صدور النسخة الانجليزية لرواية "سِفْرُ الاختفاء" للكاتبة ابتسام عازم
اختفاء الفلسطينيين الكبير - "صحونا لنجدهم مختفين"

في روايتها "سِفرُ الاختفاء"، تضرب الكاتبة الفلسطينية ابتسام عازِم على وَتَرٍ حسّاس عبر روايتها التي من شأنها أن تُذهِل القارئ وتحرك مشاعره في آن، حيث تصف لنا المَنحَى الأخلاقي الذي قد ينشأ عند الإنسان حين يُواجِه مشكلات عصيَّة على الحل. مارسِيا لِينكس كوِيلِي قرأَت الكتاب لموقع قنطرة.

ما الذي سيحصل لو أن كل الفلسطينيين الموجودين داخل إسرائيل قد اختفوا عن وجه الأرض، فجأةً ودون سبب، حين تدق الساعة منتصف الليل، وكأنهم قد اختُطِفُوا من قِبَل كائنات فضائية أو أُخضِعُوا لتحوُّلات شَكلية على يد جنِيَّة كتلك التي أَنقَذَت سِندِيريلَّا؟ ما الذي ستؤول إليه القصص التي سيتركونها وراءهم؟  

هذا هو السؤال الذي يَنفُخ الروح في رواية "سِفرُ الاختفاء" لابتسام عازِم، والتي نُشِرَت باللغة الإنجليزية في صيف عام 2019، عبر ترجمة لسِنان أَنطُون، الروائي الحائز على عدة جوائز أدبية. الاختفاء الجماعي هو الثيمة التي عادةً ما تتغلغل في السرديّات الفلسطينية، إلا أن رواية عازِم تطرح أمامنا حَبكة جديدة في تغيير مجرى أحداث هذا العمل التخيُّلي – إذ بعد عملية الاختفاء الجَماعي، سيتضح لنا بأن هؤلاء الذين برحوا مكانهم ليسوا على عِلم بكيفيَّة أو سببيَّة هذا الاختفاء.  

يستهل الكتاب أحداثه بقصة اختفاء ذات نوع أصغر ونَثريَّة أكبر: اختفاء جَدّة الشخصية الرئيسية في الرواية. سرعان ما يجد علاء جَدّته المفقودة، وقد فارَقَت الحياة متوسطةً المقعد الخشبي القديم، وعيناها باتجاه بحر يافا.  

تدور معظم أحداث الرواية في يافا، تلك المدينة التي نزح منها الكثير من الفلسطينيين أثناء الأحداث الدامية عام 1948. إلا أن جَدّة علاء ذات اللسان السّليط أَبَت وبكل صمود أن تترك مدينتها. "أنا بيروت ما انشَرَحِلها قلبي. ما بدري ليش الناس بتحبها. شو هي بيروت؟ خِربِة ما فيها إشِي بينشاف". فيما ترك جَدّ علاء مدينته متجهًا إلى بيروت دون رفقة زوجته، مع نيّة العودة بعد استقرار الأوضاع. لكنه لم يَعُد قَطّ.

الاختفاء الجَماعي، كما تُذَكِّرنا الرواية، هو ما حدث فعليًّا في مدينة يافا. ففي عام 1948، تضاءَل تعداد السكان الفلسطينيين للمدينة من مئة ألف أو أكثر إلى بضعة أو أربعة آلاف.

 

الغلاف الإنكليزي لرواية "سِفرُ الاختفاء" لمؤلفتها ابتسام عازم - الترجمة إلى الإنكليزية سنان أنطون.  (published by Syracuse University Press)
كيف لإنسان يُفتَرَض أنه على خُلُق كريم أن يستولي على منزل جاره؟ "يتجلَّى جمال الكتاب في طريقة تحقيقه. إذ تَحُوك لنا ابتسام عازِم العملية التشويقية عبر شخصيات مرهفة العواطف ليست بخالية من العيوب. في نهاية الأمر، كيف لإنسان يُفتَرَض أنه على خُلُق كريم أن يستولي على منزل جاره؟"، كما تكتب لِينكس كوِيلِي تكتب في مراجعتها لرواية "سِفرُ الاختفاء" لمؤلفتها ابتسام عازم - الترجمة إلى الإنكليزية سنان أنطون.

