محادثات بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوري بشار الأسد في قاعدة عسكرية روسية.

غزو روسيا لأوكرانيا
تأثير حرب أوكرانيا على غاز العرب ونفطهم وقمحهم

عزز الاجتياح الروسي لأوكرانيا موقف دول عربية نظرا لحاجة الغرب الماسة للنفط والغاز من هذه الدول. ومع ذلك تنظر هذه الدول بقلق لهذا الصراع. تحليل كريستوف إيرهاردت.

عندما دخلت في مطلع هذا الشهر (شباط/فبراير 2022) سفن حربية روسية ميناء طرطوس السوري، تم وصف ذلك في موسكو بأنَّه جزء من مناورة. وبعد ذلك بفترة قصيرة، واصلت هذه القطع الحربية البحرية القادرة على إجراء عمليات إنزال رحلتها إلى البحر الأسود وانضمَّت إلى صفوف الحشد العسكري الروسي المحيط بأوكرانيا. لقد كان ذلك واحدًا من حوادث عديدة تكشف عن وجود روابط بين ساحتي استعراض القوة العظمى الروسية.

لقد سار في الغالب ولفترة طويلة مشروعُ "سوريا إكسبرس" في الاتجاه المعاكس. وهذا هو اسم مشروع إمدادات يتم شحنها من ميناء سيفاستوبول على البحر الأسود في شبه جزيرة القرم إلى سوريا، حيث تدخَّلت روسيا إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد في شهر أيلول/سبتمبر 2015.

ويُقال إنَّ بشار الأسد قد أكَّد ذات مرة لرعاته الروس على أنَّه لن يهرب مثل الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش، الذي أسقطته ثورة عام 2014. وهذا الهرب لم يعد ضروريًا منذ فترة طويلة بفضل المساعدة العسكرية الروسية أيضًا. وعلى الأرجح أنَّ الرئيس السوري غير مضطر إلى أن يخشى من أن يقف وحيدًا من دون الحماية الروسية بعد أن بدأ فلاديمير بوتين الحرب في أوكرانيا.

بالنسبة للرئيس الروسي فإنَّ الوجود العسكري الروسي في سوريا، التي تعتبر على أية حال دولة مجاورة لتركيا العضو في حلف الناتو، وكذلك تهديد أوكرانيا يمثِّلان جزءًا من معركة كبيرة ضدَّ الغرب. علمًا بأنَّ روسيا تحتفظ بقاعدة جوية في سوريا بالإضافة إلى قاعدتها البحرية في مدينة طرطوس السورية.

غير أنَّ عدد القوَّات الموجودة هناك كان دائمًا محدودًا، وبالتالي فمن غير المحتمل أن يكون هناك أي خطر من زيادة الضغط على القوَّات في حال مخاطرة الرئيس الروسي في الواقع بخوض مغامرة عسكرية جديدة. وبوتين، الذي كان قد أشاد شخصيًا بـ"خبرات لا تقدَّر بثمن" اكتسبها الجيش الروسي في سوريا، استفاد بشكل أساسي من تردُّد خصومه في سوريا.

 

استخراج النفط - صورة رمزية. Symbolbild Ölpreis; Foto: picture-alliance/AP/H. Jamali
قلق في الخليج: صحيح أنَّ منتجي النفط والغاز مثل المملكة العربية السعودية يستفيدون من الأزمة الأوكرانية لأنَّ الغرب يأمل في أن يتدخلوا ويمدوه بالمزيد إذا اقتضت الحاجة، ولكن الرياض باتت ترسل منذ فترة طويلة رسائل استشعار إلى موسكو لتتمكَّن من متابعة مصالحها الأمنية بشكل أكثر استقلالية عن واشنطن. ومع ذلك، كلما زادت التوتُّرات الأمريكية الروسية زادت معها بالنسبة للسعودية صعوبة إيجاد مثل هذا التوازن بين موسكو وواشنطن. في حين تستفيد الدولة المصدِّرة للنفط والغاز، يخشى كريستوف إيرهاردت من آثار ملحوظة على موائد الطعام في جميع دول المنطقة ويمكن أن تهدِّد الاستقرار والسلم الاجتماعي. ولن تضطر مصر ولبنان واليمن إلى تحمُّل ارتفاع أسعار الطاقة فقط، بل أيضًا تحمُّل ارتفاع أسعار الخبز بسبب استيرادها كميَّات كبيرة من القمح الأوكراني. ففي لبنان، غطى القمح الأوكراني بحسب منظمة الأمم المتَّحدة للأغذية والزراعة نحو أربعين في المائة من الاستهلاك المحلي خلال عام 2020. وقد تفاقمت منذ ذلك الحين الأزمة الاقتصادية في لبنان بشكل شديد وبات يجد المزيد والمزيد من اللبنانيين صعوبات في العثور على ما يكفيهم من الغذاء.

 

لقد حذَّر في مقال رأي جيمس إف جيفري، وهو المبعوث الأمريكي الخاص السابق لسوريا، من أنَّ واشنطن يجب عليها الانتباه إلى عدم ذهاب روسيا في وقت ما للتصرف في دول أخرى وفق "نهجها في سوريا" الساخر والوحشي ولكن الناجح بشكل واضح، إذا رأت أنَّ مصالحها مهدَّدة.

روسيا ليس لديها ما تخشاه من أمريكا في سوريا

في الآونة الأخيرة، لم يكن يبدو أنَّ السعر في سوريا سيرتفع بالنسبة لبوتين نتيجة الأزمة الأوكرانية. وفي حين أنَّ مبعوثي الأمم المتَّحدة من واشنطن وموسكو انهمكا في تبادل مرير لضربات الاتهامات بسبب أوكرانيا داخل مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة في نهاية شهر كانون الثاني/يناير 2022، فقد قدَّم الطرفان بحسب تقرير صادر عن بوابة الإنترنت "فورين بوليسي" اقتراحًا مشتركًا ينصُّ على تقليل عدد اللقاءات من أجل الحدّ من الأسلحة الكيماوية السورية، أي من أجل تخفيف الضغط على الأسد.

وواشنطن تفضِّل في الواقع استثمار طاقة دبلوماسية أقل من ذي قبل في بؤر التوتُّر في الشرق الأوسط. ولكنها تحتاج في أزمة أوكرانيا إلى النفط والغاز الطبيعي من دول الخليج العربية. إذ يجب على هذه الدول المساعدة في تجنب وقوع أزمة طاقة في حال اندلاع الحرب.

وعندما زار أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني البيت الأبيض في أواخر شهر كانون الثاني/يناير 2022، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أثناء حضوره عن أنَّه سيجعل قطر حليفًا مهما من خارج الناتو. ولكن ما لم يذكره بايدن خلال تكريمه هذه الإمارة هو الرغبة الأمريكية في تدخُّل دولة قطر لسد الفجوة في حال انقطاع إمدادات الغاز الطبيعي الروسية إلى أوروبا نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا.

ومع ذلك فقد اختلط في الدوحة - مثلما هي الحال في العواصم الخليجية الأخرى - احتمالُ تعزيز مكانتها بالقلق أيضًا. وهذه الترقية تساعد القيادة في الدوحة، التي ترى نفسها محاطة بمنافسين أقوياء في الخليج وتحاول بالتالي جعل نفسها ضرورية لا غنى عنها لدى الشركاء الأقوياء. ولكنها أوضحت مع ذلك أنَّها لن تكون قادرة بمفردها على تجنُّب نقص الإمدادات المحتمل. وبالإضافة إلى ذلك فقد قال وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني إنَّ قطر لن تكون طرفًا في "صراع أو استقطاب سياسي".

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة