ما يتجنبه الكتّاب ويتناوله الكاريكاتير الجزائري
رسوم جزائرية جريئة...متجاوزة للخطوط الحمراء

برسومه المطعمة بسخرية مبطنة لا تجرؤ على تناولها الكلمات المباشرة، هل يعيد الكاريكاتير العصر الذهبي للإعلام الجزائري؟ يبدأ قراء الصحف في الجزائر جولتهم من الصفحة الأخيرة، أي صفحة رسوم الكاريكاتير. فهي تستقطب القارىء وتزاحم المقالات الصحفية، بقواعد بسيطة تلخص الواقع باختزال الكلام واحترافية في القراءة ما بين الخطوط. نتعرف على بعض الرسوم الكاريكاتيرية الجزائرية في تحليل فرح سوامس التالي.

في بلد تتعدى فيه نسبة الأمية 13%، للصورة والرسوم تأثير لا يستهان به أثناء التطرق بسخرية، أو بنقد لاذع للأحداث الراهنة، سواء كانت سياسية، أو اجتماعية، أو اقتصادية أو ثقافية. كما أن أي جولة قصيرة عبر التقارير الدولية حول حرية الصحافة في الجزائر، كافية للاطلاع على الصورة القاتمة للواقع الإعلامي. فقد احتلت الجزائر المرتبة 129 فاقدةً 10 درجات في ترتيب تقرير 2015 لمنظمة "مراسلون بلا حدود"، وأدرجت ضمن فئة البلدان التي تعيش في "سلم بوليسي".

في ظروف كهذه، بإمكان الرسم المطعم بالسخرية المبطنة، أن يتجاوز بعض الخطوط الحمراء التي لا تجرؤ على تناولها الكلمات المباشرة. وتعتبر مسيرة فن الكاريكاتير في الجزائر بعد الاستقلال حافلة ومثيرة للجدل، تعدى أثناءها كثير من الرسامين الخطوط الحمراء، وساهموا في تحريك الرأي العام. فلم يسلم من أقلامهم جنرالات الجيش، وقادة الجماعات الإرهابية، والشخصيات العامة، بكل أطيافها لتصل بشكل خاص إلى رئيس الجمهورية ورؤساء البرلمان المتعاقبين.

Die Algerier haben sich entschieden, ein neues Kapitel aufzuschlagen: "Wir haben den Terrorismus hinter uns!" - Karikatur von Dilem; Quelle: Liberté
"الجزائريون اختاروا طي الصفحة تركنا الارهاب وراءنا"، رسم "ديليم" لصحيفة Liberté

بين المنع والحرية المطلقة

في عهد الرئيس بومدين، كانت وزارة الإعلام تتولى حجب المعلومات ووضع المحظوارت وتلوينها باللون الأحمر. ثم جاء الرئيس الشاذلي، الذي أعطى الصحافة مساحة معتبرة من الحرية التامة، فصدرت أكثر من عشر صحف في تلك الفترة، وعرفت بالعصر الذهبي للإعلام الجزائري.

ظهر في تلك الفترة رسامون كثر، وتوالت الأسماء لتشمل إسياخم وآخرين، إلى أن جاء من يعتبر أبا الكاريكاتير بعد الاستقلال، سليم. أطل على الجمهور الجزائري من خلال جريدة "أحداث الجزائر"، الناطقة بالفرنسية والمجلة الساخرة "مقيدش".

برز بعده آخرون مثل هارون، ملواح قاسي وبوعمامة مازاري، لكن الفترة الدموية التي مرت بها الجزائر، أثرت على حركة الكاريكاتير بشكل سلبي، خصوصاً بعد بداية حملات اغتيال الصحفيين والشخصيات العامة في مجال الإبداع والفن. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من الرسامين للهجرة إلى فرنسا. لكن لا يزال بعضهم يزاول إبداعه إلى يومنا هذا، مثل جمال نون وهشام بابا علي.

برز بعده آخرون مثل هارون، ملواح قاسي وبوعمامة مازاري، لكن الفترة الدموية التي مرت بها الجزائر، أثرت على حركة الكاريكاتير بشكل سلبي، خصوصاً بعد بداية حملات اغتيال الصحفيين والشخصيات العامة في مجال الإبداع والفن. وهذا ما دفع عدداً كبيراً من الرسامين للهجرة إلى فرنسا. لكن لا يزال بعضهم يزاول إبداعه إلى يومنا هذا، مثل جمال نون وهشام بابا علي.

عقوبة الرسم وإعادة النشر

في مايو 2001، تبنى البرلمان الجزائري المادة المعروفة بـ"مرسوم ديلام"،  والتي يمكن بموجبها الحصول على عقوبة تتراوح بين شهرين و12 شهراً، وغرامة مالية من 50.000 إلى 250.000 دينار جزائري، بتهمة إهانة الرئيس. كما يمكن أن ينال المساس بسمعة الجيش الوطني أو البرلمان العقوبة نفسها. ولا تعاقب القوانين رسام الكاريكاتير الذي يمس بهذه المواضيع فقط، بل تطال ناشر المادة أيضاً.

