فاز مودي مجددا في حكم الهنود - لكن ماذا عن الهند؟

معارضة هندية ممزقة لا يمكن مقارنة رسالتها حول الاشتمالية والعدالة ببلاغة رئيس الوزراء مودي وشعبويته القومية المتطرفة، التي جعلت تحالفه الحاكم يفوز بـ 45% في انتخابات سنة 2019. لكن ما آثار هذا الفوز على المجتمع الهندي بما فيه المسلمون المقترب عددهم من 200 مليون نسمة؟ تحليل أديتي روي غاتاك.

الكاتبة ، الكاتب: Aditi Roy Ghatak

بعد فترة وجيزة من الفوز بالانتخابات العامة في الهند، وعد ناريندرا مودي أنه سيكون رئيس وزراء لجميع الهنود، وليس فقط لأولئك الذين صوتوا له. وقال إنه ما من داعٍ لتخاف الأقليات. وأشادت وسائل الإعلام الدولية بهذا الخطاب الجديد باعتباره بادرة طيبة تدل على الاعتدال.

غير أن الأقليات في الهند، بما فيها ما يقارب من 200 مليون مسلم إلى جانب جماعة "الداليت" (أو المنبوذون، وهي أدنى طبقة اجتماعية في الهند) و"الأديفازي" (سكان الهند الأصليون)، والمسيحيون وغيرهم، تأمل في ألا تتحقق أسوأ مخاوفها. لقد اعتادوا على كلام الهندوس المتطرف لعقود، إضافة إلى بيانات بعض القادة المنتخبين التي تستحثّ الخوف. 

فالرسالة غير المعلنة هي أن الأقليات ليس لديها ما تخشاه طالما تقبل بالهيمنة الهندوسية، بيد أن هذه القاعدة لا تنطبق باستمرار، كما تؤكد جرائم الكراهية الأخيرة وطريقة تعاملهم معها. إذ يتذكر الهنود أعمال الشغب في غوجارات في عام 2002، حين فشل مودي، رئيس وزراء الولاية الغربية الهندية (غوجارات) آنذاك، في وقف المذبحة في حق المسلمين.

"أعداء الشعب"

وفقاً للدستور، الهند هي دولة علمانية وتقبل بجميع الأديان -وهو موقف يتزايد التشكيك فيه. والأسوأ من ذلك، أن أولئك الذين يختلفون في الرأي يصنَّفون بوصفهم "أعداء الشعب". ومن بين آخرين، فإن خمسة أكاديميين وناشطين في مجال حقوق الإنسان، مُعتقلين منذ آب/أغسطس من العام الماضي (2018)، لا يزالون في السجن لمدافعتهم عن حقوق المضطهدين. ويتعرض الصحفيون المستقلون، والقادة المدنيون، والمثقفون للمضايقة، والاعتقال بل والقتل. وربما كانت الصحفية غوري لانكيش أبرز الضحايا.

 

متظاهرون هنود يشاركون في احتجاج على موجة من جرائم القتل التي تستهدف الأقليات بحجة حماية الأبقار - مومباي  03 / 07 /  2017.  (photo: Getty Images/AFP/I. Mukherjee)
رئيس وزراء لجميع الهنود؟ بعد فترة وجيزة من الفوز بالانتخابات العامة في الهند، أعلن ناريندرا مودي أن الأقليات لا داعي لأن تخاف. وأقليات الهند، المعتادة على كلام الهندوس المتطرف منذ عقود، بما في ذلك ما يقارب من 200 مليون مسلم، قادرة على القراءة بين السطور: ليس لدى الأقليات ما تخشاه طالما تقبل بالهيمنة الهندوسية- بيد أن هذه القاعدة لا تنطبق باستمرار، كما تؤكد جرائم الكراهية الأخيرة وطريقة تعاملهم معها.

 

{شعبوية بلا حدود: تلاعب ناريندرا مودي -عبر بلاغته التي لا مثيل لها- بالخطاب السياسي ليبتعد عن البؤس الاقتصادي ويركز الانتباه على الأعداء المفترضين.}

 

وتنتشر بشكل كبير فيدوهات عمليات قتل المسلمين كما تُنفّذ جماعات القصاص الأهلية هجمات على بسبب أكل لحم البقر أو الزواج المختلط ما بين الطبقات الاجتماعية المختلفة. بل ويُكافأ إرهابيون مزعومون بمناصب سياسية.

