شباب بين مطلب الحرية بالشرق وحماية البيئة بالغرب

لقطة من مسرحية "الحق في الشباب" - مسرح مدينة بون - ألمانيا.
لقطة من مسرحية "الحق في الشباب" - مسرح مدينة بون - ألمانيا.

غضب شبابي ينبع في دول نامية من حرمان من أبسط الحقوق وينبع في دول غربية -بجانب مشاكل اقتصادية واجتماعية- من كوارث بيئية. انطباع عارف حجاج لموقع قنطرة عن مسرحية ذات صلة وحوار ألمان حولها.

الكاتبة ، الكاتب: عارف حجاج

غضب الشباب في كل أنحاء العالم ظاهرة نشهدها يوميا. لكن هذا الغضب نابع في دول ما يسمى بالعالم الثالث من القهر والإحباط بسبب تداعيات الأنظمة الاستبدادية وحرمان الإنسان من أبسط الحقوق الأساسية وأهمها توفير الغذاء وحياة تكفلها الكرامة والعدالة.

أما في دول الغرب "الغنية" فهم الشباب يتمركز إلى جانب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية حول قضايا حماية البيئة وتغير المناخ. عارف حجاج يروي انطباعاته عن مسرحية "الحق في الشباب" والنقاش الذي دار حولها مع الجمهور الألماني.

جرى نقاش حي وإلى حد ما حاد بين المخرج والممثلين وبين الجمهور بعد مشاهدة القطعة المسرحية الدرامية المسماة "الحق في الشبيبة". حدث ذلك مؤخرا في المسرح الرئيسي للعاصمة القديمة بون.

 

صورة رمزية  - الربيع العربي - احتجاجات ومظاهرات ومسيرات. Arabischer Frühling Symbolbild Arab Spring Foto picture-alliance dpa
حرمان الإنسان من أبسط الحقوق: مصدر الغضب في دول "العالم الثالث" أوضاع القهر والإحباط وحرمان الإنسان من أبسط الحقوق الأساسية كتوفير الغذاء وحياة تكفلها الحرية والعدالة الأمر الذي يعود الى الطبيعة الاستغلالية البشعة للأنظمة السلطوية والاستبدادية. أما في دول الغرب "الغنية" فهمُّ الشباب يتمركز حول قضايا حماية البيئة وتغير المناخ إلى جانب المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، كما يكتب عارف حجاج.

 

فبعد أن أثنى رجل مسن وعلى درجة عالية من الثقافة والمعرفة في صفوف الجمهور على المسرحية لكونها تتطابق مع روح العصر وأحداثه الآنية المزرية سياسيا واجتماعيا اعترض من ناحية أخرى على رسالة واضحة نقلها كاتب المسرحية ومخرجها فحواها أن الشرخ القائم في التطلعات والمصالح بين الأجيال القديمة والجديدة أمر حتمي لا يمكن التخلص منه.

أضاف الرجل بأن هذه الرسالة لها وقع سلبي على العلاقة بين الأجيال لكونها تنفي أبديا احتمال التوافق بينها. أما المخرج فولكار لوش VOLKER LÖSCH  فقد عبر في رده عن قناعته بأن الفروق في المصالح والآفاق قائمة بالفعل وبأنها في ازدياد مستدام ما لم يتم التوصل إلى حلول مُرضِيَة، ليس فقط للكبار في السن والضالعين في شؤون الساسة والاقتصاد بل للشباب بصورة خاصة.

مصدر الغضب في دول "العالم الثالث" أوضاع القهر والاحباط وحرمان الانسان من أبسط الحقوق الأساسية كتوفير الغذاء وحياة تكفلها الحرية والعدالة الأمر الذي يعود الى الطبيعة الاستغلالية البشعة للأنظمة الاستبدادية. أما في دول الغرب "الغنية" فهم الشباب يتمركز حول قضايا حماية البيئة وتغير المناخ.

 

حركة الجيل الأخير - تنويه بأخطار الكوارث المتعلقة بتغير المناخ. Klimawandel Letzte Generation Fotos dpa und Twitter
حركة الجيل الأخير - تنويه بأخطار الكوارث المتعلقة بتغير المناخ: في الغرب ثمة تنظيمات شباب تقوم بمظاهرات مطالبة بحماية البيئة وتجاوز أخطار الكوارث المتعلقة بتغير المناخ ومنها حركة "الجيل الأخير" التي نشطت مؤخرا في لفت الأنظار إلى تلك المشاكل باستخدام "العنف الرقيق" كلصق أجسام المتظاهرين في أسفلت الطرق العامة و "الاعتداء الرمزي من جهة والاستعراضي من جهة أخرى" على الأعمال الأيقونة لفناني الرسم المشهورين مثل مونيه وغيرها من الذخائر المحفوظة في المتاحف المشهورة، وفق ما يكتب عارف حجاج.

 

معنى "الحق في الشباب" وفي تقرير المصير

تعني مسرحية "الحق في الشباب" حقهم في المشاركة في تسيير كافة الأمور الحياتية والتغلب على تهميشهم وحرمانهم من بناء مستقبل أفضل مبني على العدالة الاجتماعية وحماية البيئة وإزالة الأخطار المتعلقة بتغير المناخ. اعتمدت المسرحية على عمل أدبي ألفه النمساوي برونين BRONNEN في مطلع القرن العشرين وجدده كيتشتاين KITTSTEIN بما يتطابق مع أحداث الحاضر.