 

بيد أنه من الممكن أن يجد المرء تفسيرًا لهذه الاختفاءات. كما قالت الجَدّة لحفيدها علاء ذات مرّة: "كان الطَّخ فوق رُوسنا يا تاتا. إنت عارف كيف كانوا يقَوصُوا علينا لما نِطلَع من لِبيُوت؟"

ومازال الغموض يكتنف الأحداث – فنسأل أنفسنا عن سبب ترك جَدّ علاء زوجته الحُبلى حين نزح وحده إلى بيروت – هذا الغموض هو الذي يُدَوِّي أرجاء الرواية بالمجهول الأكبر: لِمَ عاوَد الفلسطينيون الاختفاء مرةً ثانية؟

الاختفاء الأكبر في القرن الحادي والعشرين

بعد وفاة جَدّة علاء، تأخذنا الأحداث إلى أريئيل، الشخصية الإسرائيلية الرئيسية في الرواية. وهو صحافي ذو ميول ليبرالية معتدلة، في وسعه أن يكون متسامِحًا مع العرب، طالما أن الأمر لا يتطلب منه أي تضحية شخصية.

أريئيل هو أيضًا جار علاء، وفي الليلة السابقة للاختفاء، كانا قد خرجا في سهرة لتناول النبيذ معًا. لكن حين يستيقظ أريئيل صبيحة اليوم التالي، يكتشف أن علاء وبقية الفلسطينيين قد اختفوا.  

في فصول لاحقة، سنجد الفلسطينيين لا يداوِمون في أماكن عملهم، كالعامِلات في قطف الزهور، والأطباء في المستشفيات، وسائقي الباصات الإسرائيلية من العرب. الصحف اليومية لا تُوَزَّع على المنازل والأَكشاك، والمقاهي لا تَستَقبِل الزبائن.  

كما نشاهد حراس "المُعتَقَل 48" وهم يعيشون حالةً من الذعر ساعة طابور الصباح، حين يقومون بمناداة السجناء بأرقامهم كي يكتشفوا أنهم غير موجودين في العنابر والزنازين. وعندما يدخل جنود الجيش الإسرائيلي البيوت الفلسطينية، يجدون أجهزة التلفاز مُشَغَّلَة، والموائد ملأى بالصحون والطعام.

نكتشف في ثنايا الرواية أن ردة الفعل الأولية عند معظم الإسرائيليين هو اعتقادهم بأن العرب قد دخلوا في إضراب عن العمل. تُذيع نشرة أخبار الساعة الثامنة صباحًا الخبر التالي: "أُعلِنَت في البلاد حالة الطوارئ القُصوى، لدخول العرب في إضراب شامل... حيث أَعلَنَت الجهات الأمنية في البلاد عن اختفاء جميع سكان البلاد من العرب في إسرائيل ويهودا والسامرة وقطاع غزة".

وفقًا للنشرة الإخبارية الأولية، فإنه "لم تُعلِن أي من قيادات العرب في إسرائيل أو السلطة الفلسطينية في يهودا والسامرة عن نيتها القيام بأي إضراب." ينتهي موجز الأخبار بنشرة مُبهجة للأحوال الجوية، وكأن شيئًا لم يكن: "وأخيرًا إليكم حالة الطقس، فهو مُشمِس مع درجات حرارة تصل إلى العشرين درجة مئوية".

 

 

لا يُصَدِّق كل الإسرائيليين أن هناك حالة من الإضراب. يُنصِت أريئيل إلى برنامج البث المباشر الذي يستَقبِل اتصالات المستمعين عبر موجاته، حين يوَجِّه مُتَّصِل يُدعَى دانيئيل "تحية إجلال لجنودنا الشجعان الذين قاموا بعملية نظيفة لنتخلص من الطابور الخامس والمُخَربين الذين كانوا من حولنا في كل مكان." لكن، هل هذا هو ما حدث فعلًا؟ وفيما يطلب ضيف البرنامج، الخبير في شؤون العرب، من المستمعين الإسرائيليين توخي الحذر الشديد في إلقاء المسؤولية على عاتق جيش الدفاع بخصوص ما حدث للعرب، نجده في نفس الوقت لا يستبعد أن يكون للجيش دور في هذا الاختفاء.

 

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة