هل يمكن الحديث عن إسلام أوروبي له خصوصياته؟

يتفق المشاركون في الكتاب، رغم اختلاف موضوعات أبحاثهم على هدف موحّد، يكمن في مناوأة الأحكام التعميمية حول وجود المسلمين في أوروبا، وذلك عن طريق إلقاء الضوء على تنوّعه، بما يدحض تلك النظرة الأنثروبولوجية للمسلمين بوصفهم جماعة واحدة متجانسة.

هذا الكتاب هو حصيلة تجميع لبعض من الدراسات التي شارك بها باحثون أوروبيّون، في ندوة الدراسات المنهجية للعلاقات المسيحية الإسلامية في أوروبا في القرن الواحد والعشرين، برعاية من المؤسسة الهلينية للسياسة الأوروبية والخارجية.

يطرح الكتاب بشكل معلن أو مضمر جملة من الإشكالات من قبيل:

- هل هناك إسلام أوروبي؟

- ما السبيل إلى الحد من أسباب التوتر العرقي والطائفي في أوروبا، لا سيما حين يتصل بوجود المسلمين؟

- هل العامل الثقافي لوحده قادر على تفسير هذا التوتر، أم هناك متغيّرات فاعلة في ظهوره وتمدّده، تتعلق بالأصول الاجتماعية والأوضاع الاقتصادية في علاقة مع التحولات القيمية المصاحبة لتغير الأجيال؟

- هل تساهم المنظمات الأوروبية والإسلامية الرسمية والمدنية، في ترسيخ قيم المواطنة والحوار، أم تكرّس قيم الصراع والاحتراب؟

يتفق المشاركون في الكتاب، رغم اختلاف موضوعات أبحاثهم على هدف موحّد، يكمن في مناوأة الأحكام التعميمية حول وجود المسلمين في أوروبا، وذلك عن طريق إلقاء الضوء على تنوّعه عبر الأقطار الأوروبية، بما يدحض تلك النظرة الأنثروبولوجية المغرضة للمسلمين بوصفهم جماعة واحدة متجانسة.

 

 

يوضّح إيفي فوكاس في تقديمه للكتاب أنّ التركيز على الإسلام في أوروبا يعود إلى ثلاثة أسباب:

- أنّ العلاقة الجدلية بين الإسلام وأوروبا بصفة خاصة، تتسم بوجود أفكار قديمة هي مصدر التوتّر والتشويش على مستوى القاري والقطري. وغالبا ما تستخدم هذه الأفكار من قبل المسلمين وغير المسلمين لتأبيد التوتّر بين الإسلام وأوروبا.

- أنّ المسلمين في أوروبا يتميّزون بالمقارنة مع المسيحيين بخصوبتهم العالية وتديّنهم المرتفع، والذي غالبا ما يأخذ صبغة جماعية عكس التديّن الفردي المسيحي غير المحسوس.

- أما السبب الثالث، فمنشؤه تعدّد وتغيّر السياسات والمقاربات الأوروبية التي تتناول التعددية الدينية بصفة عامة والمجتمعات المسلمة بصفة خاصة، وخير تمثيل لهذا الموقف هو تلك المقاربات المتنوّعة التي تتناول موضوع الحجاب، وهو التنوّع الذي قد يؤثّر على المسار الذي تتبعه الجماعات المسلمة التي تعيش في أوروبا.

يشكّل السبب الأول موضوع دراسة طارق متري، والتي عنونها بـ "المسيحيّون والمسلمون: الذاكرة والتفاهم والعداوات".

ما يؤسف له الباحث بصدد الذاكرة الإسلامية المسيحية، أنّها ذاكرة انتقائية تظهر وتنشر باستمرار تجارب الصراع الأليمة، بشكل يطغى على لحظات السلم وعلى الخبرات الإيجابية.

