"تمثيل دور عاهرة لا يعني أن جميع النساء عاهرات"

يرى الاختصاصي التربوي المغربي طويل حسن أن الضجة الإعلامية والمجتمعية التي أثيرت بعد عرض مقاطع من فيلم نبيل عيوش المعنون بـ "الزين اللي فيك" (الجمال الذي لديك) تبين كمية الرفض في مواجهة الواقع والذات، وأن المقاطع المنشورة تعالج بطريقة صادقة عالم الدعارة، وأنها "أدخلتنا إلى سينما واقعية ومفعمة بالحياة بتيمات مزعجة تسائل واقعنا المريض وضمن رؤية جمالية تصالحنا مع الفن والذات والواقع". ويرى في وجهة نظره التالية التي يطلع موقع قنطرة عليها أن أغلب ردود الفعل حول هذا الفيلم جاءت بمنطق فصامي أخلاقوي مزيف بدل قراءة الفيلم فنيا وجماليا، لأن للسينما لغتها.

الكاتبة ، الكاتب: طويل حسن

"إني أنافق ، إذن أنا موجود"، يستحق هذا الكوجيطو أن يكون ملخصا مكثفا للوجود الإنساني في مجتمعات التخلف والفصام. عدم مواجهة الواقع والذات سمة أساسية من سمات ذهنية من يعيش القهر والتخلف، فهو يكسر بعنف كل الآليات التي تساهم في تعرية حقيقته، لأنها ببساطة تظهر مدى بشاعته. "الإنسان المقهور يخجل من ذاته، يعيش وضعه كعار وجودي يصعب احتماله"، كما أشار مصطفى حجازي في كتابه "سيكولوجية الإنسان المقهور".

التخلف يحول الفرد إلى مشروع عار في حالة قلق دائم خوفا من مواجهة واقعه. ويجعل منه عدوا لدودا لأرواح الاشياء وعمقها، وسالاّ سيفه ليحارب الفن باعتباره عملية صيد جميلة للأرواح.

"حَوَل فكري ومنطق فصامي أخلاقوي"

الضجة الإعلامية والمجتمعية التي أثيرت بعد عرض مقاطع من فيلم نبيل عيوش المعنون بـ " الزين اللي فيك" (الجمال الذي لديك)، تبين بالملموس مدى سعار  التخلف أمام الجمال والفن، وكمية الرفض المرضي في مواجهة الواقع والذات. إن أغلب ردود الفعل حول هذا الفيلم جاءت بمنطق فصامي أخلاقوي مزيف بدل قراءات فنية وجمالية للفيلم. السينما لها لغتها  والفن له قيمه الجمالية، وكل نقد لا يتكلم بهذه اللغة فهو تعسف وحَوَل فكري ينتج سلعة إيديولوجية رديئة في سوق البشاعة.

المخرج المغربي نبيل عيوش. dpa
تم حظر فيلم المخرج المغربي نبيل عيوش "الزين اللي فيك" من العرض في المغرب، بحجة أنه يمثل "إهانة لجميع النساء المغربيات". هذا الفيلم - الذي يتحدث حول ثلاث عاهرات في مدينة مراكش المغربية - حقق في مهرجان ميونيخ السينمائي الألماني نجاحا كبيرا.

الفيلم وفق مانشر من مقاطع يعالج بطريقة صادقة عالم الدعارة، باللغة المسيطرة فيه و بتيماته وشخوصه. يعد الفيلم استمرارا لتجربة فنية متميزة للمخرج المبدع نبيل عيوش و التي أخرجتنا من سينما رديئة كانت سائدة في المغرب تتميز بغياب لرؤية جمالية فنية والمصداقية في الأداء وضعف في النصوص وتفاهة في المواضيع ولغة مصنعة لا تلائم عوالم هذه السينما، وأدخلتنا الى سينما صادقة وواقعية ومفعمة بالحياة بتيمات مزعجة تسائل واقعنا المريض وضمن رؤية جمالية تصالحنا مع الفن والذات والواقع.

