مفارقة صواريخ حماس إبقاء نتنياهو بالسلطة؟

بعد محاولة مستوطنين يهود طرد سكان أصليين فلسطينيين في حي الشيخ جراح بالقدس الشرقية من بيوتهم واحتجاجات على ذلك في رمضان 2021، تجدد اشتعال صراع الشرق الأوسط وعاد تساقط الصواريخ على إسرائيل والقنابل على غزة من دون نهاية تبدو في الأفق. تحليل الصحفية الألمانية إنغه غونتر من القدس لموقع قنطرة.

الكاتبة ، الكاتب: Inge Günther

يقول المسؤولون في دوائر الأمن الإسرائيلية إنَّ حماس تجاوزت وبشكل نهائي "الخط الأحمر". وإنَّه لا يمكن أن يكون هناك سوى رد واحد على أولى صواريخها السبعة باتجاه القدس - في بداية إطلاق الصواريخ المتواصل من غزة على البلدات والمدن الحدودية الإسرائيلية في النقب مساء يوم الإثنين 10 / 05 / 2021.

وهذا الرد هو: تدمير الجناح العسكري للإسلاميين المتطرِّفين الفلسطينيين بشكل نهائي. وبعد ذلك بقليل بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية "حارس الأسوار" بغارات جوية على غزة أسفرت في الساعات الأربع والعشرين الأولى عن قتل ثمانية وعشرين فلسطينيًا.

جوقةٌ متعدِّدة الأصوات تؤيِّد في إسرائيل استخدام القوة العسكرية المُتفوِّقة من أجل الردع. ولكن هذا التأييد كان موجودًا أيضًا في صيف سنة 2014، عندما أسفرت سلسلةٌ من الهجمات العنيفة المتبادلة عن حرب غزة المدمِّرة؛ التي استمرَّت سبعة أسابيع وأودت بحياة نحو ألفين وثلاثمائة فلسطيني واثنين وسبعين إسرائيليًا وألحقت دمارًا هائلًا في قطاع غزة الساحلي المغلق.

لقد تمكَّنت إسرائيل من تدمير مستودعات أسلحة حماس في غاراتها الجوية وبعد ذلك أثناء هجومها البري، مما أدَّى إلى إضعاف كتائب عز الدين القسام - ولكن لم يتم سحقها على الأرض.

وأمَّا وقف إطلاق النار المتَّفق عليه في ذلك الوقت فقد كان يتم انتهاكه بشكل متكرِّر. ومع ذلك فقد كان تجنُّب اندلاع حرب جديدة ممكنًا في العادة بفضل الوساطة المصرية وغالبًا في اللحظة الأخيرة.

 

برج هنادي المدمر في مدينة غزة. ( Mohamed Abed/AFP/Getty Images)
خط نتنياهو الأحمر: "بينما كانت السلطات الأمنية الإسرائيلية تبدو غير متفقة على ردِّها التكتيكي حتى دوي صفارات الإنذار بسبب الصواريخ في القدس، باتت في هذا الوقت مصمِّمة على استخدام قبضتها القاسية جدًا مع الإسلاميين المسلحين لتثبت تفوُّق قوَّاتها المسلحة"، بحسب تحليل إنغه غونتر.

 

ومن أجل عدم المقامرة التامة بانخفاض شعبية حماس في غزة، فقد أعطى رئيسها يحيى السنوار الأولوية لإعادة الإعمار. ونتيجة لذلك فضَّل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التنسيق مع الإسلاميين بدلًا من رفع قيمة قيادة السلطة الفلسطينية المعتدلة نسبيًا في رام الله من خلال المفاوضات.

بإمكان نتنياهو استغلال حرب غزة لمصلحته

ولكن الأوضاع السياسية هذه المرة معقَّدة أكثر بكثير. فبنيامين نتنياهو لم يعد في هذا الوقت سوى رئيس وزراء في حكومة تصريف أعمال بعد إعلان ثلاثة شركاء من اليمين المتطرِّف عدم رغبتهم الدخول معه في ائتلاف كان سيعتمد على تسامح الحزب العربي الإسرائيلي الصغير "القائمة العربية الموحَّدة" بزعامة منصور عباس.

وها هو دور يائير لابيد ونفتالي بينيت قد جاء ليتعاونا في تشكيل حكومة بديلة.

وهما أيضًا يحتاجان إلى أصوات عربية تضمن لهما الحصول على الأغلبية. كان من المخطط أن يتم يوم الإثنين في الواقع خلال اجتماع مع منصور عباس عقد اتفاق مناسب. ولكن منصور عباس المرحَّب به كثيرًا ألغى الموعد نظرًا إلى التصعيد في غزة "حتى يهدأ الوضع مرة أخرى".

