ليبيا - هل يطوي الليبيون صفحة الماضي وينطلقون نحو السلام برعاية روسية تركية ألمانية؟

وصل الرجل القوي في شرق ليبيا المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج إلى موسكو الإثنين 13 / 01 / 2020 لتوقيع اتفاق حول تفاصيل وقف إطلاق النار بين القوات الموالية لهما الذي دخل حيز التنفيذ الأحد، في أوج تحركات دبلوماسية لمنع اتساع النزاع.

وبعد أكثر من تسعة أشهر من المعارك الضارية عند أبواب طرابلس بين الطرفين، يلتقي الرجلان في العاصمة الروسية في خطوة تعكس التأثير المتزايد لموسكو في هذا الملف الشائك.

ولم تؤكد روسيا ما إذا كان الرجلان سيجريان لقاء مباشراً، علماً أن آخر لقاء بينهما عقد في أبو ظبي في شباط/فبراير 2019.

ويعقد اللقاء تحت إشراف وزيري الخارجية والدفاع التركيان مولود تشاوش أوغلو وخلوصي أكار إلى جانب نظيريهما الروسيين. وتؤيد أنقرة السراج وقامت بنشر قوات دعما له، بينما يشتبه بأن موسكو وعلى الرغم من نفيها المتكرر، تدعم حفتر بالسلاح والمال والمرتزقة.

وبحسب رئيس مجلس الدولة (يوازي مجلس أعيان) في طرابلس خالد المشري، قد تتناول المحادثات خصوصاً مسألة نشر "قوات مراقبة" لم يحدد طبيعتها. 

وفي خطاب مقتضب بثه التلفزيون، دعا رئيس حكومة الوفاق الوطني التي تعترف بها الأمم المتحدة، الإثنين الليبيّين إلى "طيّ صفحة الماضي ونبذ الفرقة ورصّ الصفوف للانطلاق نحو السلام والاستقرار".

وأكد السراج "لا تعتقدوا أبداً أننا سنفرط في تضحيات أبنائنا ودماء شهدائنا، أو بيعنا لحلم السير نحو الدولة المدنية"، مشيرا إلى أن "خطوة التوقيع على وقف اطلاق النار إنما هي للدفع بهذا الاتفاق إلى الأمام ولمنع إراقة المزيد من الدم الليبي".

وفي مؤشر إلى تأثيرهما المتزايد في ليبيا على الرغم من تنافسهما في الميدان، أعلن الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان في الثامن من كانون الثاني/يناير 2020 وقفا لإطلاق النار دخل حيز التنفيذ الأحد 12 / 01 / 2020.

ويفترض أن تمهد هذه الهدنة لمؤتمر دولي حول ليبيا في برلين برعاية الأمم المتحدة، من المتوقع أن يعقد في 19 كانون الثاني/يناير 2020. 

وعقدت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل محادثات في هذا الشأن في موسكو السبت 11 / 01 / 2020 مع الرئيس الروسي الذي أجرى سلسلة اتصالات هاتفية مع القادة العرب والأوروبيين.

ويشكّل هذا اللقاء بالنسبة لموسكو فرصةً لزيادة نفوذها في الشرق الأوسط، وتعويض خساراتها في ليبيا، عبر الاستفادة من الفشل الغربي في تهدئة الأوضاع في هذا البلد منذ تسع سنوات. 

ويشير الخبير الروسي في مجال الدفاع أليكسي مالاشينكو إلى أنه "إذا نجحت عملية السلام هذه، فستعزز روسيا دورها كصانع للسلام وستنجح بالحفاظ على حفتر".  لكن يشكك المحللون في الوقت نفسه بإمكان أن تدوم هدنة ما في ليبيا. وتقول المحللة فيديريكا سايني فاسانوتي من معهد بروكينغز لفرانس برس: "لحفتر هدف: السيطرة على العاصمة عسكرياً، ما يسمح له أن يفرض ما يريد على طاولة المفاوضات". 

ميدانيا سمع إطلاق نار متقطع من اسلحة خفيفة في جنوب العاصمة، لكن الجبهة بقيت هادئة بشكل عام.

وتخشى الدول الأوروبية تدويل النزاع الليبي وتفاقمه، خصوصاً مع وصول عسكريين أتراك إلى البلاد، وفي ظلّ الاشتباه بوجود مرتزقة روس فيها، إلى جانب العديد من المجموعات المسلحة، وخصوصاً الجهادية منها، مع مهربين للأسلحة والمهاجرين. 

وكما في سوريا حيث أدى التفاهم بين البلدين إلى منحهما دوراً محورياً في النزاع على الرغم من دعمهما لمعسكرين متعاديين، فرضت موسكو وأنقرة نفسيهما في مواجهة عجز الغربيين، كوسيطين لا يمكن الالتفاف عليهما في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ 2011.

وتخشى أوروبا خصوصا أن تتحول ليبيا إلى "سوريا ثانية". وهي تريد خفض ضغط المهاجرين على حدودها بعدما استقبلت في السنوات الأخيرة آلاف المهاجرين القادمين من ليبيا وسوريا. 

وأكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من جهته خلال مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي ضرورة أن يكون وقف إطلاق النار في ليبيا "ذي صدقية ودائما ويمكن التحقق منه"، بينما يرغب الأوروبيون أن يشكل وقف إطلاق النار "فرصة هامة" لتجديد الحوار. 

وتعتبر موسكو أن الغرب مسؤول إلى حد كبير عن النزاع في هذا البلد الغني بالنفط لأنهم دعموا عسكريا من خلال حملة قصف جوي شنها حلف شمال الأطلسي، المتمردين الذين أطاحوا نظام معمر القذافي وقاموا بقتله في 2011.

وفضلاً عن المكاسب الجيوسياسية والحصول على امتياز في الوصول إلى النفط الليبي، تأمل روسيا بأن تستعيد في ليبيا سوقاً هاماً للسلاح والقمح، كما يطمح فلاديمير بوتين إلى الحصول على موطئ قدم في إفريقيا. 

ولتركيا أيضاً أهداف نفطية، تأمل تحقيقها من خلال اتفاق مثير للجدل مع حكومة الوفاق الوطني، توسع فيه تركيا جرفها القاري بشكل يسمح لها بالتنقيب عن مصادر الطاقة في أعماق المتوسط. أ ف ب