظيم الإرهابي. ولكن حساباته كانت خاطئة، فالغرب، بالطبع، لم يرغب بمساعدة دكتاتور كالأسد. لا بد أن قوات الاستطلاع الجوية السورية قد شاهدت قوات "داعش" وهي تتقدم إلى تدمر عبر الصحراء. لم تفعل قوات الأسد أي شيء ضد "داعش"، لأنها كانت آخذة في اعتبارها أنها ستتلقى مساعدة من الغرب.

وبدلاً من مهاجمة "داعش"، قامت قوات الأسد بقصف حلب بالقنابل. والآن هناك وضع مشابه: نجح الأسد بجر حزب الله وروسيا إلى جانبه لتحرير تدمر والاحتفال بذلك. ويأمل الأسد بأن يقبل به الغرب مجدداً كشريك مفاوض. إنها مناورة سياسية دون شك.

نسف معبد بعل شمين على يد داعش في آب/ أغسطس 2015.
نسف معبد بعل شمين على يد داعش في آب/ أغسطس 2015.

هل تعتقدين أن كل هذا تكتيك؟

آني سارتر فوريا: كلما فتح الأسد فمه بالكلام فإنه يكذب. أعرف النظام السوري منذ أكثر من أربعين سنة. عندما وصلت سوريا العام 1971، احتككت بنظام حافظ الأسد، والد بشار، كما كنت في سوريا خلال انتقال الحكم من الأب إلى الابن، وكنت بداية الثورة عام 2011 في سوريا أيضا. عرفت بشار الأسد كمناور ومخادع كبير. في سوريا هناك ديكتاتورية مافيوية.

والهدف الوحيد لبشار الأسد هو البقاء في السلطة، وأن تبقى سوريا كما يريدها أن تكون، لأنه يعتبرها مملوكة له. إنه مستعد لفعل أي شيء: لا مشكلة لديه بعمل مجزرة يذهب ضحيتها 300 ألف إنسان وأن يطرد ملايين السوريين إلى المنافي، وأن يعذب المساجين ويقتلهم. عندما تبدأ المفاوضات معه مجددا، فعلى المتفاوضين أن يدركوا أنهم يجلسون مع الشيطان نفسه إلى طاولة واحدة.

هل ستبقى تدمر رهينة؟

آني سارتر فوريا:  نعم، الأسد يعرف كيف يستخدم تدمر كأداة. أنا سعيدة بطرد "داعش"، ولكني لست مستعدة لأن أوجه الشكر للأسد على ذلك.

هل تعتقدين أنه من الممكن إعادة بناء تدمر خلال خمس سنوات، كما أعلن مدير دائرة الآثار والمتاحف السورية، مأمون عبد الكريم؟

آني سارتر فوريا: أعتقد أن الأمر غير واقعي. بدون مساعدة من الخارج، من اليونسكو تحديدا، لن يمكن فعل شيء. لقد تحدثت بالأمر نفسه مع المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا. هي تريد أن تكون صورة عن الوضع على الأرض هناك في أسرع وقت. هي متحفظة بإعطاء الوعود. يجب على الخبراء أن يقرروا فيما إذا كان من المفيد القيام بالترميم. ومن جهة أخرى، يطرح السؤال نفسه فيما إذا كانت تدمر تتصدر قائمة أولويات إعادة بناء سوريا، فسوريا كلها أنقاض وحطام ورماد.

هل ستساعدين بعملية إعادة البناء؟

آني سارتر فوريا: نعم، إذا طلب مني ذلك. لكن يتملكني الخوف من أن أرى تدمر وهي على هذا الحال.

 

زابينا أويزلي

ترجمة: خ.س

حقوق النشر: دويتشه فيله 2016

       

المؤرخة وعالمة الآثار الفرنسية آني سارتر فوريا. فوريا خبيرة بالآثار السورية ومتخصصة بآثار تدمر منذ أكثر من أربعين سنة، كما نشرت عدة كتب عن أهمية المدينة الأثرية.