إلياس خوري: ثورة ثقافية عربية ضد الاستبداد والطائفية

يرى الكاتب والصحفي اللبناني البارز إلياس خوري (71 عاما) في احتجاجات لبنان الجماهيرية 2019 فصلا جديدا من الربيع العربي يسطره جيل جديد متميز باللاعنف والسلمية. ويقول من بيروت في الحوار التالي مع وكالة الأنباء الكاثوليكية إن: "لا مخرج للعالم العربي إلا بإقامة ديمقراطيات" سياسية، وإن توحد المثقفين والشعوب الجديد يفتح المجال لـ "ثورة ثقافية حقيقية".

الكاتب، الكاتبة : إلياس خوري

السيًّد إلياس خوري، أنت تراقب المجتمع اللبناني منذ عشرات السنين. فهل فاجأتك التطوُّرات الأخيرة في لبنان؟

إلياس خوري: تفاجأتُ من ناحية بأنَّ الانتفاضة لم تحدث في وقت مبكِّر. فالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية تدهورت بشكل لا يُحتمل في الأعوام الأخيرة. ولكن توجد في هذا البلد الكثير من العقبات التي تحول دون الانتفاضة. ولهذا السبب فقد اندهشت عندما بدأت. من المدهش أنَّ الناس قد تجاوزوا حدود الأديان والمناطق. 

لم يكن أحد يعتقد أنَّ جنوب لبنان سينتفض ضدَّ هيمنة ميليشيات حركة أمل الشيعية وحزب الله. ولم يكن أحد يتوقَّع أنَّ طرابلس الخاضعة منذ فترة طويلة لقيادة إسلامية صارمة ستتحوَّل إلى مركز للثورة. ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو أنَّ المحتجِّين يطالبون بنفس المطالب في جميع أنحاء لبنان.

ما هي الأهمية التي تعلقها على ذلك؟

إلياس خوري: لأوَّل مرة حدث تواصلٌ في هذه الانتفاضة بين المثقَّفين والجماهير الفقيرة. نحن بتنا أمام احتمال قيام ثورة ثقافية حقيقية، ممكن قيامها بفضل دور النساء، وخاصة الشابات اللواتي يلعبن دورًا قياديًا في الانتفاضة - دور جيل جديد من الشباب الواعي بإمكانية التغلُّب على الطائفية، التي تُقسِّم السلطة بحسب نسب محاصصة بين الطوائف الدينية.

لبنان رهينة زعماء دينيين يعتبرون ديكتاتوريين صغارًا. والمحسوبية الدينية مستحيلة من دون المال الذي سرقته الحكومة المكوَّنة من لصوص. للمرة الأولى منذ زمن طويل صرنا نشعر بأنَّنا أمة واحدة.

هل ترى إمكانية حدوث ثورة ثقافية؟

إلياس خوري: نعم، لكن النظام الحاكم يفعل كلَّ شيء من أجل إيقافها من خلال الطائفية. وقد رأينا ذلك في الهجمات ضدَّ المتظاهرين. حيث جاء المهاجمون يحملون شعارات شيعية.

 

 

وبعد استقالة الحكومة، قام أيضًا حزب رئيس الوزراء سعد الحريري بنقل شعاراته السُّنِّية إلى الشوارع في محاولة للبقاء في السلطة. لكن الخطر الأكبر ينبعث من الرئيس المسيحي الماروني ميشال عون ووريثه جبران باسيل، لأنَّ التفكير في فقدانهما السلطة يمكن أن يدفعهما إلى جنون لا أخلاقي.