إذ أن براغيا سنغ ثاكور، المتهمة بالتآمر في قضية انفجار ماليغاون في عام 2006، هي عضوة في البرلمان. بينما لم يرَ يوغي أديتياناث، رئيس وزراء ولاية أوتار براديش (الولاية الأكثر ازدحاماً بالسكان في الهند)، أي داعٍ للاعتذار عن خطاب الكراهية المزعوم الذي ألقاه.

فمن ناحية، يُعاد إحياء ذكرى قاتل المهاتما غاندي باعتباره بطلاً، ومن ناحية أخرى، باتت الخيالات، التي تكاد تستند على الأساطير القديمة، تتفوق على الرؤى العلمية، بينما يتزايد بكثرة التعصب الأعمى، والرهاب من الأجانب (إكزينوفوبيا)، وكراهية النساء (ميسوجيني).

 

 

وعود فارغة

يتماشى انتصار ناريندرا مودي مع الاتجاه العالمي المتمثل في الشعبوية اليمينية التي تنتصر. ينجحون بواسطة العمل المثير للخلاف بينما يصرون على الوحدة المنظمة. فتبدو سياساته جيدة من الناحية النظرية، غير أنها فشلت في الاختبار الشعبي حتى الآن.

أما العار الكبير للسنوات الخمس الأولى من حكومة مودي فيتمثل في انهيار الاقتصاد. فمعدلات النمو منخفضة، والتضخم في تصاعد، و"معجزة الوظائف" الموعودة لم تتحقق بتاتًا. إضافة إلى تزايد البطالة والتشغيل المنقوص [أيْ: عمل الشخص بمهنة أقل من مؤهلاته أو بعدد ساعات قليلة وغير منتظمة]، ولم يُفعل سوى القليل لتحفيز التنمية الريفية.

والأسوأ من ذلك، كان الإصلاح الضريبي الذي قام به مودي بيروقراطياً بشكل مفرط، مما أدى إلى شل الشركات الصغيرة والمتوسطة. كما انتهت عملية "سحب النقود" (أيْ حظر فئات معينة من العملات) التي قام بها بالفشل الذريع، والتي هدفت إلى قصم ظهر الإرهاب والفساد عبر التخلص من العملة السوداء من النظام: فقد حلّت الأوراق النقدية الجديدة محل القديمة دون إبطاء، في حين أن جماهير الأعمال الصغيرة وغير الرسمية والمزارعون هم من عانوا الخسارة.

وفي الوقت ذاته، تشير صفقة طائرات رافال الفرنسية المثيرة للجدل إلى أن رأسمالية المحاباة والمحسوبية في ازدهار كامل في البلاد. فهل ستتغير الأمور الأخرى في ظل النسخة الثانية من رئيس الوزراء مودي؟ هذا هو المأمول، نظراً لأن جماهير الهند العاطلة عن العمل -التي تعرضت للخيانة ورغم ذلك صوتت له له من أجل الوصول إلى السلطة- لن تكون صبورة خلال الأعوام الخمسة التالية.

لا يسع الشعب إلا أن يأمل في أن تشمل الحوكمة (Governance) اعتباراً من عام 2019:

- الحد من الأخبار الاستفزازية والزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي،

- وقف الحد من فاعلية مؤسسات الحكم الديمقراطي،

- إعطاء الأقليات شعوراً بالأمن،

- وإعطاء الأولوية لقضايا الاقتصاد والبيئة والنمو، وعدم إعطاء الأسبقية للظلامية.

 

 

{انتصار ناريندرا مودي يتماشى مع الاتجاه العالمي المتمثل في الشعبوية اليمينية الصاعدة: ينجحون بواسطة العمل المثير للخلاف بينما يصرون على الوحدة المنظمة. فتبدو سياساته جيدة من الناحية النظرية، غير أنها فشلت في الاختبار الشعبي حتى الآن.}

 

تلاعب مودي، ببلاغته التي لا مثيل لها، بالخطاب السياسي ليبتعد عن البؤس الاقتصادي وركّز الانتباه على الأعداء المفترضين. نجح باستعباد أجزاء واسعة من البلاد حين انتصر الغلو في الوطنية. كما أُطيح المعارضة الضعيفة والممزقة التي تدير حملتها على مبدأ الاشتمالية والعدالة للجميع، ما عدا في بعض الولايات الجنوبية وولاية البنجاب الشمالية. حصل التحالف الوطني الديمقراطي على 45% من الأصوات المُقترِعة. فاز مودي، ولكن هل فعلت الهند ذلك؟

 

أديتي روي غاتاك

ترجمة: يسرى مرعي

حقوق النشر: مجلة التعاون والتنمية  / موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de