"صفعات مؤلمة"

صفعات نبيل عيوش لا بد وأنها تؤلم مجتمع النفاق والفصام، فهي تستفز منطق النفي المرضي السائد في مجتمعاتنا والذي يحميها من جرحها النرجسي، وتحرك مياه الواقع العكرة الساكنة، و تسائل النفاق الطهراني والأخلاقوي المزيف الموجود في أعماقنا. فالمجتمعات الفصامية عندما تواجه واقعها فهي تتعرى بوقاحة ولكن بآلام شديدة أمام حقيقة نفاقها، فالنفاق كما يشير إلى ذلك القصيمي: " ليس استمتاعا أو انتصارا أو مجدا، ولكنه تعذيب و تشويه ومعاناة باهضة ".

قيم الفصام والتخلف والزيف الأخلاقي تحول الفرد إلى دون كيشوت معكوس يحارب كل الجوانب الحقيقية في ذاته وواقعه، و يسلط معاول الهدم على قيم الصدق والفن والجمال، فيكتمل المشهد بتجار التخلف ومصاصو دماء الفصام الذين يستغلون الوضع لإظهار الطهرانية المزيفة  والعفة المزورة ويمارسون سياسة مقيتة تحافظ على أصنام الجهل والاستبداد.

إيديولوجيات معادية للحريات؟

فبعد هذا الفيلم، بدأت حملة مسعورة في إطار تحالف مدنس بين أشباه مثقفين وإعلاميين ونخبة سياسية رثة ومفلسة فكريا ومبدئيا وأخلاقيا لاستغلال الحدث من أجل إيديولوجيات معادية للحريات أو مصالح بئيسة تعتبر التخلف والجهل رقما مربحا في سوق انتخاباتها البئيس والكاريكاتوري. فالانتخابات بدل أن تكون آلية بسيطة من آليات الديمقراطية كمفهوم شامل يرتكز في عمقه على الحريات الفردية والجماعية، أصبحت في نظر هؤلاء وسيلة للتسلق و الاسترزاق ومجرد صندوق أرقام لتسييد الفساد والاستبداد والمتاجرة بالشأن العام، حيث لاحظنا استغلال هذا الحدث  من طرف حكومة المحافظة  والتخلف على مستوى الأفكار والايديولوجيا من جهة، والليبرالية المتوحشة على مستوى السياسات الاقتصادية من جهة أخرى عبر برامج عنوانها الهجوم على الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية للمغاربة، وتبني مشاريع إيديولوجية محافظة و قروسطوية على المستوى التشريعي والقانوني.

فلقد أصدرت وزارة الاتصال منع الفيلم من العرض بالمغرب بتعليل هش وغير مفهوم، حيث "اعتبرت الفيلم يمس بسمعة المغرب والمرأة المغربية "، في جهل تام لإحدى بديهيات السينما والتي تفرق بين شخص الممثل والشخصية التي يؤديها (تمثيل دور عاهرة لا يعني ان الممثلة عاهرة ولايعني بالتاكيد ان جميع النساء عاهرات)، كما أن هذا الموقف يحاول من خلال نقده للغة الفيلم، أن يقوم بتفريق تعسفي بين تيمة وعالم العمل الفني من جهة واللغة الخاصة به من جهة أخرى، عبر مقاربة أخلاقوية زائفة  وإيديولوجية أصولية واضحة.

وللإشارة نلاحظ غياب هذه المواقف الأخلاقوية المزيفة في مجموعة من المحطات السياسية و الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب ، والتي تظهر فقط في موضوعين أساسين وهما الفن والمرأة.

"عدم قبول مَرَضي لاستفزاز بديهياتنا"

إن تكالب قوى المحافظة والفصام والريع السياسي والثقافي في مواجهة مجموعة من الأعمال الإبداعية والفنية هو نوع من الانتقام من كل سؤال حول واقعنا ومحاولة للمصالحة معه ومع ذاتنا، وعدم قبول مَرَضي لاستفزاز بديهياتنا، "فالاعتقادات الراسخة هي عدوة الحقيقة وأكثر خطرا من الأكاذيب" (نيتشة). وكل مبدع يحاول أن يخرج من استبداد الجماعة ويعري عورتها سيكون مآله الحصار والقمع، و"من ينظر إلى الناس كقطيع، ثم يهرب منهم حالما يستطيع، فإنهم سيدركونه بالتأكيد ويضربونه بقرونهم" (نيتشة).

فتحية لكل فنان مبدع يصيد الأرواح ويقف ضد مجتمع الزيف وأكلة الورود والمتجارين بالبشاعة والتخلف، "فالحياة من دون فن مجرد غلطة".

 

طويل حسن

حقوق النشر: قنطرة 2015 ar.qantara.de