
حيث نجمة داوود منقوشة على يد فاطمة داخل المنازلتراث اليهود في المغرب - مدينة الصويرة رمز لتعايش المسلمين واليهود
يخيِّم على المقبرة اليهودية القديمة صمتٌ، يتخلله فقط لحن هادئ يختلط مع الريح. مجموعة صغيرة من المؤمنين يصلون في الضريح الموجود في وسط المقبرة، بينهم رجلٌ يُنشد. تخبرنا سيِّدة عجوز ترتدي ملابس سوداء أنَّ هذا قبر الحاخام بينتو. وتضيف أنَّها تأتي في كلِّ عام من باريس إلى هنا بشكل خاص من أجل الصلاة في ضريح هذا الحاخام الجليل. وأنَّها تقابل يهودًا آخرين من جميع أنحاء العالم.
تقع المقبرة اليهودية على البحر مباشرة، خارج المدينة القديمة التاريخية، على بعد خمس دقائق فقط سيرًا على الأقدام من المقبرة المسيحية. يقف حارسٌ عند مدخلها، ولكن لا يوجد أمامها أفراد شرطة. تنتشر القبور بشكل عشوائي، وقد نبت بينها العشب. النقوش العبرية المكتوبة عليها متآكلة إلى حدّ كبير، لأنَّ مياه البحر المالحة كثيرًا ما تغمر هذا المثوى الأخير.
ترحّب لافتة على جدار المقبرة بالمؤمنين القادمين للهيلولة، أي رحلة الحجّ للحاخام حاييم بينتو، الذي دُفِنَ في هذه المقبرة عام 1845. حتى يومنا هذا يتم تقديس هذا الحاخام باعتباره رجلاً صالحًا، دعواته مسموعة بشكل خاص من الله. في كل عام يحجُّ إلى ضريحه في الغالب اليهود المنحدرون من أصل مغربي وقد اضطروا إلى مغادرة مسقط رأسهم بعد تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948.
حج سنوي في الصويرة
تقع الصويرة على الساحل الأطلسي المغربي وتحرص على الترويج لإرثها اليهودي. فالمقبرة اليهودية والحجّ والمعابد مذكورة في نشرات المكتب الوطني المغربي للسياحية. وهناك جولات خاصة لتقفّي أثر الحياة اليهودية في المدينة. التجار في السوق يحثّون المسافرين على مشاهدة المعابد اليهودية.
قد يكون الحجّ اليهودي في أغلب أنحاء العالم العربي أمرًا غير مألوف، بل حتى مستحيلاً. لكن ليس في الصويرة. يقول سمير الحروف من مكتب السياحة في المدينة: "يقام الحجُّ كل عام. وهو طبيعي جدًا بالنسبة لنا. هذا الحجّ جزء من تراثنا الثقافي". يصل عدد المؤمنين القادمين في شهر أيلول/سبتمبر في أيَّام الحجّ الرئيسية إلى ألفي شخص. ثم يضيف سمير الحروف: "الصويرة هي المدينة العربية الوحيدة التي كان أغلب سكَّنها من اليهود في الماضي".

لا تتّضح لنا تمامًا صحة هذه التفصيل. ولكن على أية حال فقد عاش العديد من اليهود هنا في القرن التاسع عشر، ويقدِّر المؤرِّخون نسبتهم بنحو أربعين في المائة من مجموع السكَّان. عمل السلطان سيدي محمد بن عبد الله على توطين التجَّار اليهود فيها في القرن الثامن عشر. وكان يريد منهم مساعدته في إقامة اتصالات مع التجَّار ورجال الأعمال الأوروبيين. لقد بنى السلطان الجزء الأكبر من المدينة القديمة والتحصينات على الميناء.
أصبحت الصويرة التي كانت تعرف في السابق باسم "موغادور" أهم ميناء في شمال أفريقيا. ازدهرت كمركز تجاري بين تمبكتو وأوروبا. كان معظم أهالي حيّ الملّاح، الحيّ اليهودي، من اليهود الفقراء. أمَّا العائلات اليهودية الميسورة فقد كانت لديها منازلها في أحياء المسلمين. يُقال إنَّ هذه المدينة كان فيها كُنُسٌ ومعابد يهودية أكثر من المساجد في تلك الأيَّام.