هل ستستمر الاحتجاجات؟

إلياس خوري: الوضع متوتر جدًا، والناس بحاجة إلى الراحة. وهم ينتظرون ليروا إن كانت ستأتي حكومة جديدة تُلبِّي مطالبهم. غير أنَّني أعتقد أنَّ الانتفاضة ستشتعل مرة أخرى، لأنَّني لا أعتقد أنَّ هذه الطبقة السياسية لديها القدرة على التغيير. نحن لم نُضيِّع الفرصة بعد. ولكن يجب علينا أن نتعلم من أخطاء الربيع العربي: 

يجب علينا أن نكون سلميين، ولا يجوز لنا استخدام السلاح، ويجب علينا أن نعطي الآخرين فرصة من دون أن نفقد السيطرة. من الممكن بطبيعة الحال أن تتغيَّر الأمور بسرعة عندما يستخدم الطرف الآخر العنف، ولكننا لن نقع في هذا الفخ. لقد تعلمنا دروسنا.

ماذا تعتقد، هل يمكن لهذه الانتفاضة السلمية أن تقفز مثل الربيع العربي إلى بلدان أخرى؟

إلياس خوري: الربيع العربي لم يمت. هذه موجة جديدة من الربيع العربي. لقد بدأت في السودان والجزائر، والآن أتت إلى لبنان والعراق. هذا الربيع لن ينتهي. لا مخرج للعالم العربي من هنا - إلَّا إذا أقام ديمقراطيات.

لكن يوجد قتلى في الاحتجاجات في السودان والعراق …

إلياس خوري: قوَّات الأمن استخدمت العنف، ولكن المتظاهرين لم يردوا بالعنف. لدينا في لبنان وضعنا الخاص بحيث أنَّ قيادة الجيش قد ردَّت بحكمة كبيرة ولم تستخدم السلاح ضدَّ المتظاهرين بعكس تعليمات الرئيس.

والجيش الثاني في لبنان، أي حزب الله، حَذِرٌ هو الآخر. صحيح أنَّه استخدم العنف، ولكنه لم يستخدم السلاح. وخلاف ذلك سيكون لدينا وضع مثل الوضع السائد في سوريا.

أنت معروف بوقوفك إلى جانب الفلسطينيين. كيف يستقبل الفلسطينيون الانتفاضة اللبنانية؟

إلياس خوري: من وجهة نظر منطقية تقترب أيضًا في الأراضي الفلسطينية ثورةٌ حقيقية ضدَّ القوَّتين، حركة حماس الإسلامية في قطاع غزة وحركة فتح في رام الله. هاتان الحركتان هما في الوقت الراهن العقبة الرئيسية التي تواجه الفلسطينيين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي - وكلتاهما فاسدتان جدًا.

كثيرًا ما تتعامل في نتاجك الأدبي مع الآخر كمرآتك الخاصة. فهل تُعِيد وحدةُ المتظاهرين هذه المرآةَ إلى لبنان، التي ضاعت من خلال الشعور بالاغتراب بعد الحرب الأهلية اللبنانية من عام 1975 حتى عام 1990؟

إلياس خوري: نهاية الحرب الأهلية خلقت في آخر المطاف فقط نظامًا آخر لحرب أهلية مستمرة يحكم فيها زعماءُ الحرب والمافيا القدامى. يجب عليهم إبقاؤنا باستمرار على شفا الحرب الأهلية من أجل الحفاظ على هذا النظام.

 

 

إنَّ ما يحدث الآن في الشوارع هو الإعلان عن نهاية الحرب الأهلية. وإذا نجحت هذه الانتفاضة، انتهت الحرب الأهلية. 

لقد أصبحت العلمانية شعبية بعد أن كانت حتى الآن موضوعًا خاصًا بالمثقَّفين. هذا لا يعني أنَّ علينا تدمير التنوُّع. الدين يُقَدِّم عندما يقتصر على المجال الديني الكثير من الأشياء الجميلة.

هذه المنطقة خلقت الديانات الإبراهيمية الثلاث وخلقت بالتالي تراثًا روحيًا عميقًا يُثرينا. ولكن ليس عندما تتم إساءة استغلاله مثلما يحدث في الوقت الحالي: كأداة سياسية في أيدي زعماء المافيا.

 

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: وكالة الأنباء الكاثوليكية / موقع قنطرة 2019

ar.Qantara.de