وكان الكاتب النمساوي قد أكد قبل أكثر من قرن على حق الشباب في تقرير مصير هم متنبئا بأن مشاكل عصره قد تبلغ في المستقبل حدا كارثيا. تخطى المخرج المشهور في الأوساط المسرحية لوش سن الشباب حيث يبلغ اليوم 60 عاما من العمر، إلا أنه يتعاطف كثيرا مع تنظيمات الشباب ومظاهراتهم المطالبة بحماية البيئة وتجاوز أخطار الكوارث المتعلقة بتغير المناخ كما أنه يتعاطف مع حركة "الجيل الأخير" التي نشطت مؤخرا في لفت الأنظار إلى تلك المشاكل باستخدام العنف "الرقيق" كلصق أجسام المتظاهرين في أسفلت الطرق العامة والاعتداء الرمزي من جهة والاستعراضي من جهة أخرى على الأعمال الأيقونة لفناني الرسم المشهورين مثل مونيه وغيرها من الذخائر المحفوظة في المتاحف المشهورة.

 

تظاهرات  شهدتها قرية لوتسيرات LÜTZERATH الألمانية الصغيرة التي تم تدميرها إحياءً لمناجم فحم موجودة في أعماقها. Der verlorene Kampf um Lützerath Deutschland Foto Picture Alliance
ضد مناجم الفحم الضارة بالبيئة: يشمل رفض الجيل الأخير حتى حركة "الجمعة من أجل المستقبل" التي تتزعمها السويدية غريتا تونبيرغ GRETA THUNBERG بحجة أن أداة العصيان المدني لم تعد كافية في هذا العصر. الجدير بالذكر أن هذه الناشطة شاركت في التظاهرات التي شهدتها قرية لوتسيرات LÜTZERATH الصغيرة التي تم تدميرها إحياءً لمناجم الفحم الموجودة في أعماقها. لكن مشاركة حركة الجيل الأخير في التظاهر ضد تدمير القرية اتسمت بالتزام أكبر، الأمر الذي لم يخلُ من العنف سواء من جانبها أو من جانب أجهزة الشرطة، بحسب ما يكتب عارف حجاج.

 

تتناول المسرحية كذلك الخلافات المستعرة داخل العائلة أي بين الأبوين والأبناء. تباهى الأبوان في المسرحية بالجهود التي بذلاها في تربية أولادهما ماديا ومعنويا وصحيا، وشددا على حرصهما في الماضي والحاضر على التعامل المناسب مع البيئة والمواد الغذائية وعلى حماية كافة الكائنات الحية من الأخطار التي تعترض البيئة.

رد الأولاد بأن تلك الجهود كانت سطحية دوما وأن التزام الأجيال القديمة بحماية البيئة والمناخ جاء من باب الكلام لا الفعل. كما رفض أنصار "الجيل الأخير" زعم أجيال الآباء والأمهات بأنها تأثرت في غضون ستينيات القرن الماضي بالأفكار اليسارية التنويرية التي أسسها أقطاب مدرسة فرانكفورت الفلسفية مثل أدورنو ADORNO وماركوزي وهوركهايمر.

وكانت حجة الأبناء بأن هذا التبني كان محض سطحيا ونظريا وبعيدا تماما عن الاستعداد لإحداث تغييرات جذرية. كما رفض جيل الأولاد مزعم بعض الآباء والأمهات بأنهم خفضوا استهلاكهم للحوم وأصبحوا بالتالي أكثر حرصا على البيئة من قبل. فرأى جيل الأبناء بأن تلك الإجراءات لا ترقى الى المستوى المطلوب والضروري.

 

Lützerath bleibt die Ansage an die Politik, dass 1,5°-Versprechen nicht verhandelbar sind.

Lützerath bleibt die Botschaft an die Welt, dass ziviler Protest ungeahnte Wellen schlagen kann.

Lützerath bleibt der Ort, wo 280 Mio Tonnen CO2 im Boden bleiben müssen.#LützerathBleibt pic.twitter.com/wA9CyRz2mR

— Luisa Neubauer (@Luisamneubauer) January 16, 2023

 

رفض حركة الجيل الأخير للتيارات السياسية السائدة في ألمانيا وكامل أوروبا

هذا ويشمل رفض الجيل الأخير حتى حركة "الجمعة من أجل المستقبل" التي تتزعمها السويدية غريتا  تونبيرغ GRETA THUNBERG  بحجة أن أداة العصيان المدني لم تعد كافية في هذا العصر.  الجدير بالذكر أن هذه الناشطة شاركت في التظاهرات التي شهدتها قرية لوتسيرات LÜTZERATH الصغيرة التي تم تدميرها أحياء لمناجم الفحم الموجودة في أعماقها. لكن مشاركة حركة الجيل الأخير في التظاهر ضد تدمير القرية اتسمت بالتزام أكبر، الأمر الذي لم يخلُ من العنف سواء من جانبها أو من جانب أجهزة الشرطة.

 

 

عبرت المسرحية عن رفض حركة الجيل الأخير للتيارات السياسية السائدة في ألمانيا وكامل أوروبا. وعلى الرغم من أنها حركة يسارية الا أنها لا تفرِّق إزاء هذا الرفض بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي والاتحاد الديمقراطي المسيحي. كما أنها تشعر بخيبة كبيرة تجاه حزب الخضر الذي بدا بحسب رؤيتها ملتزما إلى أن شارك في الحكم وتأقلم مع التيار السائد.

أما الخصم الأكبر للحركة فهو الحزب الليبرالي "حزب الأحرار" الذي تعتبره رمزا بشعا لليبرالية الاقتصادية الجديدة وسدا مانعا في وجه إجراءات حماية البيئة والمناخ.

 

 

عارف حجاج

حقوق النشر: موقع قنطرة 2023

ar.Qantara.de