Karikatur von Sadk; Quelle: Press-dz.com
"الجزائر تحضر شعبها لأوقات صعبة"، "المحافظة على مشروع جامع الجزائر الأعظم" - قم بتادية صلواتك، 2016 تقترب. رسم Sadk لـpresse-dz.com

فقد تم تغريم الناشطة في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، زليخة بلعربي، 100 ألف دينار جزائري، بسبب إعادة نشرها عبر فيسبوك لرسم يُصور شخصيات سياسية جزائرية بتقنية فوتوشوب، من ضمنهم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في هيئة سلطان وحاشيته، في إشارة إلى المسلسل التلفزيوني التركي المعروف باسم "حريم السلطان".

تختلف الزوايا التي تطرحها هذه الرسوم، لكن ثمة مواضيع تبقى ثابتة لا تهجر النقاشات ولا الساحة الإعلامية. فما هي أكثر المواضيع الحساسة في الجزائر التي يتجنب طرحها الكتاب عبر الكلمات، ويجرؤ على رسمها فنانو الكاريكاتير؟

جامع الجزائر الأعظم

لم يسلم مسجد الجزائر الكبير من أقلام الكاريكاتير اللاذعة، والتي تفاعل معها الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فقد طُرح الجدل حول بنائه بسبب كلفته "الباهظة" التي تصل إلى 1,36 مليار دولار أمريكي، وبنائه في منطقة من قمة تلة بوزريعة على ارتفاع 365 متراً، يقول عنها خبراء الزلازل إنها معرضة لهزات أرضية.

ويواجه المشروع انتقادات تتمثل في كون بنائه تبذيراً للمال العام، ويطالب البعض بإنفاق الأموال على مشروعات أخرى مثل التعليم والصحة والمدارس والجامعات.

المصالحة الوطنية

عمر هذه المصالحة عشر سنوات، لكنها حتى اليوم مثار جدل واسع وسخرية رسامي الكاريكاتير في الجزائر. فبعد مرور أعوام على التصويت لميثاق المصالحة الوطنية، الذي اقترحه الرئيس بوتفليقة في عام 2005، لإنهاء الإرهاب في الجزائر، لا يزال تطبيقها صعباً ولا يزال أيضاً العديد من ضحايا الإرهاب يطالبون بكشف الحقيقة عما جرى في البلاد آنذاك، في ظل استمرار غياب الكثير من المفقودين.

الأزمة الاقتصادية

لا مفر من تناول الكاريكاتير للاقتصاد. فهو ناقوس الخطر لقطاع كبير من الجزائريين، خصوصاً عقب مخلفات الأزمة المالية التي تتخبط فيها البلاد، وبعد اعتماد الحكومة سياسة التقشف التي قد تؤدي إلى انفجار اجتماعي.

Karikatur von Dilem in der algerischen Zeitung "Liberté"
مضى شهر منذ ذهاب بوتفليقة لفرنسا بسبب سكتة دماغية، حالة أخرى من هجرة الأدمغة - رسم "ديليم" ونشرها في صحيفة Liberté

كان أهم أسباب الأزمة الاقتصادية الأخيرة انهيار أسعار المحروقات، وهي المورد الوحيد للاقتصاد الجزائري، ما أثر سلباً عليه.

الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة

إنه السؤال المطروح يومياً في الجزائر، وهو يشغل الشعب، ويربك السلطات ويلهم أقلام الرسامين. فالرئيس الجزائري الذي حكم البلاد 17 سنة، تجاوز الـ79 عاماً من العمر، وكان قد أصيب سنة 2005 بمضاعفات داء سرطان المعدة. لكن السلطات الجزائرية صرحت حينها عبر وكالة الأنباء الرسمية، أن الرئيس تعرض لجلطة "دماغية عابرة" ويجب أن يخضع للراحة.

وقد تقدم للانتخابات الرئاسية عام 2014، وهو مقعد على كرسي متحرك. لكن طبيعة مرضه وحقيقة حالته بقيتا سراً يخضع لقانون الصمت وللسرية المبالغ فيها.

لذلك، كلما غاب الرئيس عن الأنظار، تساءل الشعب أين الرئيس؟ لتتبع السؤال سلسلة من الشائعات التي تقوم بتداولها شبكات التواصل الاجتماعي والشارع. ويكون الرد الرسمي تطميناً معهوداً بأن "حالة الرئيس جيدة، وهو يمارس مهماته بصفة عادية". ما يعكس وضعاً سياسياً غامضاً تعيشه البلاد. وطبعاً كل هذا يجعل الموضوع مادة دسمة لرسام الكاريكاتير.

 

 

فرح سوامس

حقوق النشر: رصيف 22

ar.Qantara.de 2017 

اقرأ أيضًا: مقالات مختارة من موقع قنطرة