إنّ هذه الذاكرة الرديئة كما يسميها متري لا تخلو مع ذلك من مفارقة تكشف فعل التاريخ في الثقافة، فإذا كان مسيحيّو القرون الوسطى مثلا يصفون تفوّقهم على المسلمين بلغة الدين ومفرداته، فإنّ كثيرا من مسيحيّي اليوم يتباهون بنزوعهم المتفوّق إلى العلمانية والشكّ في الدين مقارنة بالمسلمين.

يعكس الاهتمام الجديد بالدين من خلال المقارنة السابقة توجّهيْن في التعامل مع حضور الدين في المجال العام:

موقف يعبّر عن ارتياحه لرؤية الدين وقد عاد ليملأ فراغا روحيا ويمنح للحياة معنى، وموقف متوجس من انفجار لا عقلاني يعيد إلى الذاكرة مآسي تجربة الدين خلال عصر ما قبل العلمانية الليبرالية.

وبين هذين الموقفين الحدّييْن يدعو متري إلى ضرورة التمييز - عند تفسير دور الدين في السياسة الدولية والقومية - بين الحركات الدينية التي يلهمها الدين وتلك التي تستخدم الدين كأداة مشروعة مربحة لتنفيذ أجندة سياسية تتكئ على هموم بعيدة عن الدين كل البعد. وكمثال على هذا النوع الثاني من الاستغلال السياسي، يطرح متري قضية الأقليات المسيحية في الشرق.

 

 

فقد كان من الممكن للأقليات أن تصبح واسطة بين الشرق والغرب، وكان من الممكن لكثير منها أن تعلب هذا الدور بيسر واقتدار، لولا أنّ هذه الإمكانية جرى إجهاضها من لدن من يتصدّى لحقوق الإنسان بطريقة انتقائية، متجاهلا بأنّ كثيرا من مصالح الأقليات المسيحية، لا يمكن حمايتها وتنميتها دون حماية وتنمية حقوق الأغلبية المسلمة التي تعيش بينها. إنّ هذا الدعم الانتقائي أفضى إلى عكس الهدف المتوخّى منه، حيث صار يُنظر إليه بوصفه شكلا من أشكال التدخّل الأجنبي لحماية القلّة بما يعزّز الإحساس بأنّهم غرباء، لا ولاء لهم لأوطانهم.

يضيف متري إلى هذا النوع من الاستغلال حالات أخرى تقوم على تضخيم حجم عدد المشكلات التي يواجهها المسيحيون، بما يخفي في الواقع عدم الرغبة في الإسهام في حلّها حلاّ فعّالا، بل ويصل الأمر في هذا الباب أحيانا إلى حد المقايضة الضمنية بما يوحي ظاهرا بالتجاهل واللامبالاة، من خلال غض الطرف عن مشكلات الأقليات المسيحية في بلاد المسلمين بما قد يمنح الأمل في التخلص من الأقليات المسلمة في بلاد المسيحيين.

إنّ توظيف الدين في هذه السياقات لا يكشف عن استمرارية ثقافية مع موروث وذاكرة العصر الوسيط - أي لا يؤشر عن وجود تاريخ متصل - بقدر ما هو كشاف لأحد مفاعيل الحداثة في استحضارها لماض ديني خدمة لهدف دنيوي في الحاضر، وبتعبير فْريد هاليداي "فإن ما يساق اليوم على أنّه التمثيل الصادق لتراث ماض، هو في الحقيقة اختلاق معاصر هدفه تلبية حاجات معاصرة، ليس أقلها مصالح أولئك الذين يحددون تعريف التراث".

أمّا يورغن نلسن فيعالج قضية الحضور المتنوّع للإسلام في أوروبا من خلال حديثه عن ستّة أنماط من المشاركة العامة للمسلمين في أوروبا:

- نمط ينعته بخيار رد الفعل العشوائي وتجسده مجموعات شبابية تنشط على هامش القانون، موظفة الرموز الإسلامية في التعبير عن وضع اجتماعي.