صحيح أنَّ منصور عباس يُعتبر شخصًا براغماتيًا، ولكنه مثل حماس من جماعة الإخوان المسلمين. وهذا يعني أنَّه كلما طالت مدة القتال ستقل فرص تغيير الحكومة في إسرائيل. وبناءً على ذلك "من المفارقة أنَّ حماس قدَّمت لنتنياهو خدمة أخيرة"، بحسب معلق صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هاريل.

 

 

 

مشعلو الحرائق لدى حماس

محمد الضيف -قائد كتائب عز الدين القسام في حماس- قد تكون لديه أسباب مختلفة تمامًا تجعله يخاطر بمثل هذه المواجهة غير المتوقعة مع إسرائيل. لقد تعرَّض محمد الضيف لهجوم إسرائيلي ترك لديه عاهة جسدية نتيجة فقدانه ساقيه وذراع واحدة.

ولكن يبدو أنَّ إرادته السلطوية لم تنكسر. فبعد أن ألغت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله موعد الانتخابات البرلمانية الفلسطينية، صار يبدو أنَّ محمد الضيف مهتم بتوسيع نفوذ حماس في الضفة الغربية والقدس الشرقية وفق طريقته الخاصة.

من المعروف أنَّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس (85 عامًا) يتمتَّع بسمعة سيِّئة للغاية بين أبناء شعبه في الضفة والقطاع.

كما أنَّ حركته فتح، التي تعتبر فصيل الأغلبية في منظمة التحرير الفلسطينية، منهمكة في معارك بين أجنحتها. كان يريد جناحان متنافسان التنافس في الانتخابات ضدَّ حرس فتح القديم بقيادة محمود عباس. ولذلك فقد حسبت حماس أنَّ فرصها أفضل في الحصول على معظم أصوات الناخبين بقائمتها "القدس موعدنا".

وعندما اندلعت الاضطرابات في الحرم القدسي الشريف المقدَّس في الإسلام، كان اسم محمد الضيف على شفاه الجميع. وكان يُشعل هتافات الناشطين الفلسطينيين القتالية أثناء الاشتباكات العنيفة مع قوَّات الشرطة الإسرائيلية، التي اقتحمت في نهاية الأسبوع المسجد الأقصى مجهَّزة بكامل تجهيزاتها القتالية.

انتفاضة جديدة؟

غبر أنَّ سبب الاحتجاجات الفعلي، التي خلفت مئات الجرحى إصابات بعضهم خطيرة، لا علاقة له بحماس أو بالأقصى، بل بدعاوى إخلاء مقدَّمة من قِبَل منظمة نحلات شمعون الموالية للمستوطنين ضدَّ السكَّان الأصليين العرب في حي الشيخ جرّاح بالقدس الشرقية.

وبما أنَّ محمد الضيف قد أوفى بـ"وعده" بأن يجعل الإسرائيليين "يدفعون ثمنًا باهظاً" لاستفزازاتهم، فقد منحه هذا مكانة بطولية خاصةً بين الفلسطينيين الأصغر سنًا.

 

 

وهذا لا يعني حتى هذه اللحظة بداية انتفاضة ثالثة. ولكن الخطر كبير للانزلاق إلى حرب جديدة لا يمكن السيطرة عليها. وهذا الخطر -مثلما نعلم من تجارب سابقة- يكون دائمًا وقبل كلِّ شيء على حساب الأهالي الفلسطينيين غير المشاركين في العنف داخل قطاع البؤس وكذلك على حساب المناطق الإسرائيلية المجاورة خلف الحدود.

نهاية العنف لا تلوح في الأفق

وعلى أية حال بينما كانت السلطات الأمنية الإسرائيلية تبدو غير متفقة على ردِّها التكتيكي حتى دوي صفارات الإنذار بسبب الصواريخ في القدس، باتت في هذا الوقت مصمِّمة على استخدام قبضتها القاسية جدًا مع الإسلاميين المسلحين.

فقد أكَّد كلٌّ من بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه بيني غانتس في توافق تام على واجب الرد بشكل يُعيد الجماعات الإرهابية سنوات إلى الخلف، وفق ما يريان.

وهكذا فقد رفضت إسرائيل في البداية عرض حماس الأوَّل المنقول عن طريق طرف ثالث، والذي عبَّرت فيه عن اهتمامها بالعودة إلى وقف إطلاق النار.

وبخلاف ما كانت عليه الحال في جولات التصعيد الأخيرة، بات لا يوجد ما يشير كثيرًا إلى أنَّ جولة العنف الحالية ستنتهي بسرعة. ربَّما بالغ محمد الضيف في تقدير قوَّته على الصعيدين السياسي والعسكري وأضر ليس فقط بنفسه.

 

إنغه غونتر

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: موقع قنطرة 2021

ar.Qantara.de

 

 

 

[embed:render:embedded:node:41265]