- خيار العزلة الجمعية وتمثله نسبة كبيرة من الشباب خاصة في ضواحي المدن التي تتسم بكثافة عالية من المسلمين، حيث يجد هؤلاء الأمن في عملية التخندق في حماية الأسرة وشبكات القرابة في المجتمع المسلم، وأما ثمن هذا الدعم فهو الولاء للمعايير الجمعية للمجتمع ذي الصلة.

- خيار المشاركة المحدودة ويمثله عدد غير قليل من الشباب الذين نجحوا في اجتياز مراحل التعليم الأولى ودخول الجامعات ومعاهد التعليم العالي، ويلعب هؤلاء دورا نشطا في اقتصاد البلاد المضيفة لكنهم يبقون هذه المشاركة منفصلة عن حياتهم في البيت والمجتمع الإسلامي الضيق.

- خيار الانفصال ذو الصورة المتقدمة، حيث أصبح عدد من الشباب مشغولين بإنشاء منظمات تهتم بالأنشطة الإسلامية، وتشارك أغلب هذه المنظمات في إطلاق الحملات على المستوى المحلي والقومي من أجل الحصول على مجال لها من الناحية الاجتماعية والسياسية، وأما في داخل المجتمع الضيق، فقليل من الاهتمام بتبني طرق جديدة للحياة في المجتمع الأكبر.

- خيار الاندماج ذو الصورة المتقدمة، ويخصّ فئة من الشباب المسلم تنازعهم رغبة متزايدة في البحث عن تطوير وسائل ثقافية جديدة لإثبات ذاتهم كمسلمين في الوقت الذي يحاولون فيه إيجاد طرق للمشاركة البناءة في المجتمع الأكبر.

- الخيار العدائي وتتبناه أقلية صغيرة، وهدفه على الأقل على المستوى الدعائي - وإن كان نادر التطبيق - القيام بفعل سياسي إسلامي متطرّف.

 

[embed:render:embedded:node:32449]

 

في دراسته المعنونة بالهويات الإسلامية في أوروبا شرك الاستثنائية، يتصدى جوسلين سيزاري لتلك النظرة الجوهرانية للمسلمين بوصفهم جماعة متلاحمة، خصوصيتها عابرة للزمان والمكان، بما يهمش واقع المسلمين الملموس لصالح صور نمطية ترفض الاعتراف بأثر التاريخ في المجتمع المسلم مثله في ذلك مثل أي مجتمع آخر ولو نهل من مصدر ثقافي مغاير.

لهذا يؤكد سيزاري على أهمية استحضار التنوع في السياقات القومية، ونعني بذلك وضع الدين داخل المجتمعات المختلفة، وطرق اكتساب الجنسية ووجود الاعتراف بالتعددية الثقافية أو غيابه، والخصائص المعينة لكل بلد أوروبي على حدة، بوصفها عوامل مؤثرة بشكل مباشر في فعاليات تشكيل الأقليات المسلمة وبناء الهويات؛ ذلك أن الدين يتثاقف بصور مختلفة مع طبيعة البيئة العلمانية التي يوجد فيها، فالإسلام في فرنسا هو غير الإسلام في إنجلترا أو ألمانيا...

يضاف إلى العوامل السالفة الذكر الوضع الاجتماعي - الاقتصادي للمسلمين في أوروبا، والذي يتّسم حسب سيزاري بالهشاشة البالغة، فمعدّل البطالة وسطهم أعلى من المتوسط القومي وخاصة في بلدان مثل هولندا وألمانيا وإنجلترا، وهي وضعية يصحبها سكن فقير، غير صحي، ومزدحم.

وبهذا المعنى، فإنّ الأصول والأوضاع الاجتماعية المتواضعة لأغلب المسلمين في أوروبا، تجعل من الإسلام لا دين الآخر فحسب، إنّما هو في الأغلب الأعم دين العمال أو دين الطبقة الدنيا في المجتمع، الغرباء، دين سكان الجيتوهات، بتعبير فرنر شيفور.

 

لقراءة المقال كاملا الرجاء النقر هنا:

https://bit.ly/2SpzEXQ